فادي السمردلي يكتب: تعديل انظمة المنظومات لمجموعة الطاعة العمياء اغتيال للعدالة قراءة تحليلية
بقلم فادي زواد السمردلي …
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
إنّ أي منظومة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو إدارية، تقوم في أصلها على وجود أنظمة وقوانين تضبط عملها وتحدد مسارها بما يضمن العدالة والتوازن وتحقيق المصلحة العامة غير أنّ بعض هذه المنظومات قد تنحرف عن مسارها الطبيعي عندما يتم التلاعب بأنظمتها وتعديلها بطريقة مقصودة بحيث تتحول من أداة تنظيمية تخدم الجميع إلى أداة انتقائية تسعى لترسيخ مصالح فئة محدودة من الأفراد وهذا التحول ليس مجرد خلل عابر أو ممارسة فردية ، بل هو عملية إعادة هندسة للبنية المؤسسية نفسها، إذ يُعاد صياغة القوانين واللوائح بما يضمن استمرار السلطة والنفوذ في يد قلة قليلة، بينما يُقصى الباقون أو يُخضعون لشروط قاسية تجعل مشاركتهم شكلية.
إنّ تعديل الأنظمة وفقاً للمصلحة الخاصة يعني في جوهره تدمير الفلسفة التي يقوم عليها أي نظام عادل فالأنظمة وُضعت أساساً لتكون مرجعية عامة، تساوي بين الأفراد وتضمن توزيعاً عادلاً للحقوق والواجبات وحين تتحول هذه الأنظمة إلى وسيلة لفرض الامتيازات الشخصية أو لتعزيز شبكات النفوذ، فإنها تفقد مشروعيتها الأخلاقية، وتتحول إلى أداة قمعية تُستخدم لتبرير الممارسات الاستبدادية باسم القانون وهنا يصبح النص القانوني أو التنظيمي مجرد واجهة ظاهرها خدمة الصالح العام، بينما باطنها تكريس مصالح ضيقة تُدار من خلف الكواليس.
الأخطر في هذا الانحراف ليس فقط في القرارات التي تصدر بشكل منحاز، بل في البيئة البشرية التي يجري تشكيلها داخل المنظومة إذ عادة ما يُفرز هذا النمط من التعديلات أشخاصاً يتم اختيارهم على أساس الولاء الأعمى لا على أساس الكفاءة فهؤلاء الأفراد يصبحون واجهات شكلية للقرار، لا يمتلكون استقلالية فكرية أو شجاعة مهنية، بل يكتفون بتنفيذ ما يُطلب منهم دون نقاش أو مساءلة ومع تراكم هذه الممارسات، تتحول المنظومة إلى حلقة مغلقة تحكمها الطاعة العمياء، وتُستبعد منها كل العقول النقدية التي يمكن أن تساهم في تطويرها أو تصحيح مسارها وهكذا، تتآكل قدرة المؤسسة على مواجهة التحديات الحقيقية، لأنها باتت قائمة على الولاءات الشخصية لا على الكفاءات الموضوعية.
هذا التلاعب بالأنظمة يعكس بوضوح صراعاً بين منطقين: منطق المصلحة العامة ومنطق المصلحة الخاصة فالأول يقوم على الشفافية والانفتاح والتعددية، حيث تصبح المؤسسة مساحة لتلاقي الرؤى وتبادل الأفكار بما يخدم المجموع أما الثاني فيرتكز على الانغلاق والهيمنة وإقصاء الآخر، حيث تُصاغ القوانين واللوائح لتعمل كجدران تحمي مصالح أفراد محددين وتمنع أي محاسبة أو مراجعة ومن هنا يتضح أنّ المصلحة الخاصة عندما تهيمن على النظام، فإنها لا تكتفي بإعادة صياغة القوانين فحسب، بل تعيد صياغة الثقافة المؤسسية بأكملها، لتجعلها قائمة على الخضوع بدلاً من المشاركة، وعلى الخوف بدلاً من الإبداع.
النتيجة الطبيعية لهذا المسار هي انهيار تدريجي للثقة العامة بالمنظومة فحين يدرك الناس أن الأنظمة لم تعد تعبر عنهم أو تحمي حقوقهم، بل صارت مجرد أدوات لخدمة قلة متنفذة، فإن ولاءهم للمؤسسة يتراجع، وقد يتحول إلى رفض أو مقاومة صامتة أو حتى إلى محاولات للخروج من المنظومة كلياً وعندها يصبح النظام هشاً من الداخل، مهما بدا متماسكاً في شكله الخارجي، لأنه فقد الأساس الذي يمنحه الاستقرار: ثقة أفراده وقبولهم الطوعي بشرعيته.
إنّ تعديل الأنظمة لخدمة المصالح الخاصة ليس مجرد عبث بالقوانين، بل هو إفساد للبيئة المؤسسية والاجتماعية، لأنه يحوّل القانون من أداة لتحقيق العدالة إلى أداة لتبرير الاستبداد ويحيل الأفراد من شركاء في صنع القرار إلى مجرد منفذين طائعين. هذه الممارسات قد تمنح المستفيدين منها مكاسب قصيرة الأمد، لكنها على المدى الطويل تُنتج نظاماً هشاً، معزولاً عن محيطه، عاجزاً عن مواجهة الأزمات، لأنه بني على مصالح ضيقة لا على أسس عامة راسخة ومن هنا فإن أخطر ما في هذه الظاهرة هو أنّها لا تدمّر المصلحة العامة فقط، بل تزرع بذور انهيار المنظومة بأكملها، إذ لا يمكن لأي نظام قائم على الطاعة العمياء أن يواجه تعقيدات الواقع أو يستجيب لمتغيراته المستمرة.
الكاتب من الأردن