التسامح قوة لا يفهمها ضعاف النفوس
محي الدين غنيم ….
نحن نعيش في زمن بات فيه التسامح يُفهم خطأً، وأضحى الكثيرون يظنون أن العفو عن إساءاتهم ضعف، وأن الصمت عن تجاوزاتهم خوف، غير مدركين أن في الحقيقة الأمر عكس ذلك تماماً. فالتسامح يحتاج إلى قوة داخلية، وإلى شجاعة نفسية تفوق أضعافاً شجاعة الانتقام أو رد الإساءة بمثلها.
كم مرة سامحنا من أساء إلينا؟ وكم مرة مدَدنا أيادينا بيضاء ناصعة علّها تغسل قلوباً سوداء امتلأت بالغلّ والحقد؟ لكن مع الأسف، اعتقد هؤلاء أن صمتنا خنوع، وأن حلمنا استسلام، بينما الحقيقة أننا نتسامى عن دناءاتهم، ونرتقي فوق ضيق نفوسهم.
جميع الأديان السماوية نادت بالتسامح؛ فالمسيحية جعلت المحبة سبيلاً للخلاص، واليهودية دعت للصفح والبرّ، والإسلام جعل العفو شرفاً وكرامةً ورفعة: “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”. فكيف إذن يُحاول أصحاب القلوب المريضة أن يُصوّروا التسامح ضعفاً؟! إنهم لا يفهمون أن القوة الحقيقية هي أن تملك القدرة على الانتقام، ومع ذلك تختار العفو.
التسامح ليس ضعفاً بل هو أعلى مراتب القوة، وهو معركة صامتة مع النفس قبل أن يكون معركة مع الآخرين. الضعيف هو من يرد الإساءة فوراً لأنه لا يستطيع أن يملك نفسه، بينما القوي هو من يحكم قبضته على مشاعره، ويُطفئ نار الغضب بداخله وهو قادر على إشعالها.
لكن… وللأمانة، علينا أن نُدرك أن التسامح لا يعني السماح بتكرار الإهانة أو فتح الأبواب على مصراعيها لمن اعتاد الطعن من الخلف. نحن نسامح لوجه الله، نصبر ونصفح رجاء إصلاح النفوس، لكننا لا نقبل أن يُفسر حلمنا على أنه خنوع. فنحن نُسامح لأننا أقوى، نغفر لأننا أسمى، ونعفو لأننا لا نسمح للحقد أن يسكن قلوبنا.
وليعلم أولئك الذين يظنون أنفسهم أذكياء باستغلال حلمنا، أن الصبر له حدود، وأن من يتوهم أن التسامح ضعف، سيأتي يوم يصطدم فيه بحقيقة مُرّة: أن وراء الصمت هيبة، ووراء التسامح عزة، وأننا عندما نختار المواجهة فلن يجدوا فينا إلا جبالاً لا تهتز، وعزائم لا تنكسر.
التسامح رسالة الأقوياء، أما الضعفاء فلا يعرفون إلا الحقد والكراهية.
الكاتب من الأردن