مبادرة وزير الداخلية بين شدٍّ وجذبٍ

بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي………..

يا لَها من مبادرةٍ طيّبةٍ تلك التي أطلقها معالي وزير الداخلية مازن باشا الفراية ، حين أراد أن يُهذّب عاداتٍ اجتماعيةً دخيلةً علينا، تسلّلت إلى بيوت الناس حتى صارت تثقل كواهلهم وتنهش جيوبهم باسم الكرم والواجب!
لقد أصاب الوزير حين دعا إلى التخفيف من مظاهر الإسراف في الجاهات والأفراح والأتراح، فكم من أسرةٍ أنهكتها التكاليف، وكم من فقيرٍ استدان ليُرضي الناس، وهو يعلم أن الله لا يرضى عن المسرفين، إذ قال سبحانه: “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين.”

أيها الأحبة، إننا نعيش في زمنٍ اشتدت فيه ضغوط المجتمع، وتفاخر الناس بما لا يملكون، حتى صار الفرح عبئًا، والعزاء مناسبةً للمباهاة.
في العزاء مثلًا، كان الطعام يُقدَّم من أهل الميت لضيوفهم وفاءً للعرف وإكرامًا للضيف، فإذا بنا اليوم نرى أهل الميت آخر من يأكل، وقد أثقلهم الدين والحزن معًا. ينسى بعضهم ديون الميت التي يُسأل عنها يوم الحساب، وينشغلون بلحمٍ ورزٍّ ولبنٍ وماءٍ وموائدَ لا تنتهي، حتى ضاع عنهم المقصود، وغابت الرحمة خلف المظاهر.

وأما الأفراح، فقد كانت يومًا فرحة القرية بأسرها، بسيطةً عفويةً، فيها البركة والرضا، فإذا بنا نحولها اليوم إلى مسرحٍ للزينة والتفاخر، يخسر فيها الجميع. لقد فقدت الأفراح روحها، وصارت كأنها واجبٌ ثقيلٌ على النفوس، بدل أن تكون لحظةً للسرور والصفاء.

أيها الأخ والصديق ورفيق السلاح معالي الوزير الفاضل، لقد أحسنتَ في مبادرتك، وكنتَ صادق النية فيما طرحت، غير أن لي رجاءً آخر أضعه بين يديك، وهو أن تُطلق مبادرةً تُعنى بثقافة التبرع بالأعضاء.
اجعل لهذا العمل الإنساني العظيم خانةً في رخص القيادة والبطاقات الشخصية ودفاتر العائلة، ليُصبح التبرع بالأعضاء سنةً حسنةً في مجتمعنا. فبها نحفظ أرواحًا كثيرة، ونوفر على دولتنا الملايين التي تُنفق على مراكز غسيل الكلى، ونكسب الأجر العظيم من الله، إذ قال سبحانه:
“ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.”

إن من ينتقدك اليوم يا معالي الوزير لا يعترض على فكرتك، بل تحركه أغراضٌ في نفسه ولهم غايات كما كان لإخوة يوسف غايات عند والدهم يعقوب .
فامضِ في مبادرتك، وافتتح غيرها مما فيه نفعٌ للناس وخيرٌ للوطن، فالإصلاح لا يكون بالسيف، بل بالفكر، ولا يتحقق بالقوانين وحدها، بل بالقدوة والمبادرة.

حماك الله ووفقك في ظل العرش الهاشمي ، وجعل نيتك خالصةً لوجهه الكريم، ونفع بك البلاد والعباد.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا