“عربٌ يقتلون عرباً : نزيف الدم العربي بين الفصائل والأنظمة المستبدة”
محي الدين غنيم …..
في زمنٍ أصبحت فيه الدماء أرخص من الكلمات، يشهد الوطن العربي موجةً مروعة من القتل غير المبرر، تارةً باسم الدين، وتارةً باسم الوطن، وأخرى باسم السلطة. لا فرق بين قاتلٍ يرتدي بزّة عسكرية وآخر يرفع راية فصيلٍ مسلح، فكلاهما يسفك دماء الأبرياء ويغتال أحلام الشعوب التي ما زالت تحلم بالحرية والكرامة والعدالة.
في فلسطين، ما زال الجرح ينزف، ليس فقط من رصاص الاحتلال، بل من رصاص الإخوة، فكم من شابٍ قُتل بلا محاكمة، وكم من صوتٍ اغتيل لأنه قال “كلمة حق”. المقاومة الشريفة تختزل أحيانا في شعاراتٍ جوفاء، بينما يمارس القهر الداخلي باسم “المصلحة الوطنية”.
وفي السودان، تتناحر الفصائل على السلطة بينما يذبح الوطن من الوريد إلى الوريد. الخرطوم تحولت إلى ساحة حرب بين الإخوة الأعداء، والضحية هو الشعب الذي يعيش تحت القصف والجوع والتهجير، يدفع ثمن صراعٍ على الكراسي والمناصب لا على الكرامة أو الحرية.
أما في الصومال، فالحكاية طويلة ودامية، وطنٌ تمزقه الجماعات المتطرفة من جهة، وتنهشه الأيادي الأجنبية من جهة أخرى. عقود من الحرب الأهلية جعلت الدم عادةً، والموت خبراً عادياً في نشرات المساء.
وفي اليمن، تكررت المأساة نفسها؛ بلد الحضارة والتاريخ أصبح رهينة لحروب الوكالة، يُقتل فيه الأبرياء بين صاروخٍ يطلقه طامع، ورصاصةٍ يطلقها متعصب. لا أحد يربح في هذه الحروب سوى تجار الموت ومهندسي الفوضى.
لقد تحوّل القتل في بعض أرجاء وطننا العربي إلى لغةٍ مشتركة بين الفصائل والأنظمة، وكأن الدم هو الوسيلة الوحيدة لإثبات الوجود أو بسط النفوذ. من غزة إلى الخرطوم، ومن مقديشو إلى صنعاء، المشهد واحد: دماءٌ بلا عدالة، وصرخاتٌ تضيع في ضجيج البنادق.
والمؤلم أن العالم العربي الذي كان يوماً مهد الحضارة والكرامة صار اليوم مثالاً على التناحر والتشتت. الشعوب تقتل، والأنظمة تصمت، والعالم يتفرج. وبين كل هذا، يظل المواطن العربي يسأل: إلى متى نظل نُقتل بأيدي بعضنا البعض؟
إن الخلاص لا يأتي من بندقية، ولا من فصيلٍ مسلح، بل من صحوة ضميرٍ عربي حقيقي تُعيد للإنسان العربي حقه في الحياة قبل أن يُمحى اسمه من الوجود.
الكاتب من الأردن