هل المنظمات الدولية الإنسانية مشروعٌ احتلاليٌّ أم ضميرٌ إنسانيّ؟

طوفان الجنيد  ….

 

﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ﴾
في عالمٍ تتصارعُ فيه القوى، وتكثرُ فيه النزاعاتُ والحروبُ والكوارثُ الطبيعية، وتبرزُ الأيديولوجيّاتُ السياسيّة والمصالحُ والأجنداتُ الدوليّة، تظهرُ المنظماتُ الإنسانيّةُ كمنقذٍ للشعوب، ترفعُ شعارَ الحيادِ والإغاثةِ الإنسانيّة في بحرٍ من الصراعاتِ والمشكلاتِ والأزمات.
لكنّنا في الآونةِ الأخيرة، وفي عصرِ الهيمنةِ والاستكبارِ والأطماعِ الغربيّةِ في الاستئثارِ بالمواردِ المعدنيّةِ، خصوصًا في الدولِ العربيّة، نرى الوجهَ القبيحَ لهذه المنظّمات، إذ برزت تبعيّتها المُطلقةُ للدولِ الكبرى الغربيّة، لتُصبح وجهًا حديثًا للهيمنةِ والاستعمار، وأداةً لجمعِ المعلوماتِ الاستخباريّة لتلك الدولِ المانحة.
لماذا نقول إنّ المنظمات الإنسانيّة مشروعٌ احتلاليٌّ مُقنّع؟
لأنّ الأحداثَ التاريخيّةَ والوقائعَ الراهنةَ وانتشارَ النزاعاتِ والحروبِ السياسيّةِ الدوليّة، أثبتت لكلِّ متابعٍ ومعايشٍ للواقع أنّ الضمائرَ الإنسانيّة قد ماتت، وانتهت صلاحيّتها، وولّى زمانُها، وجاء زمنُ المغرياتِ والتوحّشِ والإجرام.
لقد تعدّدت أساليبُ الحروبِ والمواجهاتِ إلى حروبٍ اقتصاديّةٍ وناعمةٍ وباردة، ومن بينِ أدواتِها العملُ الإنسانيُّ والإغاثي، بما يمثّله من اختراقاتٍ خطيرةٍ للمجتمعاتِ والدولِ المحتاجة، كما هو الحاصلُ في فلسطين وأفغانستان واليمن، لتتحوّل بعضُ المنظماتِ إلى أداةٍ للهيمنةِ الغربيّة.
إنّ المنظماتِ الدوليّةَ الكبرى هي امتدادٌ لسياساتِ دولِها الأم، خصوصًا الغربيّة منها، حيث تُستخدم المساعداتُ كأداةٍ للضغطِ السياسيِّ والعملِ الاستخباراتيِّ التجسّسي لتحقيقِ أجنداتٍ معيّنةٍ لدولِ الهيمنةِ والاستكبارِ الأمريكيّةِ الغربيّةِ الصهيونيّة.
فهي تسعى إمّا لتصديرِ قيمِ هذه الدولِ الغربيّة ومسخِ القيمِ الإنسانيّةِ للشعوبِ المستهدفة، بما يُقوِّضُ الثقافاتِ المجتمعيّةَ ويُفكِّكُ القيمَ الأخلاقيّةَ، ويُغيِّرُ المبادئَ والثوابتَ الصحيحةَ للمجتمع، أو لتعزيزِ التبعيّةِ وإضعافِ الدولة.
ويعتمدُ ذلك على خنقِ الاقتصادِ الوطنيِّ واستبدالِه بالمساعدات، حيثُ تصبحُ العمليّةُ الإنسانيّةُ صناعةً قائمةً بذاتِها، تُنشئُ تبعيّةً دائمةً، وتُبقي المجتمعاتِ ضعيفةً، وتُفقدُ الحكوماتِ المحليّةَ الحافزَ لبناءِ مؤسّساتِها، مما يخلقُ شكلًا من أشكالِ الاستعمارِ الجديد.
كما يظهرُ الانحيازُ الخفيّ واختلالُ الموازينِ في سياقاتِ الصراع، حيثُ تُعاملُ الشعوبُ المظلومةُ بمكيالٍ، والمعتديةُ بمكيالٍ آخر.
الخلاصة:
من خلالِ التجاربِ والأحداثِ، يمكننا القولُ إنّ المنظماتَ الإنسانيّة مرآةٌ تعكسُ التناقضاتِ الكبيرة بين الأقوالِ والشعاراتِ التي ترفعُها الدولُ الغربيّةُ المانحة، وبين التآمراتِ والأجنداتِ المشبوهةِ التي تُريدُها تلك الدول.
فهو صراعٌ بين القيمِ النبيلةِ والمصالحِ الدنيويّة، وصورةٌ حيّةٌ لمدى الافتقارِ إلى النزاهةِ والمراجعةِ الذاتيّة.
إنّ الحلَّ لهذه المعضلةِ يكمنُ في فرضِ الرقابةِ المشدّدةِ على العملِ الإنسانيّ، وتعزيزِ دورِ المنظّماتِ المحليّة، وضمانِ استقلاليّةِ القرارِ عن الأجنداتِ السياسيّة، وتطبيقِ الشفافيّةِ المُطلقةِ في التمويلِ ومتابعةِ التقاريرِ الدوريّةِ للمنظّماتِ الأجنبيّة.
فقط من خلال بناءِ نظامٍ إنسانيٍّ قائمٍ على الشراكةِ الحقيقيّةِ والضمائرِ الإنسانيّةِ الحيّة، يمكنُ أن نُعيدَ للإنسانيّةِ معناها، وللعملِ الإنسانيِّ طهارتَه ونقاءَه.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا