فادي السمردلي يكتب: التعليم المهني في الأردن جسر نحو مستقبل مستدام ومهارات عملية

بقلم فادي زواد السمردلي. …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

 

في ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح التعليم المهني في الأردن أكثر أهمية من أي وقت مضى فبينما كان يُنظر إلى التعليم الأكاديمي التقليدي سابقًا كطريق وحيد للنجاح والاستقرار، بدأت الحاجة تتضح إلى مسارات تعليمية عملية تمنح الشباب مهارات ملموسة تؤهلهم مباشرة لسوق العمل فالتعليم المهني يقدم هذا الحل، إذ يعتمد على التدريب العملي والتطبيقي في مجموعة واسعة من المهن، بدءًا من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، وصولًا إلى التكنولوجيا الحديثة، مثل الإلكترونيات، وصيانة المعدات، والبرمجة، والتصميم الهندسي، والفندقة والسياحة فهذا النوع من التعليم يتيح للخريجين فرصة للاندماج السريع في سوق العمل، حيث يمتلكون خبرة فعلية توازي أو تفوق ما يحصل عليه بعض خريجي الجامعات في المجالات النظرية.

في الأردن، يشهد التعليم المهني توجهًا جديدًا نحو تحديث البرامج وربطها باحتياجات سوق العمل الفعلية، سواء في القطاع الصناعي أو الخدماتي وهذا التوجه جاء نتيجة إدراك الحكومة وأصحاب الأعمال أن الاقتصاد الوطني يحتاج إلى قوة عاملة مدربة ومؤهلة يمكنها المساهمة في رفع الإنتاجية وتحقيق النمو المستدام. فالشركات والمؤسسات غالبًا ما تواجه نقصًا في الكوادر الماهرة، خاصة في مجالات مثل الصيانة الكهربائية والميكانيكية، الضيافة والسياحة، التقنية الرقمية، والخدمات الصحية. وبفضل التعليم المهني، يمكن سد هذه الفجوة بطريقة فعالة، مع منح الشباب فرصة للحصول على وظائف مستقرة برواتب منافسة، وبالتالي المساهمة في الحد من البطالة، التي تُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه الأردن.

ورغم هذه الفوائد، يواجه التعليم المهني في الأردن عددًا من التحديات الجوهرية، أبرزها النظرة النمطية القديمة التي تربطه بأنّه خيار لمن لم ينجح في التعليم الأكاديمي التقليدي فهذه الصورة النمطية أدت لسنوات إلى عزوف بعض الشباب عن الانخراط في برامج التدريب المهني، مع التركيز على الشهادات الجامعية كمعيار وحيد للنجاح ومع ذلك، بدأت هذه النظرة تتغير تدريجيًا، خاصة مع زيادة الوعي بين الشباب وأولياء الأمور بأن المهارة العملية قد تكون أكثر قيمة على المدى الطويل من مجرد الشهادة الأكاديمية، إذ يتيح التعليم المهني فرصًا مباشرة لتحقيق دخل ثابت وتطوير مسار مهني مستدام.

التحدي الآخر يتمثل في نقص التجهيزات الحديثة والبنية التحتية في بعض مراكز التدريب المهني، وهو ما يعيق أحيانًا تقديم تجربة تعليمية متكاملة وهنا تلعب الشراكات بين القطاع العام والخاص دورًا حاسمًا في تطوير المراكز وتوفير المعدات اللازمة لتدريب الطلاب وفق أحدث المعايير فالمؤسسات والشركات التي تستثمر في تدريب الطلاب لا تقتصر على دعم التعليم فقط، بل تضمن أيضًا وجود كوادر مؤهلة يمكنها الانضمام إلى فرق العمل مباشرة بعد التخرج، مما يخلق دائرة تكاملية بين التعليم وسوق العمل.

بالإضافة إلى ذلك، يوفر التعليم المهني مساحة للابتكار وريادة الأعمال، حيث يمكن للطلاب استخدام مهاراتهم العملية في تأسيس مشاريع صغيرة أو الانخراط في صناعات ناشئة، مثل تصميم وصيانة الأجهزة الإلكترونية، والخدمات الرقمية، والحرف اليدوية وهذا يعزز من مفهوم الاستقلالية الاقتصادية ويحفز الشباب على التفكير بطريقة إبداعية لتلبية احتياجات السوق المحلي والإقليمي.

في ضوء كل هذه العوامل، يبدو أن المستقبل بالنسبة للتعليم المهني في الأردن واعد ومبشر. فهو لا يقتصر على كونه مسارًا تعليميًا بديلًا، بل أصبح ركيزة استراتيجية لبناء اقتصاد قادر على مواجهة تحديات العصر الحديث ومع كل خطوة نحو تحسين جودة التدريب المهني وتغيير الصورة المجتمعية حوله، يقترب الأردن من تحقيق رؤية تعتمد على المهارة والكفاءة كمعايير أساسية للنجاح، مع تمكين الشباب من بناء حياة مستقرة ومجتمع أكثر قدرة على التطور والنمو. التعليم المهني في النهاية ليس مجرد تعليم، بل هو استثمار في الإنسان، وفي المستقبل، وفي قدرة الأردن على المضي قدمًا نحو مجتمع منتج ومبدع ومتطور.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا