الذكرى العاشرة لضربة توشكا في باب المندب صفعة الاستكبار ورسالة الكرامة

أحلام الصوفي  …..

 

تمر علينا اليوم الذكرى العاشرة لضربة توشكا في باب المندب، وهي لحظة مفصلية في تاريخ المواجهة مع قوى العدوان والهيمنة. ففي 14 ديسمبر 2015م، أبدع الأبطال في توشكا عملية نوعية أثبتت أن اليمن ليس ساحةً مفتوحة للغزاة، بل أرضٌ تقاوم وتلقّن المعتدي درسًا لا يُمحى من الذاكرة.

لم تكن تلك الضربة مجرد صدفة أو حدثًا عابرًا في مسرح الحرب، بل كانت رسالة واضحة مفادها أن مواجهة العدوان لن تكون سطحية ولا من دون أثر، وأن الشعب اليمني قادر على قلب موازين القوة حين يمتلك العزيمة والقدرة ففي لحظة واحدة امتزج فيها الدم الأمريكي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي، مع دم عناصر تنظيمات التطرف، في خندق واحد، في مشروع واحد، في وجه واحد.

لقد حملت توشكا دلالات استراتيجية تتجاوز حدود الميدان. فالأمريكي والإسرائيلي كانا حضورًا فعليًا في المشهد اليمني عبر أدواتهما المتعددة، سواء عبر الدعم العسكري للتحالف، أو عبر الاستشارات والاستخبارات، أو عبر التغطية الإعلامية والسياسية. وهنا لا يمكن فصل ما جرى في باب المندب عن الدور الحقيقي لهذه القوى في الحرب على اليمن.

واختلط في لحظة واحدة دم كل هذه القوى في خندق واحد، وبدت الصورة واضحة:
العدو واحد، والمشروع واحد، والأهداف واحدة، والنتيجة واحدة

وفي السياق ذاته، فإن ضربة توشكا لم تكن مجرد انتصار عسكري بقدر ما كانت انعطافة وعي، وثورة في فهم طبيعة الصراع، إذ جعلت اليمنيين ينظرون بعمق إلى شكل المعركة وحدودها ومَن يقف خلفها. كانت صرخة مدوية تقول للعالم إن اليمن ليس ضعيفًا، وإن محاولات فرض الاستسلام عليه ستُقابل بكرامة لا تساوم ودم لا يخاف من الفداء.

لقد صنعت توشكا في باب المندب فاصلاً زمنيًا حقيقيًا في مسار العدوان، إذ أعادت التحالف إلى لحظة مراجعة، وشكّلت صدمة لقياداته في الداخل والخارج. ظهر الهشّ الأمني والاستخباراتي، واهتزّت أسطورة المرتزقة المدعومين بتكنولوجيا وخبرات أمريكية وإسرائيلية، وارتبك المشهد في الأروقة العسكرية لغرف قيادة العدوان.

وما زالت هذه الضربة، رغم مرور عشر سنوات، حاضرةً في الوعي الجمعي للشعب اليمني، تُستعاد كلما حاول العدو التقدّم بخطوة أو تغيير قواعد الاشتباك. فهي ضوء في مسار طويل من التضحيات، ومثالٌ على أن اليد التي تؤمن بقضيتها لا تعجز عن الوصول.

إن من يتأمل هذه الذكرى اليوم، يدرك أن المعركة لم تكن يومًا حدودية أو مناطقية، بل كانت منذ بدايتها صراع وجود، بين وطنٍ حرّ وسيادة مستهدفة، وبين مشروع استعمار جديد يسعى لتقسيم اليمن ونهب خيراته.

ومثلما كان باب المندب بوابة نصر في 2015، فإن دروب العزة التي شُقّت في تلك الليلة لا تزال ممتدة، تؤكد أن الرهان على كسر إرادة اليمنيين رهان خاسر، وأن الغزاة مهما تفاخروا بتحالفاتهم، فإن طلقة واحدة موجّهة بإيمان أقوى من جيوشهم.

وإن كانت ضربة توشكا قد فجّرت معسكر العدوان في باب المندب، فإنها أيضًا فجّرت وعيًا وطنيًا عارمًا، عبّر عن نفسه في التلاحم الشعبي خلف الجيش واللجان، ورفعت من منسوب الثقة بقدرات القوة الصاروخية اليمنية، التي وُلدت من رحم الحصار، ونمت في قلب المعاناة، وتحوّلت من وسائل ردع تقليدية إلى منظومة ردع استراتيجي أرعبت المعتدين.

لقد جاءت هذه الضربة في لحظة حرجة، حين كان العدو يحشد أدواته لإطباق السيطرة على باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم، فكانت الصدمة كبيرة ليس فقط على مستوى الخسائر البشرية والعسكرية، بل في كسر الهيبة، وكشف هشاشة المراهنات على المرتزقة والشركات الأمنية كأدوات بديلة عن الجيوش النظامية.

كما أكدت هذه العملية أن اليمن لم يكن طرفًا ضعيفًا في معادلة الحرب، بل صاحب قرار ويد طولى، يمتلك القدرة على المبادرة والمفاجأة في التوقيت والمكان المناسب. ومع كل عام تمر فيه ذكرى هذه الضربة، تعود الأسئلة الكبرى لتُطرح من جديد: كيف استطاع اليمن، رغم الحصار والتجويع، أن يبني قدراته بهذا الشكل؟ وكيف لعقيدة القتال حين تقترن بالإيمان، أن تهزم آلة حرب ضخمة مدججة بالمال والدعم الغربي والإسرائيلي؟

اليوم، وبعد عشر سنوات، لا تزال توشكا باب المندب محطة لا يمكن تجاوزها في قراءة الحرب والسلام في اليمن. فكما غيّرت المعادلة عسكريًا، غيّرت كذلك الرؤية السياسية والإعلامية حول طبيعة العدوان، وفضحت الوجوه التي كانت تدّعي الوطنية وهي في قلب المشروع الأمريكي.

الكاتبة من اليمن

قد يعجبك ايضا