العينُ التي أصابت يزن
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي …………..
رأيتُ يزنَ يوم كان يعدو في الميدان كأنما يحمل الوطن على كتفيه، ويزرع في قلوبنا الفرح زرعاً لا يخيب، ويجعل من الكرة رسالة، ومن العرق صلاة، ومن الانتصار دعاءً مستجاباً. كان يندفع نحو المرمى لا بوصفه لاعباً، بل بوصفه أمّةً تبحث عن مجدٍ طال انتظاره.
ثم كانت اللحظة…
لحظةٌ لا خصم فيها ولا التحام، ولا يدٌ امتدت لتكسر، وإنما عينٌ خفية، أو قدرٌ عاجل، أو امتحانٌ لا يُرى. راوغ يزن، كما يراوغ الحلمُ اليأس، ثم هوى فجأة، كأن الأرض نادته فلبّى، وكأن الجسد قال للنفس: توقّفي، فقد سبقك الألم.
نظرنا إلى الشاشة بقلوبٍ واجفة، نعرف ما لا يريد الأمل أن يعترف به. كانت الإصابة واضحة، وكان الوجع أصدق من أي تشخيص. تمنّينا لو خرج يزن من الملعب كما خرجت الدموع من أعيننا، قبل أن يشتد البلاء، وقبل أن يطول الفراق. لكن الإنسان أحياناً يصرّ على الوقوف، لا لأن الجسد قادر، بل لأن القلب يأبى الانكسار.
فكانت الخسارة أكبر من مباراة، وأقسى من إصابة؛ غيابٌ طويل، عقدٌ ضاع، وحلمٌ عالميٌّ تأجّل. وما أصعب أن يُحرم المرء ثمرة جهده في اللحظة التي مدّ يده ليقطفها.
وحين فتّشتُ عن تفسيرٍ لما حدث، لم أجد في العقل جواباً يُطفئ نار السؤال، فقلت كما يقول القلب إذا أعياه المنطق: هي عينٌ أصابت، وحسدٌ مرّ، لكن فوق العين عين الله، وفوق الحسد قدره، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
لسنا نحب يزن لأنه هدّاف، بل لأنه صادق. ولسنا نغلي له لأنه نجم، بل لأنه كان مرآتنا في الملعب؛ كل واحدٍ منا كان يجري معه، ويسقط بسقوطه، ويقوم على أمل عودته.
المنتخب ليس أسماءً تُعدّ، بل قلوبٌ تجتمع، ويزن واحدٌ من تلك القلوب، وإن غاب الجسد. فليُحصَّن النشامى بالدعاء، ولتُقرأ عليهم المعوّذات، فالقلوب إذا طهرت، حُفظت، وإذا أُوكِلت إلى الله، كفاها.
يا يزن…
إن سقط الجسد اليوم، فالغد قيام، وإن طال الغياب، فالمحبة لا تُصاب. ستعود، لا كما كنت، بل أقوى؛ لأن الألم إذا مسّ الصادقين، صنع منهم رجالاً يعرفون معنى الوطن أكثر.
نسأل الله أن يحفظ نشامانا، وأن يردّ ليزن عافيته، وأن يجعل ما أصابه رفعةً لا كسراً، وتأجيلاً لا حرماناً، فهو نعم المولى ونعم النصير.