المطلوب اتخاذ تدابير وقائية لمنع حبس الموظفين العاملين في القطاع الحكومي والأمني والمتقاعدين للشيكات الراجعة بسبب أزمة الرواتب المتسبب فيها الحكومة

بقلم: د. تيسير فتوح حجه  …..

الأمين العام لحركة عداله
في ظلّ الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، وما رافقها من انتظام مختل في صرف الرواتب لموظفي القطاع الحكومي والأمني والمتقاعدين، تبرز إشكالية قانونية وإنسانية خطيرة تتمثل في ملاحقة هؤلاء الموظفين جزائياً وحبسهم بسبب شيكات راجعة، رغم أن سبب العجز عن الوفاء هو سياسات حكومية خاطئة وتقصير واضح في إدارة الملف المالي، لا سوء نية ولا احتيالاً من جانب الموظف.
إن حبس الموظف أو المتقاعد بسبب شيك راجع في مثل هذه الظروف يشكّل ظلماً مركباً، يجمع بين الفشل الحكومي في الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها، وبين تحميل الضحية تبعات أزمة لم يكن هو المتسبب فيها، وهو ما يتعارض مع مبادئ العدالة الاجتماعية وروح القانون وأحكام الدستور الفلسطيني.
أولاً: المسؤولية القانونية والأخلاقية للحكومة
إن الحكومة، بوصفها ربّ العمل، تتحمّل مسؤولية مباشرة عن ضمان صرف الرواتب بانتظام، أو على الأقل توفير بدائل قانونية تحمي الموظف من الانزلاق إلى المساءلة الجزائية. فكيف يُعقل أن يُحاسَب الموظف على شيك حرّره لتأمين ضروريات الحياة، بينما السبب الجوهري لعدم السداد هو تأخر أو اقتطاع راتبه بقرار حكومي؟
إن استمرار هذا النهج يُعدّ إخلالاً بمبدأ حسن النية في المعاملات، وإفراغاً لفكرة العدالة من مضمونها، وتحويلاً للقانون من أداة حماية إلى أداة قمع اجتماعي.
ثانياً: حبس الموظفين والمتقاعدين مخالفة لروح القانون
صحيح أن قانون العقوبات يجرّم الشيك بدون رصيد، لكن الفقه والقضاء المستقرّان يميّزان بين الجريمة القائمة على القصد الجرمي، وبين العجز القهري الناتج عن ظروف خارجة عن الإرادة.
وفي حالة الموظفين والمتقاعدين، فإن العجز قاهر ومثبت، ومرتبط بشكل مباشر بأزمة الرواتب، ما يستوجب تعليق الملاحقة الجزائية واللجوء إلى حلول مدنية عادلة.
ثالثاً: التداعيات الاجتماعية والوطنية الخطيرة
إن زجّ الموظفين والعسكريين والمتقاعدين في السجون لا يهدد فقط استقرار أسرهم، بل يضرب السلم الأهلي، ويقوّض الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، ويمسّ كرامة من أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن.
كما أن حبس عناصر من الأجهزة الأمنية أو موظفين حكوميين بسبب شيكات راجعة، ينعكس سلباً على هيبة المؤسسة الرسمية نفسها.
رابعاً: موقف حركة عداله
انطلاقاً من مبادئها القائمة على العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وحماية الفئات المتضررة، تؤكد حركة عداله ما يلي:
المطالبة الفورية بوقف حبس الموظفين والعسكريين والمتقاعدين على خلفية شيكات راجعة ناتجة عن أزمة الرواتب.
إصدار تشريع أو قرار بقانون يعلّق الملاحقة الجزائية في هذه القضايا، ويحوّلها – إن لزم – إلى مسار مدني منضبط.
تحميل الحكومة المسؤولية القانونية والمالية عن الأضرار التي لحقت بالموظفين بسبب سياساتها المالية.
دعوة النائب العام والقضاء الفلسطيني إلى ممارسة سلطتهم التقديرية بما ينسجم مع العدالة والظروف الاستثنائية.
إنشاء صندوق وطني لمعالجة مديونية الموظفين الناتجة عن أزمة الرواتب، بضمانة حكومية.
ختاماً
إن حماية الموظف والمتقاعد من الحبس بسبب الشيكات الراجعة ليست منّة ولا تفضّلاً، بل واجب قانوني ووطني وأخلاقي.
وإن استمرار الصمت الرسمي إزاء هذه المأساة يشكّل تواطؤاً غير مباشر مع انتهاك الكرامة الإنسانية.
فالدولة التي تعجز عن دفع الرواتب، لا يجوز لها أن تعاقب ضحايا عجزها بالسجن.

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا