فادي السمردلي يكتب: الأردن والضربات الاستباقية مواجهة شبح المخدرات العابرة للحدود

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

تحولت مشكلة تهريب المخدرات إلى تهديد أمني واضح على الأردن، بحيث لم تعد مسألة ضبط الحدود وملاحقة المهربين كافية، بل صارت تتطلب ردودًا استباقية وحازمة تصل إلى الضربات الجوية والمعارك الميدانية المباشرة على معاقل المخدرات فهذه الغارات الأخيرة ليست مجرد خطوة تكتيكية بل هي انعكاس لإدراك الاردن أن تهريب المخدرات أصبح صناعة متكاملة، تعتمد على شبكات مسلحة ومنظمة، وتستغل أي فراغ أمني أو نقاط ضعف في الحدود لنشر المخدرات وتحويلها إلى أداة لتدمير المجتمعات من الداخل.

على الحدود الشمالية، لم يعد المهربون مجرد أفراد يحملون شحنات صغيرة في الليل، بل أصبحوا عناصر منظمة، يستخدمون الأسلحة الثقيلة، ويخططون لعمليات تهريب معقدة ومحمية بمخابئ سريّة وممرات آمنة لا يمكن الوصول إليها إلا بالقوة. هذه الشبكات لا تهتم بالقوانين ولا بالمجتمع، فهي تعمل وفق منطق الربح فقط، دون مراعاة لأي تبعات اجتماعية أو أمنية، وتستثمر في الشباب، وفي الطلب المتزايد على المخدرات، لتصبح كل عملية تهريب جزءًا من مشروع أكبر: مشروع لإضعاف المجتمع وتأجيج الجريمة والإدمان.

الغارات الأردنية، التي استهدفت معامل ومخازن في عمق مناطق التهريب، ترسل رسالة صارخة إلى المهربين حدود المملكة ليست ساحة مفتوحة، والأمن الوطني خط أحمر. لم يكن الهدف مجرد تدمير المخدرات، بل توجيه ضربة إلى قلب شبكات التهريب، وقطع الطريق على أي محاولة لتوسيع نشاطها. فالتهريب لم يعد مجرد تهديد اقتصادي، بل تهديد اجتماعي وأمني مباشر، وتركه دون مواجهة صار حتمية خطرًا متصاعدًا على المجتمع الأردني بأكمله.

الأخطر من ذلك أن المخدرات نفسها أصبحت أداة تدمير داخلي، لا مجرد سلعة للربح فحبوب الكبتاغون والمخدرات الأخرى ليست مجرد منتجات تُباع وتُستهلك، بل وسيلة لتفكيك البنية الاجتماعية، وخلق أجيال ضعيفة ومنهكة، بلا قدرة على مقاومة الانحراف أو الحفاظ على استقرارها النفسي والاجتماعي وهنا، تصبح الضربات الاستباقية أقل الخيارات سوءًا، لأنها الطريقة الوحيدة لقطع الطريق على صناعة هذا السم قبل أن يصل إلى الشباب والمجتمعات.

العملية الاستباقية للأردن تكشف أيضًا حجم التحدي الذي تواجهه الدولة فبينما الشبكات تتوسع وتصبح أكثر تعقيدًا، تظل الدول المتضررة مجبرة على التصرف بشكل منفرد، نظرًا لغياب آليات فعالة للتنسيق الإقليمي والدولي في مواجهة تهريب المخدرات وهذا الوضع يضع على عاتق الأردن عبىء حماية نفسه ومجتمعه، ويجعل من الضربات الاستباقية ضرورة حتمية، لا مجرد خيار تكتيكي فالأمن الوطني لا يُدار بالأمل أو بالتصريحات فقط، بل بالإجراءات العملية التي تمنع وصول السم إلى الناس قبل فوات الأوان.

في هذا السياق، يرسل الأردن رسالة مزدوجة أولًا، أنه لن يسمح للمخدرات بأن تتحول إلى تهديد وجودي لمجتمعه، وثانيًا، أن الرد على شبكات التهريب لن يقتصر على الملاحقة القانونية أو التدابير الأمنية التقليدية، بل سيمتد إلى قلب المعركة، حيث تُصنع المخدرات وتُدار شبكاتها. هذا النهج الصارم يعكس فهمًا عميقًا للطبيعة الخطرة للتهريب، ولضرورة التعامل معه بحزم لا يقبل التأجيل أو التساهل.

في النهاية، الغارات الأردنية على معاقل المخدرات ليست مجرد خبر عابر، بل جزء من استراتيجية دفاعية متكاملة، تهدف إلى حماية المجتمع، وتأمين الحدود، ومنع المخدرات من التسلل إلى كل زاوية من حياة الناس فهي صورة صارخة للواقع الذي يفرض نفسه لا تهاون مع تهريب المخدرات، ولا مجال لترك المجتمعات فريسة للشبكات المنظمة، ولا بديل عن الرد الحازم فالأردن يثبت بهذه العمليات أنه لا ينتظر وصول السم إلى الداخل، بل يقاتل المصدر مباشرة، ليضمن بقاء مجتمعه آمنًا ومستقرًا في مواجهة تهديد متزايد وعابر للحدود.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا