فادي السمردلي يكتب :نقطة التعادل 2030 بدلًا من 2039 إنذار مبكر بفشل إدارة الاستدامة في الضمان الاجتماعي
بقلم فادي زواد السمردلي. …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
لم يكن التراجع المفاجئ لنقطة التعادل الأولى في الضمان الاجتماعي الأردني من عام 2039 إلى عام 2030 مجرد تصحيح تقني في أرقام دراسة اكتوارية، بل شكّل تحوّلًا خطيرًا في مسار الاستدامة المالية للنظام التأميني، وكشف عن فجوة عميقة بين ما كان يُروَّج له من استقرار طويل الأمد، وبين الواقع المالي الذي بات أكثر هشاشة مما كان يُعلن سابقًا فهذا التراجع الحاد يفرض تساؤلات جوهرية حول كفاءة السياسات المتبعة، ودقة الافتراضات التي بُنيت عليها الدراسات السابقة، وقدرة الإدارة على قراءة المخاطر والتعامل معها في وقتها.
الدراسة الاكتوارية العاشرة لعام 2022 قدّمت نقطة التعادل الأولى عند عام 2039، وهو تاريخ كان يعني أن الإيرادات من الاشتراكات ستبقى قادرة على تغطية النفقات التأمينية لسنوات طويلة دون الحاجة للاعتماد على العوائد الاستثمارية أو الأصول وهذا التقدير منح صناع القرار شعورًا زائفًا بالأمان، وأجّل اتخاذ إصلاحات حقيقية كان يفترض أن تبدأ في حينه ولكن الدراسة الحادية عشرة لعام 2025 نسفت هذا التصور بالكامل، عندما أعادت ضبط نقطة التعادل إلى عام 2030، أي قبل تسع سنوات كاملة، وهو فارق كبير في منطق الأنظمة التأمينية التي تُدار بعقود لا بسنوات.
هذا التراجع لا يمكن تفسيره بعامل واحد، لكنه يعكس تراكمز اختلالات لم تُعالج بجدية وفي مقدمة هذه الاختلالات استمرار التقاعد المبكر بوصفه المسار الغالب لا الاستثناء فخروج أعداد كبيرة من المشتركين في سن إنتاجية، وتوقف اشتراكاتهم، مقابل التزام طويل الأمد بصرف رواتب تقاعدية، خلق ضغطًا متزايدًا على النفقات وأضعف القاعدة التمويلية للنظام فهذا الخلل كان معروفًا ومُحذّرًا منه في تقارير سابقة، لكنه لم يُواجَه بإجراءات حاسمة، بل جرى التعامل معه بتساهل سياسي واجتماعي على حساب الاستدامة المالية.
إلى جانب ذلك، أخفقت المؤسسة في توسيع قاعدة الشمول التأميني، خاصة في القطاع غير المنظم، حيث ما زالت نسبة كبيرة من العاملين خارج مظلة الضمان فهذا الإخفاق لم يحرم النظام من إيرادات إضافية فحسب، بل زاد من تركّز العبىء على شريحة محدودة من المشتركين، مما جعل أي صدمة اقتصادية كفيلة بتسريع اختلال التوازن بين الإيرادات والنفقات، وهو ما انعكس مباشرة على توقيت نقطة التعادل.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما جرى خلال جائحة كورونا، وإن لم يكن هو المدخل الرئيسي للنقاش فقد شهدت تلك المرحلة استخدامًا واسعًا لأموال الضمان الاجتماعي في برامج دعم متعددة، كان جزء مهم منها موجّهًا لتخفيف الأعباء عن أصحاب العمل فهذا الدعم، رغم مبرراته الآنية، جاء من أموال المؤمن عليهم أنفسهم، وليس ضمن إطار تمويلي تشاركي واضح مع الدولة فالأثر المالي لهذه السياسات لم يُعرض بشفافية كاملة في حينه، لكنه ظهر لاحقًا بشكل تراكمي في تسارع الوصول إلى نقاط التعادل.
كما ساهمت التحولات الديموغرافية، من ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتراجع معدلات الخصوبة، في زيادة عدد المستفيدين مقارنة بعدد الممولين. هذه التحولات لم تكن مفاجئة من حيث المبدأ، لكنها جاءت أسرع وأعمق مما افترضته الدراسة العاشرة، ما يعكس ضعفًا في تقدير المخاطر أو ميلًا إلى تبني سيناريوهات متفائلة أكثر من اللازم.
خطورة الانتقال من 2039 إلى 2030 لا تكمن في الرقم ذاته، بل في ما يعنيه ماليًا وسياسيًا فهذا التراجع يقلّص هامش الوقت المتاح للإصلاح، ويرفع كلفته، ويضع النظام أمام خيارات أكثر صعوبة في المستقبل القريب فكما أنه يطرح تساؤلًا مشروعًا حول مصداقية الخطاب الرسمي السابق، وحول مدى وضوح وشفافية المعلومات التي قُدمت للمواطنين بشأن مستقبل أموالهم وحقوقهم التأمينية.
في الخلاصة، نقطة التعادل 2030 بدلًا من 2039 ليست تفصيلًا عابرًا، بل إنذار مبكر بفشل إدارة الاستدامة كما ينبغي. تجاهل هذا الإنذار أو التقليل من شأنه لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، وتحميل الأجيال القادمة كلفة أخطاء مؤجلة والمطلوب اليوم ليس مزيدًا من الطمأنة، بل مصارحة حقيقية، ومراجعة جريئة للسياسات السابقة، وإصلاحات حاسمة تعيد للنظام توازنه قبل أن تتحول نقاط التعادل إلى نقاط أزمة فعلية.
الكاتب من الأردن