فادي السمردلي يكتب : أَمْطارٌ تُغْرِق وَسُدودٌ لا تُخَزِّنُ، قِصَّةُ فَشَلٍ مائِيٍّ في الأُرْدُنِّ
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
لم يعد فشل إدارة مياه الأمطار والسدود في الأردن مسألة قابلة للتبرير أو التأجيل، بل أصبح واقعًا مكشوفًا يتكرر كل شتاء، ويؤكد أن الخلل ليس في الطبيعة ولا في قلة الموارد، بل في منظومة إدارية مترهلة، تفتقر للرؤية، وتُدار بعقلية ردّ الفعل لا التخطيط ففي بلد يُصنّف من بين الأفقر مائيًا في العالم، يُفترض أن تُدار كل قطرة مطر كأنها ثروة وطنية، لا أن تُترك لتغرق المدن ثم تُهدر في الأودية.
المشكلة الأساسية تبدأ من غياب سياسة وطنية حقيقية لإدارة مياه الأمطار فما يوجد اليوم ليس سياسة متكاملة، بل مجموعة قرارات متفرقة، موسمية، تخضع للضغوط الإعلامية أكثر من اعتمادها على الدراسات العلمية فكل عام نسمع الخطاب ذاته “الأمطار فوق المعدل”، “المنخفض استثنائي”، “القدرات محدودة”، وكأن المفاجأة هي هطول المطر، لا الفشل في الاستعداد له وهذا التكرار بحد ذاته دليل على إدارة لا تتعلم من أخطائها.
أما السدود، التي يُفترض أن تكون العمود الفقري لحصاد مياه الأمطار، فقد تحولت في كثير من الحالات إلى عبىء مالي ومنشآت محدودة الفعالية فتُبنى السدود بكلف مرتفعة، ثم تُترك دون صيانة كافية، لتفقد جزءًا كبيرًا من طاقتها التخزينية بسبب الترسبات والطمي فلا توجد خطط واضحة لإدامتها، ولا جداول زمنية معلنة لإزالة الطمي، ولا تقييم دوري صريح يوضح للمواطن ما إذا كانت هذه السدود تحقق الهدف الذي بُنيت من أجله أم لا.
الأخطر من ذلك هو سوء إدارة الفائض المائي ففي كل عاصفة شديدة، تُفتح بوابات السدود بطريقة ارتجالية، أحيانًا لحماية جسم السد، لكن دون وجود حلول بديلة لتوجيه المياه أو تخزينها والنتيجة سيول مدمرة، وخسائر متكررة، ورسالة واضحة بأن السدود لا تُدار ضمن منظومة متكاملة لإدارة المخاطر، بل كمنشآت معزولة يُتخذ القرار بشأنها في اللحظة الأخيرة.
هذا الفشل لا ينفصل عن إدارة حضرية ضعيفة فالاعتداء على مجاري الأودية، والبناء في مناطق خطرة، والتوسع العمراني غير المنضبط، كلها تتم بعلم الجهات المعنية أو بتغاضٍ منها فكيف يمكن الحديث عن إدارة مياه أمطار بينما يتم تجاهل أبسط قواعد التخطيط التي تحترم الطبيعة ومسارات المياه؟ فشبكات تصريف الأمطار في المدن إما قديمة أو غير كافية، ومع ذلك لا يتم تحديثها إلا بعد وقوع الكارثة.
ثم هناك غياب شبه كامل للمحاسبة فلا أحد يُسأل عن الإخفاقات المتكررة، ولا تُراجع السياسات بشكل جدي بعد كل موسم شتوي والتقارير – إن وُجدت – تبقى حبيسة الأدراج، دون نقاش عام أو شفافية والمواطن يرى النتيجة فقط شوارع مغمورة، بيوت متضررة، ومياه مهدورة، بينما الخطاب الرسمي يكتفي بالتطمين وتبادل المسؤوليات.
الأدهى أن مفهوم حصاد مياه الأمطار ما يزال محصورًا في الشعارات، لا في التطبيق فلا برامج وطنية جادة لتشجيع التخزين اللامركزي، ولا إلزام حقيقي للمباني الجديدة بأنظمة تجميع المياه، ولا دعم فعلي للمزارعين أو البلديات لتبني حلول بسيطة وفعالة فكل التركيز ينصب على المشاريع الكبيرة، بينما تُهمل الحلول الذكية منخفضة الكلفة.
إن ما يجري في الأردن ليس أزمة أمطار ولا أزمة سدود، بل أزمة إدارة فأزمة عقلية ترى في المطر خطرًا مؤقتًا لا فرصة استراتيجية وطالما استمرت هذه العقلية، ستبقى الأمطار تغرق، والسدود لا تخزن، والمياه تُهدر، في بلد لا يملك ترف إضاعة قطرة واحدة والإصلاح يبدأ بالاعتراف بالفشل، لا بتغليفه، وبالمحاسبة لا بالتبرير، وبالتخطيط الجاد لا بإدارة الأزمات.
الكاتب من الأردن