على أعتاب الرحيل
بقلم: زينب عبدالوهاب الشهاري
___________________________
ها هي شمس عام 2025 تلملم أذيالها الذهبية، وتطوي في حقائب الغروب آخر أنفاس أيامها، مؤذنة برحيل عام لم يكن كغيره من الأعوام. نقف اليوم على ناصية الزمن، نلوح للراحلين بقلوب أثخنتها الجراح، وأرواح أتعبها السفر في دروب الفقد، مودعين سنة حفرت تفاصيلها بالألم في ذاكرة الوجدان.
كان عاما مثقلا بالدمع، مضمخا بمسك الوداع. كيف لا، وقد هوى فيه “أبي”، ذلك الجبل الذي كنت أستند إليه إذا مالت بي الدنيا؟ رحل السند والوتد، وترك في الروح فراغا لا يملؤه سوى الصبر الجميل. ولم يكن حزني فيه فردا، بل كان حزنا بحجم وطن وأمة، حين زففنا فيه قامات سامقة، وكوكبة من وزراء حكومة التغيير والبناء، وارتقى فيه الشهيد القائد صانع الانتصارات اللواء “محمد الغماري” رئيس هيئة الأركان، وانفطرت قلوبنا ونحن ننعى صوت الحق الهادر، وأيقونة البطولة التي بثت فينا الروح، الملثم “أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام، ليلتحقوا جميعا بركب الخالدين. نودعهم اليوم بقلوب يعتصرها الأسى، ولكنها هامات لا تنحني إلا لبارئها، مؤمنة بأن الشهادة حياة، وبأن الفقد في عين الله عين البقاء.
وفي الأفق البعيد القريب، لا تزال غزة، جرحنا النازف ووجعنا المقيم، ترسم بالدم خارطة الصبر. عام يمضي وأهلنا هناك يلتحفون العراء، ويفترشون الجمر، بين نزوح وقتل وخذلان، وكأن العالم قد صمت آذانه عن أنين الثكالى وصرخات الجياع.
تمضي السنون، وينفرط عقد العمر حبة تلو حبة، ونحن البشر لا نزال نركض خلف سراب هذه الدنيا الزائلة، نؤمل فيها الخلود وهي إلى الفناء أقرب. ندرك في لحظات الصفاء هذه، ونحن نرقب عقارب الساعة الأخيرة، أن لا حلاوة في هذا الوجود إلا حلاوة القرب من الله، وأن لا سكن للروح الهائمة إلا في محراب ذكره، والأنس بطاعته.
ولكن.. ورغم حلكة الليل وتلاطم أمواج الظلم والجور، ورغم تكالب قوى الطاغوت والإجرام، يظل في القلب نور لا ينطفئ، ويقين لا يتزعزع. كيف نيأس ومعنا “القائد العلم”، سيدي ومولاي الذي هو لنا كسفينة نوح، طوق النجاة في بحر الدنيا المتلاطم بالظلمات؟ هو البوصلة حين تتوه الاتجاهات، وهو الشراع الذي يقودنا نحو شاطئ العزة والكرامة. وجوده بيننا هو مبعث التفاؤل، وسر الصمود، وبركة المسير.
ومع إشراقة فجر العام الجديد، نرفع أكف الضراعة إلى من بيده ملكوت كل شيء، نسأله عاما يغيث فيه القلوب بالرحمة، والأرواح بالسكينة. نسألك يا الله عاما مليئا بالخيرات والبركات، مثقلا بالحسنات، متوجا بالإنجازات، ومحفوفا بالقبول والرضوان، وأن تجعلنا فيه إليك أقرب، وعن معاصيك أبعد.
يا رب، اجعلها سنة الفتوحات الكبرى، سنة يعز فيها محور المقاومة والجهاد، وترفع فيها راية أنصار الله ودينه خفاقة في مشارق الأرض ومغاربها. اجعلها سنة النصر الحاسم على قوى الاستكبار، سنة تشفى فيها صدور قوم مؤمنين، وتزهر فيها دماء الشهداء نصرا وتمكينا مبينا.
وداعا 2025 بما حملت، وأهلا بعام النصر والفرج بإذن الله.
الكاتبة من اليمن