“حديث الفساد في الطبقة العليا في الاردن”

 

 

كتب النائب السابق علي السنيد:

 

يقولون أن الفساد في الأردن ليس منظما، ولا مستشريا، ولم يأخذ صفة التعميم على مستوى الإدارات الأردنية، وإنما يعبر عن حالات فردية، وكذلك لم يتخذ صفة تهديد الناس في حياتهم، وأرزاقهم، بالرغم من وصول الفساد حتى الأكشاك التي أعطيت ذات يوم للفقراء في أمانة عمان ، والتي وزع بعضها على الواسطة.

والواسطة عمليا هي فساد مقبول اجتماعيا تعمل ضد الفقراء، حيث الفقراء غالبا لا واسطة لهم، ويستخدمها الكبار في الاستيلاء على حقوق المساكين.

والترقيات في الوزارات، لا تراعي الكفاءة والاقتدار غالبا، وإنما تخضع لتدخلات المتنفذين في الطبقة السياسية، والنواب لصالح فلان، وضد علان، وفي المؤسسات الأمنية يتولى المدراء عادة الاطاحة بخيرة الضباط لكي يؤمنوا مواقعهم للأسف مما وضع موازين الظلم في الإدارات الأردنية فتجد أن حظوظ الأذكياء، ومن لديهم قدرة على العطاء ياتت معدومة وارتقى كثير من الأغبياء إلى الصفوف الأولى، وبذلك تدنى اداء ومستوى المؤسسات العامة وقلت انتاجيتها وتردت نوعية الخدمات العامة المقدمة من خلالها للمواطنين.

وفسد خط الادارة العامة في كثير من مستوياته ، وقد طالت الرشاوي المواقع الحساسة في الدولة، وصندوق تنمية المحافظات يمثل بؤرة فساد تبعا لكيفية الحصول على قروضه وهي بالملايين ونوعية من استفادوا من هذه القروض، وكيف كانت تسهل مهام الحصول على القروض الكبيرة، ومدى جدواها في تنمية المحافظات .

ومن ذلك ان وزراء سابقين لم يمض احدهم صرف سنة واحدة – وفقا للعمر الافتراضي للحكومات الأردنية- فيخرج معاليه وعنده منزل بمليون دينار، ومزرعة يقيمها على عدة مئات من الدونمات من أراضي الخزينة، ويتم زراعتها بمساعدة موظفي مديرية الزراعة التابعة لمنطقته، ويصار إلى إيصال الشارع لها بخلطة إسفلتية ساخنة، وإضاءتها على حساب فلس الريف في حين تفشل عشرات القرى الاردنية البائسة في إقناع الحكومات بحاجتها إلى البنية التحتية، ومنها الماء الذي ما تزال قرى محرومة منه، وتسقى بواسطة صهاريج مديريات المياه.

وهنالك ما يقال حول وزراء الصناعة والتجارة والعمل المقالين ، ودوائر تشجيع الاستثمار، والادهى من ذلك وزراء التخطيط الذين تعود لهم اسباب خراب الاقتصاد الوطني ووصول الاردن الى ازمة اقتصادية عميقة، وهم يتنقلون من موقع الى اخر للاستفادة من خبرات فشلهم.

ورئيس الوزراء الذي كان يدعي النزاهة وخدع البرلمان وكان خرجته دائرة الفقر المدقع وقد امضى مدة عمل حكومته الدستورية في مطاردة الفقراء على لقمة عيشهم خرج بثروة تزيد على رصيد الرئيس الامريكي اوباما، واصبح من اصحاب الملايين، وبنيت له فيلا ب 12 مليون دينار ناهيك عن الثراء الذي طال انجاله، وزوجته.

ومسؤول سابق في وزارة الداخلية معروف باستيلائه على اراضي الخزينة، وبشبهات تطاله يؤتى به وزيرا للداخلية كي يدير الانتخابات النيابية في مرحلة حساسة.

ووزير معروف في الاوساط الاقتصادية انه افشل بنكاً كان يشغل موقع مديره العام يتم استحضاره وزيرا للمالية كي يجهز على البلاد ، وهذه فقط نماذج يمكن ان يقاس عليها.

وفي المؤسسات الامنية ينفرد المدراء بسحب ما يشاءون من موجودات الدائرة المالية وهي بالملايين ولا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، وهنالك مبالغ مالية ترصد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية ومدراء الاجهزة الامنية وتقع تحت تصرفهم مباشرة دون حسيب او رقيب، وقد طالتها الشبهات.

وهذا الحال ينطبق على النواب من اصحاب الشركات والذين ينفق احدهم مليون دينار في الحملة الانتخابية ولا تزيد رواتب المجلس في السنوات الاربع لعمره النيابي عن مئتي الف دينار مخصوم منها راتب مدير مكتبه وسائقه الخاص ومصروفات سيارته والجانب الانساني الذي يترتب على عمله النيابي، ومعروف ان شراكة تحدث بين نواب البزنس والحكومات تفضي الى تمرير الموازنة العامة، ومنح الثقة وفي المقابل يكون الحصول على عطاءات التلزيم والاعفاءات الجمركية ، واعطاء الرخص المخالفة، وتمضية مصالح شركاتهم لدى وزارات ودوائر الحكومة، وبذلك خرج بعض النواب بعشرات الملايين في نهاية مدة نيابته ، وتقدر حجم المصالح المشتركة بين المجلس النيابي والحكومة بمئات الملايين لصالح اثرياء النواب للاسف.

ومضى الفساد من الخط المدني الذي شمل المؤسسات المستقلة، والمديريات والوزارات إلى حد تأسيس شركات خاصة بالمؤسسة الامنية التي كان يجب أن تكون سمعتها بعيدة عن التلاعب بها والى ذلك يقول رئيس وزراء اسبق أنهم يقترحون على الملك المشاريع وهو يبادر إلى إعطائهم الموافقة إلى أن يظهر الخلل، وتجد الفاسد يحتمي من خلال وجود عدة تواقيع على أعماله تطال شخصيات كبيرة في الدولة مما يحول دون فتح الملفات خوفا من انتشار الفضيحة، وقد شارك بالفساد بعض مدراء المخابرات العامة، وتم تحويل احدهم إلى القضاء وحوكم اسميا، واتهم اخرون كذلك بالفساد.

والى ذلك أصبحت رائحة الفساد تزكم أنوف ملايين الاردنيين ، وذلك بالرغم من القوانين التي تمنع نشر قصص الفساد أو تداولها إعلاميا، فضلا عن تعطيل قانون (من أين لك هذا) الذي تقدمت به حكومة الرئيس احمد عبيدات وتم تجميده في أكثر من مجلس نيابي، وتم استبداله بقانون مكافحة الفساد الذي ورث قانون إبراء الذمة المالية أي المطبق عمليا منذ عام 2006، وهذا القانون يضرب صفحا عن مرحلة الفساد الكبرى التي شهدت برنامج التحول الاجتماعي و الاقتصادي وبيع المؤسسات العامة، والتي لا تخضع له بحكم القانون.

إلا أن حديث الفساد توسع، وباتت عملية بيع المؤسسات العامة بأسعار زهيدة مادة دسمة للتداول واتهام الدولة بالفساد وخاصة في سياق احداث الربيع العربي وطالت الاتهامات مراكز عليا في الدولة، ذلك أن القيمة الدفترية التي بيعت بها المؤسسات والأراضي لا يعقل أن تتطابق والقيمة الحقيقية لها ، فلا يكاد احد يصدق أن إعطاء رخصة شركة أمنية مثلا تم بعدة ملايين من الدنانير لتباع بعد سنة بمئات الملايين، وهذه مسطرة يمكن أن يقاس عليها بيوعات المؤسسات العامة بدءا من شركة الاتصالات، و شركة الفوسفات وشركة الاسمنت ، وشركة الكهرباء، وميناء العقبة، والملكية الأردنية، وليس انتهاء بأراضي العبدلي والقيادة العامة . وحيث يقال أن هنالك عمولات ، وسمسرة سهلت تحويل كل أو نسبة من هذه المؤسسات العامة التي أنتجها الشعب الأردني عبر عشرات السنين إلى أملاك خاصة ولشركاء أجانب، وقد جاءت في سياق ما أطلق عليها عمليات الخصخصة، وتسهيلات جذب الاستثمار الأجنبي.

وقد اقتضت مثل هذه العملية الكبيرة من التحول الاقتصادي الا تخضع للرقابة الشعبية كونها تتعلق بعملية مالية كبرى فجرى تفصيل مجالس نيابية وفق قوانين انتخابية سيئة لاستخراج نوعية نيابية تكون غير قادرة على ممارسة الرقابة الشعبية على عملية الحكم، وقد أسفرت هذه العملية عن تخسير الشعب الأردني مؤسساته العامة وإثراء الألاف من خلفها رغم ما يقال أن الاتهامات التي تلقى اعتباطا على الشخصيات العامة لا تجد لها دليلا يذكر، وأنا هنا أورد بعض أقوال مسؤولين سابقين في هذا الصدد – مع التحفظ عن ذكر اسمائهم – فقد جمعني لقاء مع احد رؤساء الديوان الملكي منذ زمن، وقد استفزته إشارة أبديتها لاتهامات تطاله بفساد برنامج اقتصادي كان يشرف على تنفيذه والذي يقال انه كلف الدولة الأردنية نحو خمسمائة مليون دينار ، وبالمناسبة هذا البرنامج عني بعمل مشاريع مناطقية تبعا للرغبة الملكية بتنمية الريف والقرى وما يطلق عليها اليوم بالهوامش، فعملت مشاريع تتناقض مع الطبيعة الإنتاجية للمناطق المراد تنميتها ، وتمكن البرنامج من أن يلحق الفشل التنموي بالريف الأردني فقد كانت المشاريع على شاكلة هزلية من مثل زراعة اللوز في قرية برزا بلواء ذيبان مكلفا ربع مليون دينار، ومشاريع زراعة الورد، وتربية النعام بمئات الآلاف الدنانير لكل مشروع، والتي لم ينجح منها مشروع واحد، وقد وصل حد التلاعب بالرغبة الملكية أن مشروعا من هذه المشاريع – كما اخبرني موظف مسؤول في حينه – دعي الملك لافتتاحه وكان بئرا ارتوازيا في إحدى المناطق طلب جلالته حفره لتحويلها إلى الزراعة المروية قال لي الموظف “لقد تم بناء فوهة تشبه فوهة البئر الارتوازي وتم مد ماسورة له من منطقة قريبة فقامت بإخراج الماء حالما افتتحها الملك، وهي في الأساس ماسورة عادية تم إيصالها للموقع من مكان قريب ولم يكن هنالك بئرا ارتوازيا في الاصل”. اشتط معالي رئيس الديوان الملكي وقال : “أنا يتهموني بالفساد يدوروا على فلان الذي سرق اربعمائة مليون من الموازنة”، وكان المقصود احد اعلام السياسة والذي شغل رئيسا للوزراء ، ورئيس مجلس أعيان.

ولان الشيء بالشيء يذكر فقد هدرت المنحة الخليجية الاخيرة، وتحولت مئات الملايين منها الى شوارع على عجل، وتم وضع الشارع فوق الشارع رغم انها منحة تنموية لعدم وجود دراسة جدوى لمشاريع تنموية بحوزة حكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله النسور.

ولا شك أن فسادا شاب منح النفط العراقية، وكذلك منحة النفط الكويتية، وعطاءات أمانة عمان وتحويل المشاريع إلى شركات زوجات الأمناء، فضلا عن ملف وزارة التموين الملغاة ، والتي كانت تدر دخلا بمئات الملايين على جهات غير مرئية.

والوزراء الذين اثروا وبنو القصور معروفون لكل أردني ومن ذلك أن بيت رئيس ديوان ملكي اسبق بيع بمبلغ 9 مليون دينار كما ورد على لسان الجهة التي قامت بشرائه، وهو لم يأت في إطار الهدايا والبيوت التي وزعت على مسؤولين سابقين في الدولة ومنها بعض القصور التي ارتبط أسماء أصحابها بها، وبيوت حصلت عليها المدلكات ، وبعض العاملين في الديوان الملكي اصبح من اصحاب الملايين إلا أن رئيس وزراء اسبق – معروف بنزاهته- اخبرني أن هذا المسؤول الذي تطارده تهم الفساد – أي صاحب البيت- أجرى صفقة بيع اراضي بين امراء في السعودية والإمارات وحصل بموجبها على مبلغ 60 مليون دينار وهذا مصدر ثروته .

والفساد يندرج إلى استغلال المنصب، والنفوذ والذي يبدأ من حظوة السكرتيرة، ومدراء المكاتب والمحاسيب والأقرباء والشلل، وسفرات الموظفين ومياوماتهم، والعقود، والمستشارين وصولا إلى توريث الأبناء، أو تعينهم بالمؤسسات المستقلة براتب يزيد عن الفي دينار شهريا منذ التخرج، ناهيك عن إجراء الصفقات وقد اخبرني وزير زراعة اسبق أن ضغوطا مورست عليه من فوق لصالح السماح لاحدهم بإتمام صفقة تتمثل بإدخال أغنام من العراق تقدر ب 27 ألف رأس لإعادة تصديرها لحسابه لإحدى دول الخليج رغم عدم مطابقتها لشروط الإدخال إلى الأراضي الأردنية، وفعلا جرت الصفقة وربح فيها الملايين. ومن الفساد تحويل عطاءات المشاريع الخاصة بالدولة إلى شركات ابناء بعض الوزراء، والمحاسيب .

إما فساد حملات الخير والبر فهي معروفة لدى من يعملون بهذا الإطار، والرؤوس الكبيرة التي كانت تستفيد منها.

واختم بهذه القصة حيث سبق وان استجداني احد الآباء بأن اجد حلا لقضية ابنه الذي تمكن من الحصول على تعيين رسمي إلا أن قيدا لدى إدارة المعلومات الجنائية في الأمن العام ظل يمنعه من العمل ، ومرد ذلك الى اتهامه، وهو قاصر بسرقة “زوجي حمام” من خم جارهم، والذي أوصلها للشرطة فالقضاء وتم حكمه عليهما، وظلت قيدا في حق ابنه الذي تعطل مستقبله بسبب ذلك القيد.

قد يعجبك ايضا