أردوغان يبحث عن مزيد من النفوذ في إفريقيا بزيارة 30 دولة و43 سفارة

وهج 24 : بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة خارجية جديدة تشمل 3 دول إفريقية ليصل عدد الدول الإفريقية التي زارها إلى 31 دولة ويحافظ على لقب أكثر زعيم يزور القارة السمراء في وقت تتواصل فيه الاستعدادات لعقد القمة التركية – الإفريقية قبيل نهاية العام الجاري بعدما نجحت أنقرة في تعزيز علاقاتها مع دول القارة ووصلت عدد سفاراتها هناك إلى 43.
وبحسب بيان للرئاسة التركية، بدأ أردوغان، الأحد، زيارة تستمر 4 أيام وتشمل أنغولا ونيجيريا وتوغو، ليصل بذلك عدد الدول الإفريقية التي زارها الرئيس التركي خلال الـ15 عاماً الأخيرة إلى 31 دولة ويبقى محافظاً على ترتيبه كأكثر زعيم دولي يزور القارة السمراء التي جعلها محوراً مركزياً في استراتيجية تعزيز العلاقات والنفوذ السياسي والاقتصادي والدفاعي.

جولة جديدة إلى إفريقيا

وقبيل مغادرته إسطنبول إلى أنغولا المحطة الأولى في جولته الإفريقية وصف أردوغان العلاقات التي تربط بلاده بالدول الإفريقية بأنها “استراتيجية”، وقال: “تبرز تركيا كشريك استراتيجي للدول الإفريقية مع تجاوز حجم تجارتنا 25 مليار دولار بنهاية 2020″، لافتاً إلى أن بلاده تسعى إلى التقارب مع دول القارة الإفريقية بكافة المجالات، بالتوازي مع توسيع شبكة الممثليات الدبلوماسية التركية في القارة.
وأضاف أردوغان: “لا ننظر أبدا إلى علاقات التعاون مع الدول الإفريقية على أنها قصيرة الأمد وفي خدمة مصالحنا.. أنا على ثقة بأنّ دور القارة الإفريقية سيكون بارزا على الساحة الدولية في القرن الواحد والعشرين، ولهذا نريد المضي قدما بعلاقاتنا معها على أساس المنافع المتبادلة والشراكة المتساوية”، مشدداً على أن بلاده تواصل سعيها لتعزيز التقارب مع القارة الإفريقية في كافة المجالات.
ووجه أردوغان رسائل مبطنة انتقد فيها تاريخ الاستعمار الفرنسي في القارة الإفريقية، قائلاً: “لسنا ممن يتبعون سياسات استعمارية قديمة بوسائل وطرق حديثة، على الإطلاق، نحن نسعى لتحقيق النجاح والمسير جنبا إلى جنب مع إخوتنا الأفارقة”، لافتاً إلى أن مدينة إسطنبول سوف تستضيف في 21 و22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري منتدى الأعمال التركي الإفريقي الثالث، وتستضيف في 17 و18 ديسمبر/كانون الأول القمة المشتركة التركية الإفريقية.

31 دولة و43 سفارة

ومنذ عام 2005 حتى اليوم زار أردوغان إثيوبيا وجنوب إفريقيا وتونس والمغرب والسودان ومصر والجزائر وليبيا والصومال والغابون والنيجر والسنغال والإكوادور وجيبوتي وساحل العاج وكينيا وأوغندا وغينيا ونيجيريا وغانا وتنزانيا وموزمبيق ومدغشقر والسودان وتشاد وموريتانيا ومالي وزامبيا وغامبيا، وخلال الجولة الحالية يزور الرئيس التركي أنغولا ونيجيريا وتوغو.
وخلال هذه السنوات، وفي إطار خطة استراتيجية شاملة لتعزيز النفوذ في إفريقيا بنت تركيا علاقات إنسانية وثقافية وسياسية واقتصادية ودفاعية مع العديد من الدول الإفريقية وزاحمت الصين وروسيا وإسرائيل في مساعيهم لتوسيع النفوذ بالقارة كما وجهت ضربات مؤلمة للنفوذ الفرنسي في العديد من الدول التي بدأت تتململ من بقايا الاستعمار الفرنسي وتبحث عن شركاء سياسيين حيث تقدم تركيا نفسها كبديل مثالي في هذا الإطار.
وخلال السنوات الماضية رفعت تركيا عدد سفاراتها وقنصلياتها في إفريقيا من 12 في عام 2002 إلى 43 سفارة في الوقت الراهن، أي أن تركيا بات لها ممثليات (سفارات وقنصليات) في 43 دولة من أصل 54 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي وتأمل قريباً بأن تمنح صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي انطلاقاً من علاقاتها الواسعة مع الدول الأعضاء. كما تخطط أنقرة لإكمال برنامجها لنشر سفارتها في كافة دول القارة بالقريب العاجل. وفي أنقرة يوجد سفارات لـ33 دولة إفريقية، كما تسير الخطوط الجوية التركية رحلاتها عبر 50 مساراً نحو القارة.
وخلال قرابة 18 عاماً من العمل المتواصل، تمكنت تركيا من رفع حجم التبادل التجاري مع الدول الإفريقية من قرابة 5 مليار دولار إلى أكثر من 25 مليار دولار، وسط خطط لرفع هذا الرقم إلى أكثر من 100 مليار دولار على المدى المتوسط، وأكثر من ذلك على المدى البعيد.
كما لعبت بعض المؤسسات والمنظمات التركية، دورا هاما في تطوير العلاقات مع الدول الإفريقية، عبر المساهمات التي تقدمها للمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والتعليم والتنمية والثقافة. وتتصدر الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”، ومعهد يونس إمره، ووقف المعارف التابع لوزارة التربية، أبرز المؤسسات الحكومية التركية التي تنشط بمشاريع تنموية في القارة السمراء حيث تعرف عن هذه المؤسسات أنها القوة الناعمة للسياسات الخارجية التركية.

رؤية استراتيجية

رأى أردوغان منذ وصوله إلى الحكم ضرورة تعزيز انفتاح تركيا على العالم والخروج من سياسة الانغلاق على الذات التي مرت بها البلاد لعدة عقود، ورأى في الشرق الأوسط والقارة السمراء عمقا استراتيجيا هاما يجب العمل معه وبدأ جهودا واسعة للتقارب مع معظم الدول العربية والإفريقية، وذلك في الوقت التي كانت فيه تتقلص فرص أنقرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومع تطور طموح تركيا بتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، لا سيما في هيئات الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، شكلت الدول الإفريقية التي عززت معها تركيا العلاقات في السنوات الأخيرة، داعماً أساسياً لهذه الطموحات، وبات لتركيا سند قوي في منظمة التعاون الإسلامي التي ترأستها، وسبق أن تولت منصب أمينها العام بفضل دعم الدول الإفريقية بالمنظمة، وتطمح مستقبلاً لإمكانية حصولها على الدعم الكافي من هذه الدول وغيرها لشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
وتقدم تركيا نفسها إلى القارة السمراء بأنها الدولة التي لا تهدف لاحتلال أو نهب موارد هذه الدول، يقول إبراهيم قالن الناطق باسم الرئاسة التركية: “إفريقيا تستحق المعاملة كشريك متساوٍ على الساحة العالمية”، لافتَا إلى احتياج القارة لـ”السلام، والعدالة، والاستقرار وليس إلى أشكال جديدة من الاستغلال”.
ويقول أردوغان: “تربطنا بالأفارقة رابطة أخوة حقيقية”، مضيفاً: “تقرب تركيا من إخوتها الأفارقة ليس تقرب مصلحة من طرف واحد، بل هو علاقات منافع متبادلة تهدف لإغناء إفريقيا والنهوض بها”، ويشدد على أن تركيا تتبع مع إفريقيا سياسة “اربح اربح” والقائمة على تبادل المنفعة وليس نهب موارد هذه الدول التي يذكرها دائما بالاستعمار ونهبه لمواردها، مقدما تركيا كنموذج مختلف.

الاقتصاد والصناعات الدفاعية

وإلى جانب الأهداف السياسية، يحتل الاقتصاد مرتبة متقدمة جداً في أولويات تركيا في القارة السمراء، وترى فيها أسواقاً واعدة وبلاداً تتمتع بقوة بشرية مؤهلاً لأن تتحول إلى كنز اقتصادي في المستقبل، حيث تضم القارة السمراء 54 دولة يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة، أكثر من 70٪ من سكانها شباب، وتتمتع باقتصاد سريع النمو، وموقع جغرافي يحمل أهمية اقتصادية، بالإضافة إلى قربها من منابع الطاقة وممرات نقلها.
وعملت تركيا على إنشاء عدد كبير من لجان الشراكة الاقتصادية مع إفريقيا، أبرزها مجالس عمل مستقلة مع 35 دولة إفريقية و”منتدى الاقتصاد والأعمال بين تركيا وإفريقيا”، واجتماعات لوزراء الزراعة والصحة وغيرها، ومؤتمر “وزاري تركي إفريقي”، إلى جانب “قمة الشراكة التركية الإفريقية”.
وبفضل سياسة الانفتاح على القارة، ارتفع معدل التبادل التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الإفريقي من 5.4 مليار دولار عام 2003 إلى 25.3 مليار دولار بحلول عام 2021، لكن الجانبين يعملان على إيصال هذا الرقم إلى 100 مليار دولار على المدى المتوسط، وهو رقم يرى فيه مسؤولون من الجانبين أنه “منطقي وقابل للتطبيق”.
وكنتيجة طبيعية لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بدأ التعاون بين تركيا والدول الإفريقية يتعزز بشكل لافت في السنوات الأخيرة في مجال الصناعات الدفاعية، فحديثاً كشفت مصادر مختلفة عن أن إثيوبيا والمغرب طلبتا شراء مسيرات تركية من طراز بيرقدار، وهما البلدان اللذان حصلا مؤخراً على العديد من الأنظمة الدفاعية التركية، كما أعلنت مالي وروندا حديثاً أنهما بصدد الحصول على أسلحة تركية مختلفة وتعزيز التعاون مع أنقرة في هذا الإطار.
وعلى الرغم من أن الكثير من الاتفاقيات الدفاعية وعقود بيع الأسلحة تبقى طي الكتمان ولا يعلن عنها بشكل رسمي، إلا أنه من المؤكد أن المغرب وإثيوبيا وتونس حصلوا حديثاً على أسلحة تركية مختلفة منها طائرات مسيرة، وكما تعتبر تركيا المورد الرئيسي للأسلحة للجيش الصومالي وقوات حكومة الوفاق في ليبيا، كما صدرت مئات العربات المدرعة إلى دول إفريقية مختلفة آخرها كينيا التي وقعت على شراء 120 مدرعة تركية من طراز “خضر”. 

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا