المتحدّث السلفي.. والتيار الوطني

سعاد فهد المعجل …….

ليس من الكياسة حجب حق كائن من كان في إبداء رأيه.. فحرية التعبير تكفلها كل الدساتير والقوانين.. لكن حين يتم العَبَث بالتاريخ.. أو يقوم احد بتزوير حقائق لا تزال الذاكرة الطازجة قادرة على استرجاعها.. يكون من الواجب التصدّي ولو بكلمة.. فالتاريخ يملكه الجميع.. وتزويره جريمة في حق كل ذلك «الجميع».
في لقاء جَمَعَ أحد المذيعين الشباب بضيف من رموز التيار السلفي.. تجاوز الحوار خانة الرأي.. ليرتقي إلى خانة تزوير وتشويه الحقائق التاريخية في حق تيارات وطنية ترَكَت بصماتها داخل الكويت وخارجها.

الضيف السلفي أجاب عن سؤال للمذيع حول اسباب خسارة الدكتور أحمد الخطيب للانتخابات في عام 1981، حيث رأى الضيف أن مشاركة الدكتور في أحداث مسجد شعبان آنذاك كانت وراء خسارته، مشيراً الى أن الواقع السياسي في تلك المرحلة كان مُتَوَجساً من الثورة الإيرانية وشعارات تصدير الثورة! ثم يُسهِب الضيف مشيراً إلى أن مشكلة ما يُسَمّون بالوطنيين أو القوميين أو ما الى ذلك (وهذه مفرداته كما وردت في اللقاء) أنهم أصحاب شعارات، وأن لديهم غباء سياسياً، وبأنهم لم يدرسوا الساحة الكويتية جيدا.. والتي أصبحت تتوجّس خيفة من هذه الشعارات التي كانت من دون أعمال ملموسة على أرض الواقع.. منوّهاً في ختام تعليقه هنا بأنهم كتيار سلفي لا يعملون لهذه التيارات اعتباراً ولا يحسبون لها حساباً!

المتحدّث السلفي الفاضل ذكر خسارة الدكتور الخطيب في انتخابات 1981.. ولم يذكر الظروف التي أدّت الى ذلك.. حيث شَهدت تلك الانتخابات تغييرًا مدروسًا في الدوائر الانتخابية.. بالإضافة الى كونها كحقبة قد دشّنت التحالف الشهير بين السلطة وتيارات الإسلام السياسي من سلف وإخوان وغيرهما.. الضيف السلفي توقّف عند خسارة الخطيب في انتخابات 1981.. لكنه لم يذكر أنه فاز بالمركز الأول في انتخابات 1963.. قبل أن يقدّم استقالته في ما بعد احتجاجًا على قوانين مُقيّدة للحريات.. وهو مبدأ لا تؤمن به التيارات السلفية وليس من ضِمن اولوياتها! خسر الدكتور الخطيب انتخابات 1967 بسبب التزوير الشهير حينها.. ليحقّق المركز الأول في انتخابات 1971 ومن بعدها انتخابات 1975 ليخسر انتخابات 1981 بسبب تحالف السلطة مع تيار الضيف السلفي والإخوان كما ورد أعلاه.. وليفوز في ما بعد في انتخابات 1985.. قبل أن يختم مسيرته البرلمانية بنجاحه في انتخابات 1992!

هذا كان الشق المُتَعَلّق بالدكتور أحمد الخطيب. أما ما يخص التيار الوطني.. الذي لا يضع له الضيف السلفي اعتبارًا ولا حسابًا.. لأنه على زعمه لم يحقّق إنجازات على أرض الواقع بخلاف الشعارات الفارغة.. فنُذكّر ببعض أدوار التيار الوطني، ومنها على سبيل المثال وقوفه بصرامة ضد كل القوانين المُقيّدة للحريات، وأبرزها قانون التجمّعات الذي فُرِضَ في عام 1963 وقوانين الوظائف العامة والأندية والجمعيات والصحافة التي فُرِضَت في عام 1965 والتي تَضَمّنَت أحكامًا غير دستورية. التيار الوطني كانت له الريادة في إقرار حق تكوين النقابات العمالية، وهو الذي قاد معركة تأميم النفط في الكويت.. ولا يزال استجواب السادة أحمد النفيسي وعبدالله النيباري وسالم المرزوق الموجّه لوزير النفط حاضراً.. حين قدّموا سؤالهم حول الأسباب وراء عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لنزع عمليات تزويد البواخر بالوقود في موانئ الكويت من الشركات الأجنبية لكي تتولاها الشركات الوطنية.. وهو المطلب الذي تقدّم به التيار الوطني منذ عام 1963.

التيار الوطني الذي لا يحسب له محدثنا السلفي حسابًا ولا يضع له اعتبارًا هو الذي وقف في جلسه 5 يناير 1965 مع مصالح الشعب وحامياً للدستور حين اعترض على التشكيل الوزاري المتعارض مع الدستور ووقف في وجه الصراع على الكراسي حينها، وهو الذي أسقط رموز فساد وحاسبهم من تحت قبة عبدالله السالم. التيار الوطني هو الذي ناضل لإقرار الدستور والحقوق والحريات… التي مَنَحَت الحق للمتحدث السلفي لأن يصبح نائبًا في البرلمان.. ووزيرًا… وأتاحت له حق تكوين جماعته وممارسة نشاطها.

من حق المتحدث السلفي الدفاع عن مكتسباته.. لكن ليس من حقه على الإطلاق أن يُشوّه مسيرة الآخرين ويزوّر محطات مهمة من تاريخ الكويت في سبيل دفاعه هذا.. فحديثه عن جمعية الدفاع عن ضحايا الحرب والتي كانت أول من تحرّك لنصرة الأسرى وضحايا الغزو كان حديثًا تهكّميًا.. هذه الجمعية التي نَشِطَت في التنسيق مع جمعيات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الغربي والجهات المدنية المعنية بمتابعة قضايا الانتهاك والتعذيب والأسر كانت مفخرة للكويت، وذلك قبل أن يتم تجميد نشاطها خوفًا من نفوذها. أما جريدة الطليعة التي كان لها دور رائد في كشف تيارات الإسلام السياسي، فقد نالها ما نالها على لسان مُتَحَدّث السلف.. وبشكل يكشف عن كم هائل من الجهل السياسي أو لربما التجاهل.. والطليعة قطعاً ليست بحاجة لأن يدافع عنها المُتحدّث السلفي فيكفيها تاريخها الذي عمّدها كأول الصحف المعارضة في الخليج، وأبرزها دوراً في تكريس النهج الديموقراطي وتبني هموم الإنسان العربي اينما كان.. والسعي للتعبير عن ذلك بالكلمة الحرة الصادقة.

تاريخ التيار الوطني وإنجازاته تَتَحدّث وتُدافع عن نفسها… والسؤال البديهي هنا: ماذا قدّمت تيارات الإسلام السياسي بخلاف الدعوة الى الحجاب.. ومنع الاختلاط.. وتكديس الأموال والعقارات بفضل تحالفها مع السلطة؟ هذا هو السؤال الذي نتمنى على المُتحدّث السلفي الإجابة عنه.. بدلًا من الهجوم والاستهزاء بتيارات وطنية مدنية كان لها الدور الأول في كل ما يتمتّع به المواطن الكويتي اليوم وبما فيها تيارات الإسلام السياسي.

سعاد فهد المعجل

 

قد يعجبك ايضا