المسيح رسول المحبة
سعاد فهد المعجل ……
تهنئة، وإن جاءت متأخرة بعض الشيء، لكل الأخوة المسيحيين بعيد ميلاد سيدنا المسيح، وأخص بالشكر نيافة الدكتور الأنبا انطونيوس وكهنة وأعضاء مجلس وشعب مار مرقس للأقباط الأرثوذكس في الكويت، وكذلك راعي الكنسية الأرمنية في الكويت على دعوتهم الكريمة لمشاركتهم القداس الإلهي لعيد الميلاد المجيد.
بين التقويم الغريغوري واليولياني ثلاثة عشر يوماً.. حيث يتم الاحتفال ليلة 24 ونهار 25 ديسمبر بميلاد المسيح في التقويم الأول.
أما في الثاني فتحل ذكرى ميلاده عشية 6 يناير ونهار 7 يناير، وبخلاف الفرق الزمني بين التقويمين، فإن الاتفاق أنه وكاحتفال ديني وثقافي يتم إحياؤه سنوياً من قِبَل مليارات من البشر حول العالم، حيث تتزامن الصلوات والابتهالات والاحتفالات الدينية مع الاجتماعات العائلية والاجتماعية.
المسيح هو كلمة الله.. جاء ذلك في القرآن كما في الانجيل: بسم الله الرحمن الرحيم «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ منْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ» صدق الله العظيم.
أما الانجيل فيقول «في البدء كان الكلمة.. والكلمة كان عند الله وكان الله الكلمة».
ولم يخل التاريخ من جدل ونقاش بين الأديان، وبين الطوائف داخل الأديان حول معنى ودلالة «الكلمة»، فهنالك من يرى أن الكلمة هنا قد تَجَسّدت من الله وليس من العدم، وآخر يقول بأن «الكلمة» تَصف جوهر المسيح، وبكونه غير محدود وأزلي ولا تُدْركه الحواس، بينما رأى بعض المفسّرين في الإسلام أن المسيح سُمّي «كلمة الله» لأنه وُجِدَ بكلمة كُن دون أي وسيط.
وبغض النظر عن الاختلافات في تفسير «الكلمة»، يبقى أن جوهر ما جاء به المسيح يحمل دلالات وكلمات سلام ومحبّة تَسَع الكون بأكمله، وعلى الرغم من الاختلافات والنزاعات الفكرية والسياسية بل وحتى العسكرية داخل المسيحية نفسها، إلا أن ذلك لا يُنكر إطلاقًا أن المسيح كان رسول سلام للبشر وكلمة محبة وشفاعة تغاضى عن الإساءة بإعطاء الخد الأيسر بعد الأيمن عند الأذى بدلاً من جعل العنف أسلوبًا للتعبير عن الخصومة.
في ذات مرة لمّا فَرَغ المسيح من الصلاة طلب منه أحد تلاميذه أن يعلّمهم الصلاة، فقال حينها نصيحته الشهيرة «اسألوا، تُعْطوا، اطلبوا، تَجِدوا، اقرَعوا، يُفتَح لكم».
كما قال لتلاميذه يوماً «من أجل هذا أقول لكم لا تَهتَمّوا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تَلْبسون، الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من الّلباس.. تأمّلوا الغربان إنها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن والله يقيتها، كم أنتم بالحري أفضل من الطيور؟ ومن منكم إذا اهتم بقَدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة؟ فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر.. فلماذا تهتمون بالبواقي؟»
تَتَكرر الدعوة إلى السلام والمحبة في كل تعاليم المسيح، حتى إنها أصبحت جُل دعوته «سلاماً أترك لكم، وسلامي أعطيكم، فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع»، وإن كان هنالك من يرى أن هذه الدعوة قد حَمَلَت من المثالية والتجرّد ما قد يصعب تطبيقه بين البشر، وما قد لا يؤسّس لبناء أو لِوَضع أسس لمجتمع بشري غالبًا ما تتضارب فيه المصالح وتختلف فيه الأهداف، إلا أن كل الشواهد تؤكّد أن المحبة هي العماد الضامن لعلاقات بشرية خالية من الشر.
ففي حين جاءت اليهودية بتشريعات وقوانين.. وجاء الإسلام بتعاليم لتنظيم شؤون الناس اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أتت المسيحية لتَنْشر مبادئ المحبة والسلام كأساس وكعماد للعلاقة البشرية.
قد لا يخلو دين من الأديان من إيقاع المحبة والسلام، فمثلما ورد في القرآن قوله تعالى «فيه رجال يحبون أن يتطهروا» وكذلك «الله لا يحب كل مختال فخور»، كذلك جاء في اليهودية في سفر الأمثال ما يلي «البغضة تهيّج الخصومات والمحبة تستر كل العيوب»، لكن في المقابل تأتي تعاليم المسيح كمحبّة فقط لتبلغ بذلك سقفًا عالياً من الدعوة للمحبة حين قال «أحبّوا أعداءكم» وفي قول آخر «وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها لأنكم أنفسكم مُتَعلّمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً».
تَتّفق الأديان كلها على أن المَحَبّة حُجّة لوجود الله.. فالحب في النهاية يؤكّد وجود الروح والتي هي هبة من الله، لذلك نتمنى أن تدوم رابطة المحبة بين البشر، وأن يُعيد الله المناسبات الدينية على إخواننا المسيحيين وعلى العالم أجمع، شاكرين لهم دعوتهم دائماً لإخوانهم من الديانات الأخرى لمشاركتهم إحياء ذكرى ميلاد كلمة الله ورسول المحبة، وكل عام والجميع بخير وسلام ومحبة.
سعاد فهد المعجل
كاتبة من الكويت
القبس