إيــــــــــــــران الدولــــــــة المحـــــــــورية في المنطـــــــــقة
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات…..
إن إيران كانت ولا تزال دولة إقليمية كبيرة بفضل ما تملكه من خصائص ومقومات ولكن هذه المقومات الموجودة بحوزة إيران والتي تؤهلها للعب دور إقليمي مستحق في المنطقة لا تستطيع أن تلقي الآخرين وأدوراهم المشروعة خصوصا إذا كانوا يمتلكون المقومات والحجم التاريخي نفسه ، كما أن المنطقة العربية اليوم تحتاج إلى عقلاء للتقريب بين المذاهب الإسلامية خاصة في هذه الفترة الصعبة والحرجة والمعقدة ، في هذه الأوقات المضطربة التي يختلط فيها الطائفي بالسياسي و بالإقليمي في خلطة جهنمية تضع المنطقة على شفير أزمات مستعصية ، وحتى وإذا كانت العلاقات الدولية لا تعرف تطابقا كاملا في المصالح بين بلدين لكن الإعتراف بالمصالح المتبادلة والتنسيق المشترك أمر ضروري لإدارة التناقضات وتعظيم المشتركات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فبعد وصول السيسي إلى سدة الحكم في مصر بأعلى منصب يعني برئاسة الجمهورية ، فإن إيران ستسعى إلى عودة العلاقات بينها وبين مصر للإستفادة من خبرتها وعلاقاتها الدولية بشأن مأزق برنامجها النووي فضلا عن أن تحسين العلاقات مع مصر سيفتح الباب أمام إيران لتطبيع علاقاتها مع معظم الدول العربية ، كما ترى مصر سواء في عهد مبارك أو مرسي أو السيسي اليوم أن التصعيد والتهديد العسكري الإيراني من شأنه أن يعود بنتائج سلبية ضد جميع دول المنطقة التي مازالت تعاني من آثار سقوط نظام البعث في العراق ، كما أن موقف مصر الثابت من الملف النووي الإيراني واضح فمصر ضد أي عمل عسكري ضد إيران وأن المفاوضات هي السبيل الأمثل والأنجح لتلك المشكلة ، وهذا الموقف ليس خاص بإيران بل حق جميع دول العالم في الإستخدام السلمي للطاقة النووية وكذا الضغط لإصدار قرار أممي يدين إسرائيل لإمتلاكها أسلحة نووية وتطالب مصر دوماً بإخضاع المؤسسات الإسرائيلية للإشراف الدولي شأنها شأن بقية دول العالم ، كما لا ننسى بأن مصر الشقيقة قد دعمت الموقف الإيراني بشأن برنامجها النووي ووضعت أمامها مطالب لتحقيق إنفراجة كاملة في العلاقات أهمها وقف التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية خاصة في الشؤون الداخلية للعراق الشقيق وتحديد موقف واضح من جزر الإمارات الثلاثة وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ، ومع هذا تبقى مسألة إقامة علاقات كاملة تعد في هذا الظرف الصعب من الضروريات الديبلوماسية لمصر وإيران الإسلامية لأن تجاهلها ليس في صالح البلدين ، كما أن إقامة علاقات قوية مع مصر سوف يؤدي إلى زيادة القدرة الإيرانية على المناورة والحركة في الساحة الدولية وزيادة قدرتها على المناورة في التوازنات الأقليمية بل والدولية ، بعد أن تغيرت الظروف غير المواتية التي كانت سائدة في السابق لأن لهذه العلاقات بين طهران والقاهرة محددان أساسيان وهما :
أولا : مكانة مصر ووزنها في الجامعة العربية والعالم العربي .
ثانيا : أهمية عنصر العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواقف مصر وبقية أعضاء جامعة الدول العربية حيث الدول العربية لها علاقات سياسية ودفاعية وأمنية واقتصادية حساسة وإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية لايمكن أن تغفل هذه المتغيرات في نظرتها للقضايا الأقليمية ومنها قضية العلاقات مع إيران أو القضية الفلسطينية ، فمصر مع مساندتها لحق الشعب الفلسطيني في إقامته لدولته المستقلة وانتقادها للسياسة الأمريكية تجاه العراق ليست مستعدة حاليا لتقليص علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو زيادة الخلافات معها ، كما أن هناك عدة مجالات يمكن التعاون فيها بين مصر وإيران الإسلامية لتطوير العلاقات بينهما ، منها مثلا التعاون الديبلوماسي في المحافل الدولية من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وكذا التعاون الأقليمي والدولي في مجال التأكيد على ضرورة التفتيش عن الأسلحة الإسرائيلية خاصة النووية وتصعيد هذه القضية على المستويات الأقليمية والدولية ، كماأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد عملت على إقامة علاقات مع السودان وهذا طبعا كما قلنا في ظل الضغوطات التي تمارسها عليها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ملفها النووي وعلى السودان يومها بسبب قضية دافور فلقد حدث تقارب بين السودان وإيران لكن نيات التقارب كانت مختلفة فهذا التقارب لم يكن فقط رسالة موجهة للأطراف الأقليمية والدولية بهدف القول نحن هنا وأمامنا المزيد من الأوراق التي تقلق الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، كان في وقت كانت فيه قيادات العالم في مراهنة فيما بينها حول ما إذا كانت الولايات المتحد ة الأمريكية ستوجه ضربة عسكرية لإيران أم أنها ستمتنع عن توجيه هذه الضربة وبينما كان يعتقد عدد متزايد من السياسين في العالم بأن ضربة باتت حتمية لإيران فإن تساؤلات عديدة كانت تتناول متى ستتم الضربة وكيف ؟ فالولايات المتحدة الأمريكية أمام خيارين إما توجيه ضربة عسكرية لإيران لإجهاض برنامجها النووي أو تتنازل وتقبل بمستقبل تتعايش فيه إيران نووية حيث سيشعر فيه النظام الإيراني النووي بحماية أكبر وبالتالي يكون أكثر إستعدادا للتخلي عن سياسته التوسعية وعن ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية بالإرهاب ونشر عدم الإستقر، أم أن الشعور بهذه الحماية سيؤدي إلى العكس ، مع أن الشيئ المؤكد هو أن النظام الإيراني سواء حصل على القوة النووية أو لم يحصل على هذه القوة فإنه لا يتوقف عن هدفه وسيعمل على إيجاد تغييرات حاسمة في المنطقة ، حيث صورتها تتبلور في العراق وسوريا ولبنان واليمن وكذا فلسطين ، كما أنه يمكن القول بأن النظام الإيراني ورغم إستعداداته الحثيثة لتحصين نفسه ضد أي عملية هجومية يعني ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية فإنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بضربة عسكرية ضده ، وقد بنى تحليله هذا على الأوضاع في العراق وأفغانستان وعلى الظروف الأقليمية للولايات المتحدة الأمريكية ، فالولايات المتحدة الأمريكية تمارس مع إيران لعبة الضغط السلبي والإيجابي ، ولكنها لا تملك النية أو القدرة لتوجيه ضربة عسكرية ، فإيران منذ الغزو الأمريكي للعراق وتوسيع الثورة الإيرانية في المنطقة بدأت طهران عملية كبيرة وصورة لتغيير ملامح العالم العربي ورموزه حيث أخذ مقتدى الصدر مكانة صدام حسين وصار حسن نصرالله الرمز الجديد للبنان وخالد مشعل مكان الزعيم الراحل ياسر عرفات وهكذا تغيرت الرموز وصارت التغييرات في الإتجاه الإيراني ، فإيران إستطاعت توجيه رسالة للولايات المتحدة الأمريكية مفادها هي أن إيران هي الحاجز الأخير أمام التطرف السني الداعشي في المنطقة وهي قادرة على إقامة التوازن في المنطقة ، حيث لا تسمح للقاعدة أو لغيرها من التنظيمات المتطرفة بالإنتشار في المنطقة لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقتنع بهذه الرسالة ، بعد توصلها إلى دلائل قاطعة بأن إيران تدعم كل الأطراف المسلحة في العراق واليمن وفي أفغانستان ، ومن ناحية ثالثة فإن الولايات المتحدة الأمريكية تردد في بدء الحرب على إيران لسببين أساسيين .
الأول : تكلفة الحرب من نواحي التكلفة المادية والبشرية والسياسية والإقتصادية . والثاني : الشك في الترجمة السياسية للنتائج العسكرية للحرب ستكون ضعيفة جدا ، بل تعتقد أن روسيا والصين تنتظران خطأ أمركيا مدمرا يعطيهما سيطرة أكبر على تدفق النفط ، فحتى الإنسحاب قد منح إيران مزيدا من القوة زيادة على وجود معلومات أكيدة ودقيقة عن الأوضاع في إيران ، ومع هذا فالولايات المتحدة الأمريكية متأكدة من أن إيران النووية ستغير المنطقة وستخلق محورا جديدا للطاقة بضم إيران والصين وروسيا وفنزويلا وربما تلتحق بهم العراق مستقبلا ، وهذا يسبب خسارة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية أكبر من التكاليف العسكرية والسياسية لأي حرب ضد إيران ومع هذا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتوجيه ضربة جوية خاطفة ضد المواقع النووية الإيرانية وبطريقة محدودة على غرار الضربة التي وجهت إلى سورية التي تعاني من صراعات داخلية وهذا دليل على الضعف الشديد لردود الفعل العربية والإسلامية حيث هذه الضربة الإسرائلية حاسمة لتحديد مستقبل الأوضاع ، فإذا ردت إيران عسكريا بعملية كبيرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية فساعتها الولايات المتحدة الأمريكية ستوجه ضربة حاسمة لإيران ، وإذا لم ترد إيران فستفتح الباب لإنهيار داخلي بسبب إنكشاف الضعف الحقيقي لنظامها ، وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة وماضية في حملتها السرية لإشاعة عدم الإستقرار في إيران ، لكن عليها أن تبحث عن إستراتيجية جديدة في العراق وبرؤية وصورة مكتملة ومحاولة الإستفادة من إخفاقاتها والتنازل عن عنادها وترك ثقتها العمياء في بعض الأشخاص وبعض الخطط والأفكار فلقد كانت تلتقط إشارات خاطئة تصنع منها خطط واستراتيجيات ، وعليها اليوم السماع بعمق لكل الأطراف العراقية والإطلاع على حقيقة الموقف الأمني ، وهذا في إطار رسم صورة دقيقة وواقعية لمجمل المشهد العراقي وأسباب التداعيات ومصدرها واقتراح حلول منطقية ممكنة التطبيق قبل فوات الأوان ، هذا مع مواصلة الحوار وإبداء الملاحظات والنقد البناء على أن تكون المقدمة ضرورة تفعيل المصالحة العراقية وإعادة النظر في الدستور وتطبيق بعض مواده الخلافية وإيقاف الإجراءات التعسفية التي تحدث تحت شعارات إجتثاث البعث أو ما يسمى بإستئصال الإرهاب ومع المعالجة الفورية لحل الميليشيات وتطهير الجيش والشرطة من العناصر الفاسدة ، هذا لإزالة حالة اليأس والإحباط وتطبيق القانون بشكل صحيح على كل من يحمل السلاح على الدولة ويتجاوز على القانون ، هذا مع إحترام الزمن خاصة وأن الشعب العراقي يتحدث عن بناء دولة فالمسئول الغير القادر على أن يحقق بناء دولة ويحقق قانونا وحقوقا للإنسان فعليه أن يغادر الساحة السياسية هذا مع العمل على إيجاد إستراتيجية لتوظيف كل الطاقات لإنقاذ البلاد ، هذا مع منع أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للعراق ، حيث هناك تدخلا واضح لإيران في الشأن العراقي ، إذن الحل هو تطبيق تجربة ديموقراطية حقيقية يعني إقامة دستور وبرلمان وحكومة منتخبة حكومة وحدة وطنية ، على أن تمتلك هذه الحكومة أدوات محددة لمعالجة مشكلة الميليشيات التي تنخر وتسري في جسد المجتمع العراقي مثل سريان خلايا السرطان ، حيث معالجة الوضع المتأزم اليوم في العراق يتطلب إعادة هيبة الدولة والقانون وامتلاك جيش قوي وفعال ومجهزا تجهيرا كاملا يمكنه من فرض النظام والقانون على أن يكون ولاء هذا الجيش للمواطن العراقي وليس لأحزاب أو شخصيات محددة ٠
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
14/1/2022