ما هي تبعات الأزمة الأوكرانية على كرة القدم والرياضة الروسية؟

الشرق الأوسط نيوز : بينما كانت كرة القدم الأوروبية والرياضة بوجه عام في كل دول العالم، في طريق العودة إلى أوضاع وحياة ما قبل جائحة كورونا، بعد عامين من الفوضى والتخبط، وأشياء جديدة على الإنسان المعاصر، تجلت في المدن الخالية على عروشها في ذروة تفشي الوباء في الموجة الافتتاحية منتصف العام قبل الماضي، وتسابق الدول في تحديث قيود السفر وغلق الحدود وكافة المعابر، من دون إطلاق رصاصة واحدة، فقط ذعرا من نصف كائن حي، تبدو الآن عجلة الحياة تعود تدريجيا إلى الوراء، بما في ذلك معشوقة الملايين، بتجدد صراعات جبابرة السياسة، كما يبدو في ردود أفعال المؤسسات العظمى والسياسيين المؤثرين في قرارات اللعبة في القارة العجوز، على الهزة الأرضية التي أحدثها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الإثنين الماضي.

وبدون سابق إنذار، اعترف الرئيس العسكري الروسي بدونيتسك ولوهانسك، كدولتين ذات سيادة خاصة بعد انفصالهما بالقوة الجبرية عن أوكرانيا، في الوقت الذي كان يُدرك فيه العالم أن وريث الدولة السوفيتية، يضع اللمسات الأخيرة لعمل اجتياح للشقيقة الصغرى، كضربة استباقية أو رسالة شديدة اللهجة من اقتراب حلف النيتو من المناطق الملغمة بالخطوط الحمراء بالنسبة للكريملن، لينتفض عالم المركولة المجنونة، رفضا لغطرسة الروس من جانب، وتعاطفا مع الأوكرانيين المغلوبين على أمرهم من جانب آخر، استكمالا للضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرئيس الروسي في الوقت الراهن، شاملة العقوبات الاقتصادية وتقييد وصول المال والعلامات التجارية الروسية إلى الأسواق الأوروبية. ولأن كرة القدم أكبر من مجرد لعبة وتصنف كأداة مثالية لتنفيذ المخطط القصير الأجل بعزل روسيا عن العالم، بدأت دول الدوريات الكبرى، مدعومة بمنظمة «اليويفا»، في التلويح بالعقوبات والضربات الموجعة التي تنتظر موسكو في المستقبل القريب.

سيناريو تركيا

لا أحد من متابعي كرة القدم كان يعتقد في مثل هذه الأيام في 2020، أن نهائي دوري أبطال أوروبا لن يُقام في ملعب «أتاتورك» في عاصمة تركيا الثانية اسطنبول، لكن بعد إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا جائحة للبشرية، اضطر الاتحاد الأوروبي لنقل المباراة النهائية الى ملعب «دا لوش» في لشبونة، بعد استكمال النسخة بطريقة البطولات المجمعة، وبنظام المباراة الواحدة في الأدوار الإقصائية، بدلا من إلغاء النسخة. وفي العام التالي، حُرمت تركيا من استضافة النهائي، بعد دخولها القائمة الحمراء للمملكة المتحدة، ومرة أخرى نُقل النهائي إلى وطن كريستيانو رونالدو، لكن على ملعب «دراغاو»، وفي ما يبدو أن رئيس المؤسسة الأوروبية ألكسندر تشيفيرين في طريقه، وربما يكون قد أصدر قرار سحب شرف تنظيم المباراة النهائية لأعرق كؤوس القارة العجوز من روسيا، حيث كان من المفترض أن يُعلن البطل من منصة تتويج ملعب «سان بيترسبرغ» يوم 28 مايو / آيار المقبل، بيد أن جُل المؤشرات والتوقعات لا ترجح حدوث هذا السيناريو على الأراضي الروسية، كما علمت وكالة «بلومبرج» من مصادرها داخل غرفة صناعة القرار في «اليويفا»، أن الاتحاد الأوروبي لا يفكر في التراجع عن إقامة النهائي في روسيا، بل يدرس فسخ عقود الرعاية مع أخطبوط الطاقة غازبروم، تلك الشركة العملاقة المملوكة للحكومة الروسية، رغم أنها تعد واحدة من الرعاة الرئيسيين لليويفا حتى نهاية العقد الممتد لمنتصف العام بعد المقبل، والمفارقة أنها ستكون ضربة مزدوجة لمدينة سان بيترسبرغ، باعتبارها الأم والمقر الرئيسي للشركة.

تربص الإنكليز

رغم أن الألمان أخذوا المبادرة، بتعليق مشروع «نورد ستريم 2» الروسي لتزويد أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي المسال حتى إشعار آخر، إلا أن الإنكليز كانوا الأكثر وما زالوا الأكثر إزعاجا للحكومة الروسية، باللعب على الوتر الحساس، باستعراض قوتهم الناعمة المفرطة في الصحافة، لتوجيه الرأي العام العالمي للخطوات التصعيدية التي ستتخذ ضد بوتين تدريجيا، أبرزها الترويج لفكرة إلغاء رحلات الرياضيين إلى روسيا، بما في ذلك فرق ومنتخبات كرة القدم، ونفس الأمر قد ينطبق على فرق ومنتخبات أوكرانيا، حفاظا على سلامة وأرواح فرق الدولة الغريمة. ومن حُسن الحظ أن كل فرق روسيا وأوكرانيا ودعت دوري الأبطال، ولا يتبقى سوى دينامو كييف في دوري الأبطال تحت 19 عاما، وقد تجمعه مباراة بناشئي ليفربول الشهر المقبل في كييف، وذلك بعد تأجيل مباراة الأخير مع لشبونة حتى بداية مارس / آذار، لكن بنسبة كبيرة ستلعب في ملعب محايد، أشبه بالخطوة التمهيدية للقرار، الذي تضغط من أجله أندية البريميرليغ، بالاستعجال في نقل نهائي ذات الأذنين خارج روسيا، تزامنا مع ارتفاع حظوظهم في الهيمنة على دوري الأبطال للمرة الثالثة في آخر أربع نسخ، باقتراب الرباعي مانشستر سيتي وليفربول وتشلسي وبدرجة أقل مانشستر يونايتد من حجز بطاقات اللعب في دور الثمانية للأبطال، ويظهر ذلك في العناوين الرنانة لكل الصحف والمؤسسات الشهيرة، التي ترشح ملعب «ويمبلي» أو ملعب «توتنهام هوتسبر» لاستضافة النهائي بدلا من مدينة سان بيترسبرغ الروسية، وذلك في ردود الأفعال عقب تصريحات رئيس الحكومية بوريس جونسون، التي دعا خلالها لضرورة منع روسيا من استضافة نهائي الأبطال، وأيضا تغريدة وزير الثقافة السيدة دوريس، التي أعربت خلالها عن مخاوفها من تبعات إقامة أحداث رياضية على الأراضي الروسية، مضيفة بجرأة: «لن نسمح للرئيس بوتين باستغلال الأحداث على المسرح العالمي لإضفاء الشرعية على غزوه غير الشرعي لأوكرانيا»، نفس الرأي الذي أيدته وزيرة الرياضة السابقة تريسي كراوتش، التي قالت لشبكة «بي بي سي» المحلية: «على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك فورا لإنهاء إشكالية نهائي الأبطال»، كجزء من العقوبات المحدثة على الروس، وكذا لضمان عدم سفر المشجعين إلى بيترسبرغ، في حال تأهل واحد من الرباعي إلى النهائي، أو تكرر سيناريو 2019 و2021 بالصبغة الإنكليزية.

ضحايا وعقوبات

اللافت أن العقوبات لن تقتصر على المؤسسات الروسية فحسب، بل أيضا على المستثمرين في بريطانيا وحلفائها، وتبينت النوايا في اليوم التالي للغزو الروسي، بمطالبة النائبة مارغريت هودج، بفرض عقوبات على مالك نادي تشلسي رومان آبراموفيتش، وهو الرجل الذي ضخ ما يلامس الملياري جنيه إسترليني من القروض لتشلسي، ومثله أليشر عثمانوف، المساهم السابق في آرسنال والداعم السخي لإيفرتون، وعلى مستوى الفورمولا-1، أشارت «ديلي ميل» إلى أن فريق «تيم هاس» الأمريكي يدرس فسخ عقده مع الراعي الرئيسي الروسي. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المنتخب الروسي خطر نقل مباراته مع بولندا في ملحق تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم قطر 2022 إلى ملعب محايد، بعد حصول وزير الرياضة البولندي كاميل بورتنيتشوك على ما يكفي من دعم سياسي وإعلامي عالمي، للضغط على الاتحاد الدولي لكرة القدم من أجل نقل مباراة الـ24 من مارس / آذار لملعب آخر بعيدا عن موسكو، لخوف اللاعبين والطاقم التدريبي على أرواحهم، ما ستكون ضربة مؤلمة لمستضيف آخر نسخة مونديالية، بخسارة جمهوره في اللقاء المؤهل للموقعة الحاسمة على بطاقة الترشح أمام الفائز من السويد وجمهورية التشيك. في المقابل، لن تواجه أوكرانيا نفس المعضلة، كونها على علم بمواجهة القلوب الشجاعة الاسكتلندية على ملعب «هامبدن بارك»، والفائز منهما سيواجه إما النمسا أو ويلز في اللقاء الحاسم على البطاقة، أما النبأ الجيد الوحيد في هذه الأزمة، استقرار الاتحاد الأوكراني على بدء دوري الدرجة الأولى في موعده، وبنفس الفرق الـ16، وليس كما كان في سنوات ما بعد غزو 2014 بـ12 و14 فريقا، وسيكون منهم الغريم الأزلي لدينامو كييف، وهو شاختار دونيتسك، بعد انتهاء علاقته «كرويا» بالدولة الشعبية الحديثة، منذ استقراره على قرار إقامة مبارياته المحلية والقارية في العاصمة قبل عامين، إلا إذا خرجت الأمور عن السيطرة، واضطر الاتحاد الأوكراني لتجميد الدوري حتى إشعار آخر.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا