جاويش أوغلو يزور موسكو وكييف.. تركيا تكثف وساطتها وتُذكر أوكرانيا بـ”خذلان أوروبا والناتو”

الشرق الأوسط نيوز : عقب نجاحها في عقد أول لقاء بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا منذ بدء الحرب، بدأ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة تشمل موسكو وكييف في محاولة تركية جديدة لإعطاء زخم أكبر لجهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدف في مرحلتها الأولى للتوصل إلى وقف جزئي أو شامل لإطلاق النار قبيل الانتقال لبحث إمكانية التوصل إلى حل سياسي شامل بين البلدين.
والثلاثاء، وعقب اجتماع مطول لمجلس الوزراء التركي، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، أنه سيوفد وزير خارجيته مولود جاوش أوغلو إلى كل من روسيا وأوكرانيا في مسعى لحل الأزمة القائمة بين البلدين”، موضحاً أن الوزير سيصل إلى موسكو الأربعاء، بينما سيزور كييف الخميس.
وكان جاويش أوغلو قد شارك في اللقاء الثلاثي الذي عقد مع نظيريه الروسي والأوكراني في أنطاليا قبل أيام، وأوضح أردوغان أن “لقاء وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في منتدى أنطاليا الدبلوماسي قبل عدة أيام، دليل واضح على الدور الهام الذي تلعبه تركيا في المجال الدبلوماسي”، مضيفاً: “على الرغم من أن اللقاء لم يسفر عن نتيجة ملموسة، إلا أنه كان مهما للغاية من حيث فتح أبواب الدبلوماسية والحوار بين الجانبين”، لافتاً إلى أن بلاده ستواصل مساعيها الرامية لإحلال وقف إطلاق النار في أوكرانيا من خلال مواصلة اللقاءات مع الطرفين.
وقبيل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، قادت تركيا حراكاً دبلوماسياً واسعاً لمنع وقوع الحرب قبل أن تحول مساعيها لإمكانية وقف الحرب التي ما زالت متواصلة منذ أكثر من 3 أسابيع، حيث تعول أنقرة على علاقاتها القوية مع روسيا والأقوى مع أوكرانيا، إلى جانب تعويلها الأكبر على قدرتها بالتأثير على أوكرانيا للقبول بوضع حيادي والتخلي عن طموحها للانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي عبر شرح “النموذج التركي” وإمكانية تطبيقه ولو جزئياً في أوكرانيا إلى جانب تذكير كييف بـ”الخذلان الكبير” الذي تعرضت له من قبل الناتو والاتحاد الأوروبي.
وعقب وصوله إلى موسكو، ذكر جاويش أوغلو مجدداً بأن بلاده أبدت موقفا “متوازنا وقانونيا” منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، وأضاف: “تركيا أبدت موقفها المتوازن والموضوعي والصحيح والقانوني منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية”، مشيراً إلى أن “تركيا بصفتها دولة تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا وأوكرانيا، واصلت دور الوسيط رغم كل الصعوبات القائمة”.
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده “تقدر نهج تركيا المسؤول في تنفيذ اتفاقية مونترو الخاصة بتنظيم حركة السفن الحربية عبر البحر الأسود”، لافتاً إلى أنه “لدينا خلافات في الرأي مع تركيا بخصوص أوكرانيا، ومع ذلك فإن موقف أنقرة المتوازن قيم للغاية بالنسبة إلينا”.
ومنذ بداية الأزمة، اتخذت تركيا موقفاً وسطياً من خلال التنديد بالهجوم الروسي على أوكرانيا وتأكيد دعم وحدة وسيادة أوكرانيا على أراضيها، في المقابل رفضت الدخول في صدام مع موسكو وعبرت عن رفضها المشاركة في العقوبات الغربية، كما اتخذت موقفاً حذراً فيما يتعلق باتفاقية مونترو وذلك من خلال منع مرور كافة السفن الحربية للدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود وهو الموقف الذي كان مرضياً لأوكرانيا ولم يغضب روسيا.
وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، أجرى أردوغان 3 اتصالات هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زلينسكي واتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما جرت سلسلة اتصالات تركية مع روسيا وأوكرانيا على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أركان الجيش في محاولة للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
ومن خلال العلاقات الثنائية الاستثنائية بين أردوغان وبوتين، تسعى أنقرة لتحقيق اختراق في مساعي وقف الحرب لتحقيق نصر دبلوماسي والتأكيد على أهمية الدبلوماسية التركية كما تُذكر روسيا دائماً بضرورة التجاوب مع مساعيها والحفاظ على موقفها الوسطي لإبقاء أصدقاء لها لم يقبلوا المشاركة في العقوبات الغربية التي يمكن أن تصبح أكثر تأثيراً في حال شاركت بها تركيا.
في المقابل، تُذكر تركيا المسؤولين الأوكرانيين على الدوام بـ”الخذلان الكبير” الذين تعرضوا له مع الناتو والاتحاد الأوروبي وتحاول اقناعهم بضرورة التجاوب مع المساعي التركية للوساطة بالوصول إلى صيغة تكون فيها أوكرانيا دول محايدة تتمتع بسيادة تحافظ على مستوى معين من العلاقات مع الغرب مع عدم الدخول في حالة عداء مع روسيا وهو طرح قريب وإن كان مختلف عن “النموذج التركي”.
وعقب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستحالة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، صرح رئيس الوزراء البريطاني، الأربعاء، بأنه يستحيل انضمام أوكرانيا إلى الناتو في هذه الظروف، عقب تصريحات زلينسكي التي أعلن فيها لأول مرة أن بلاده تخلت عن مساعيها للانضمام للحلف، وهي جميعها تطورات تبني عليها أنقرة خطابها إلى كييف والقائم على ضرورة التركيز على بناء أوكرانيا محايدة ذات سيادة غير تابعة لا لروسيا ولا الناتو. وألمح أردوغان إلى “الخذلان الغربي” بالقول إن “حرب أوكرانيا أثبتت أن تركيا مجبرة أن تكون قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”.
وتركز تركيا مساعيها حالياً على إمكانية عقد لقاء قمة بين بوتين وزلينسكي برعاية أردوغان، وهي مساعي اكتسبت زخماً جديداً مع التصريحات الغربية المرحبة بالجهود الدبلوماسية التركية في الأزمة الأوكرانية ومنها ترحيب الرئيس الأمريكي جو بايدن وأمين عام الناتو بالجهود الدبلوماسية التركية.
ورغم قدرة تركيا على ممارسة ضغوط على أوكرانيا لإقناعها بالتخلي عن مساعيها للانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي والالتزام بالحيادية، إلا أنه يصعب إقناع روسيا على ما يبدو بالتخلي عن شروطها بأن تكون أوكرانيا دولة منزوعة السلاح وبالتالي منقوصة السيادة، أو اقناع الناتو بتقديم ضمانات أمنية لروسيا رفضها الحلف في السابق، وهو ما يؤشر إلى صعوبة تحقيق اختراق كبير في المساعي التركية باستثناء التمهيد لمباحثات سياسية يتوجب أن تشارك فيها أطراف دولية أوسع تكون قادرة على اتخاذ قرارات جريئة يمكن أن تنهي الحرب وتقود لاتفاق سياسي شامل حول أوكرانيا.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا