اغتيال شيرين ابو عاقلة – التفاصيل الخفية

النائب الأسبق يوسف البستنجي…

 

ما زال المستشارون الأميركيون لدى إسرائيل ولدى السلطة يجهدون فى البحث عن طريق توصلهم إلى الصورة الواضحة لعمل المقاومة فى فلسطين، وهم على قناعة تامة بأن كل من هم محسوبون على الفصائل فى الضفة لا صلة لهم بما يحدث، ولا تربطهم اي صلة بواقع المقاومة الجديد الذى صار متسيدا لكل شيء، بل فرض على الجميع حالة وحدة ميدانية لا يسمح بتجاوزها، كما ان جميع من هم من الفصائل صاروا تحت ظلال القيادة الجديدة للمقاومة غير المعروفة وفي حمايتها، ويوافقونها الراي فى كل ما تذهب اليه من ضرورات الوحدة الميدانية، وعدم الانجرار إلى معركة جانبية مع أجهزة السلطة، ورغم أن هذه القيادة لا تفصح عن نفسها الا بخطواتها التى تتسرب إلى الجميع باساليب غير معروفة حتى الآن، الا ان هناك شبه إجماع على الالتزام بكل ما يصل منها.
الأميركيون والاسرائيليون فى حالة غضب وذهول، ويجهدون بالتعاون مع أجنحة فى الأجهزة الأمنية في الضفة فى البحث عن أي طرف خيط بلا جدوى.
فى المستشفى الفرنسي جاء الشباب المقدسيون الغاضبون ليعلنوا أمام شقيق شيرين وفريق الجزيرة ورجال من السلطة انهم سيحملون نعش شيرين على الأكتاف ويمشون به على الأقدام فى كل أنحاء البلدة القديمة.
وأمام كل الرجاءات بأنه حان وقت دفن شيرين بعد ثلاثة أيام من استشهادها، وأن الجو حار جدا وقد يؤثر على الجثمان ، رفض الشباب وحملوا النعش وخرجوا به فى تحد صارخ، لكن الأوامر جاءت من المستشارين الأميركيين للشرطة الإسرائيلية إياكم ان تسمحوا لهم، ستخرج فلسطين قاطبة وراء النعش لان مسافة مشيهم به ربما تصل إلى عشر ساعات.
ولم يكن أمام الأميركيين عبر الإسرائيليين الا التهديد بمصادرة الجثمان وإرساله إلى وحدة ابوكبير الإسرائيلية ومن ثم إلى مقابر الأرقام. ومع ذلك لم يتراجع الشباب الغاضبون الا بعد أن وصلتهم رسالة شفوية محددة : اكراما لعيون شيرين دعوا الأمور تمر كما يراه شقيقها.
واكراما للشباب بقى انطون شقيقها في المستشفى لفترة قبل أن يلتحق بالجثمان فى كنيسة الروم الكاثوليك.
ورغم أن الشرطة الإسرائيلية داهمت المستشفى بكامل اقسامه بحثا عن الشباب، إلا انهم لم يعثروا على اي احد منهم فقاموا باعتقال بعض العاملين في المستشفى للتحقيق معهم، الا انهم سرعان ما أطلقوا سراحهم بعد أن اكتشفوا انهم لا يعرفون شيئا مما يبحثون عنه، لكن الشباب ظهروا فى امكنة أخرى من البلدة القديمة وهم يساعدون الناس على الالتحاق بالجنازة.
لقد كان واضحا فى جنازة شيرين أن هناك صراعا بين ارادتين : إرادة المقاومة وارادة الأميركيين والاسرائيليين معا، وقد انتصرت إرادة المقاومة، وبالرغم من أن زهو المشهد لم يكتمل بزف شيرين فى كامل ارجاء البلدة القديمة، الا ان الشباب اكملوا الصورة بعد يومين فى جنازة الشهيد وليد الشريف عندما سيطروا على كامل البلدة القديمة وطردوا الشرطة الإسرائيلية من شوارعها
لقد بذل الأميركيون عبر القوات الخاصة الإسرائيلية جهودا مضنية فى الاقتحامات في جنين وكافة البلدات الفلسطينية لإعادة اعتقال الأسرى المحررين باعتبارهم أكثر الجهات قربا إلى نهج المقاومة وفكرها للتحقيق معهم تحت ضغوط هائلة، فى محاولة للوصول إلى طرف خيط ولكن بدون جدوى، بل ان اي طرف خيط كانوا يظنون انهم وصلوا اليه سرعان ما يصلون إلى نهايته دون أن يفتح طريقا لهم إلى ما يريدون.
ولا بد أن يعرف الجميع أن الأميركيين يعتبرون هذه المعركة معركتهم الخاصة قبل أن تكون معركة الإسرائيليين الذين يشعرون لأول مرة منذ تأسيس الكيان بالخوف العارم، لأن حالة الثورة تسري فى الجسد الفلسطيني كالنار فى الهشيم، ولأن الأسلوب الذى تدار فيه المعركة صامت وواثق وذكي ومؤثر وبعيد عن برغماتيا القيادات الفلسطينية المتعارف عليها، ويخوض معركته مع العدو بمنطق كسر العظم، ونكون او لا نكون.
لقد استفاد كثيرون جزئيا ووقتيا من استشهاد شيرين،، على رأسهم بالطبع إسرائيل وامريكا اللتان لا تديران بالا لردود الأفعال الدولية، ومن وجهة نظرهما فقد شكل هذا الاغتيال بداية لترتيب المسرح بما يعطيهم الفرصة لقيادة الأحداث بما يخدم مصالحهما المشتركة.
إلى جانب هؤلاء فقد استفادت السلطة فى إعادة تلميع دورها الأمر الذى أعطاها فرصة لتوسيع دورة الاستهداف والاعتقال للمقاومين.
على الناحية الاخرى فقد استفادت قطر فى توسيع دورها في الملف الفلسطيني بما يتجاوز دورها فى قطاع غزة إلى الاندغام في بعض نواحى الصراع مع الاحتلال فى الضفة، واستفادت قناة الجزيرة بتوسيع دائرة مشاهديها الذين فقدت جزءا هاما منهم بسبب تغطيتها المنحازة فى حرب أوكرانيا
اما المقاومة فقد تمكنت بابداع من تحويل مجرى الاغتيال إلى ما يخدم توسيع مبدأ المواجهة مع العدو، وأوضحت للقاصى والدانى أن شهداء الشعب الفلسطيني يملكون قيما مضاعفة فى الاحترام والقدسية تعلو على قيم الاجرام والتزييف التى تمثلها إسرائيل، والتى تم افتضاحها أمام العالم اجمع،كدولة مارقة وعنصرية.
المهم ان زيارة بايدن لفلسطين المحتلة والتي كان يؤمل أن يقوم بها بعد تثبيت حكومة بينيت أصبحت الان بعيدة عن التحقق، لأن أحدا ما تسلل من النافذة او من الباب الخلفي كي يقنع السيدة غيداء ريناوى الزعبي بالانسحاب من الائتلاف الحاكم فى إسرائيل، الأمر الذى سيذهب بالأمور إلى سقوط بينيت والى جولة انتخابات خامسة. وقد ذهبت السيدة زعبى الى قرارها بالانسحاب دون العودة إلى حزب ميرتس الذى تنتمي اليه.
وبذلك فإن التوجه المتفق عليه بين بينيت وإدارة بايدن بإعادة طرح موضوع حل الدولتين ظاهريا كي ينشب خلاف فلسطيني فلسطيني تكون المقاومة طرفا فيه أصبح فى طور المؤامرة المؤجلة

قد يعجبك ايضا