استشهاد سعدية مطر في سجون الاحتلال.. إهمال طبي أم قتل بطيء!
الشرق الأوسط نيوز : مهما كانت نتائج التشريح الطبي العدلي لجثمان الشهيدة سعدية (فرج الله) مطر (68 عاما) فإنه لن يعيدها لعائلتها، وستبقى تحمل لقب الشهيدة رقم 230 من شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال منذ عام 1967 وحتى اللحظة.
سيكشف التشريح الذي يجري في معهد الطب الشرعي/ العدلي أبو كبير (مختبر أبحاث جنائي إسرائيلي يقع في حي أبو كبير في تل أبيب)، عن سبب الوفاة، لكن كل ذلك لن يعيدها إلى عائلتها، أو حتى إلى أسرتها الثانية التي تتكوّن من الأسيرات الـ 28 في سجن الدامون الاحتلالي، اللواتي كن يتعاملن معها على أنها أمهن لكونها الأكبر سنا.
كما أن التشريح، الذي وافقت العائلة عليه خطياً، وتقدّم نادي الأسير بالطلب الرسمي للجهات الاحتلالية، لن يكشف طبيعة الإهمال الطبي الذي يصفه الناطق باسم نادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار بـ “القتل الطبي”.
ويرفض النجار استخدام مصطلح “الإهمال” للتعبير عما تعرضت له الشهيدة، لكونه يوحي إلى أن هناك نقيضه أي رعاية صحية، معتبرا ذلك بمثابة الغائب الأكبر في السجون الإسرائيلية.
وستصبح الأسيرة والأم الشهيدة ثاني أسيرة من شهيدات الحركة الأسيرة، حيث سبق أنّ استشهدت الأسيرة فاطمة طقاطقة من بيت لحم، والتي اعتقلت بعد إصابتها برصاص الاحتلال، وارتقت في شهر أيار من عام 2017 في مستشفى “شعاري تسيدك” الإسرائيلي.
وأمام منزل العائلة المكلومة في بلدة إذنا جنوب غرب الخليل، تجمع العشرات من المعزّين، مع غياب جثمان الشهيدة الأكبر سنا من بين كل الأسيرات، وحاولوا تصبير الأب والأبناء الذين بدوا غير متأكدين من تسلّم جثمان “سيدة البيت” التي رحلت من دون أن يكون هناك أي إمكانية لتوديعها، فالمسألة ترتبط بالإجراءات الاحتلالية التي لا يمكن التكهن بطبيعتها.
وعن صحة الحاجة مطر قبل الاعتقال، يقول محمد مطر إن والدته كانت بحالة صحية جيدة قبل اعتقالها، “صحتها كانت تتناسب مع عمرها”، ويوضح: “كانت بصحة جيدة، ولم تكن تشكو من أي مرض مزمن أو خطير”.
ويرى الابن محمد، وهو أحد ثمانية أبناء لسعدية الشهيدة إلى جانب كونها جدّة لأحفاد كثر، أن ظروف السجن هي التي أوقعت في جسدها الكثير من الأمراض.
واعتبر بدوره أن هذه جريمة واضحة وكاملة، ويجب أن يحاسب الاحتلال عليها.
أما شقيق الشهيدة تيسير فرج الله فاعتبر أن فترة الشهور الثمانية التي قضتها في المعتقلات هي التي أودعت الأمراض في جسدها.
ووصف ما تعرضت له بـ “الإهمال الطبي”.
وأكد أن الحاجة سعدية هي أحد أبناء الشعب الفلسطيني، الذين من المتوقع أن يكون أي واحد منهم ضحية جديدة بفعل سياسات القمع والاعتقال والقتل اليومية.
وكانت الحاجة مطر قد اُعتقلت بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2021، بعد أن تعرّضت لاعتداء من المستوطنين أثناء اعتقالها بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف وسط الخليل، وعلى مدار فترة اعتقالها لم تتمكن عائلتها من زيارتها.
وجاء اعتقال سعدية بعد اعتداء مبرح تعرضت له أثناء قيامها بزيارة منزل ابنتها التي تسكن بجانب الحرم الابراهيمي وسط مدينة الخليل، حيث اعتدى عليها مستوطنون كثر، ونقلت أثر ذلك عبر سيارة الإسعاف بعد فقدانها الوعي، حيث بقيت في المستشفى لمدة أسبوع، ومن ثم أرسلت للسجن الإسرائيلي حتى تاريخ وفاتها.
ويؤكد شقيق سعدية أن آخر جلسة في محاكمتها كانت قبل أسبوع (بتاريخ 28 حزيران/يونيو) حيث جاءت على كرسي متحرك، بعد شهرين قضتهما بالعزل الانفرادي بحجة اعتدائها على إحدى السجانات.
وأكد شقيق الشهيدة أنه خلال جلسة المحكمة طلب المحامي المترافع عنها العودة للكاميرات في لحظة الاعتقال، لكن القاضي رفض، وهناك كان الحديث يدور عن سجنها 5 سنوات ودفع غرامة مالية تقدر بـ 15 ألف شيقل، على شكل تعويض للمستوطن الذي عانى نفسيا بحسب الادعاء، ومن ثم تم تأجيل المحكمة لموعد لاحق.
ويحمل شقيقها، كما أبناؤها، الاحتلال المسؤولية المباشرة عن جريمة القتل، وهو أمر يرد إلى الإهمال الطبي الذي جعلها تعاني من مرضي الضغط والسكري من دون العمل على توفير أي دواء لهما.
تجاهل التقارير الطبية
إبراهيم نجاجرة، مدير هيئة شؤون الأسرى في مدينة الخليل، قال في تصريحات صحفية إن ما تعرضت له المرحومة مطر هو جريمة بحقها وحق الإنسانية، وهي نتاج لسياسة الحرمان الطبي.
وأكد نجاجرة أن السجن جعلها تعاني من أمراض مزمنة بحيث أصبحت بحاجة لرعاية صحية وأدوية، ولكن إدارة مصلحة السجون كانت تتجاهل التقارير الطبيبة ومطالب ممثلة الأسيرات ومحامي هيئة شؤون الأسرى.
وأكد نجاجرة أنه خلال جلسة الأسبوع الماضي حضرت سعدية للمحكمة على كرسي متحرك، وكان تعاني من ارتفاع بالضغط والسكر، فيما طلب المحامي من المحكمة عرضها على طبيب مخص لكن لم يتم تلبية الطلب.
ويرى نجاجرة أن إسرائيل لم تستجب لطلب المحامي، وهذا مؤشر على جريمة واضحة وهي الإهمال، وهو أمر يتطلب أن يكون هناك تحرك من المؤسسات الدولية والحقوقية ومنظمة الصحة العالمية في ظل أن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع السجون على أنها معسكرات ولا يسمح بالزيارات داخلها.
وأكد أنه في السجون الإسرائيلية مجموعة من الأسرى الذين يعيشون حالة الموت والاستشهاد، وتحديدا مرضى السرطان والمعاقين أمثال: ناصر أبو حميد موفق عروق فؤاد الشوكي منصور موكدة رياض العمور خالد الشاويش.
القتل الطبي
بدوره أكد أمجد النجار، الناطق باسم نادي الأسير الفلسطيني، أن محامي الأسيرة أكرم سمارة طلب في آخر جلسة نقلها لمستشفى مدني عرضها على طبيب مختص بعد أن قدمت للمحكمة على كرسي متحرك، لكن لا شيء من ذلك تم تنفيذه.
وأكد أنه عندما يجتمع السكري والضغط مع عدم الرعاية فإن ذلك يعني الوفاة العاجلة.
وانتقد النجار غياب الموقف الفصائلي والوطني إزاء قضية الشهيدة، حيث كان من المفترض أن يعلن الحداد في كافة مناطق الضفة الغربية لكن ذلك لم يحدث في دلالة على غياب وتراجع دور الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.
وشدد على أن هناك ما يقرب من 600 حالة مرضية موثقة بالاسم والعنوان ونوع المرض، ومنها 23 حالة تعاني من مرض السرطان. وهؤلاء شهداء مع وقف التنفيذ لعدم توفر المناسب لهم، فالإهمال لا يعبر عن حقيقة الصورة في السجون إنما هناك “قتل بطيء”.
واتهم النجار إدارة السجون الاحتلالية بأنها تخفي معلومات الأسرى الطبية، ويضرب مثالا بالأسير ناصر أبو حميد الذي راجع إدارة السجون عشرات المرات وكان يحصل على المسكنات من دون الحديث عن وضعه الصحي الفعلي.
مطالب الأسرى
وأعلن اليوم الأســرى في سجون الاحتلال حدادًا على روح الشـهيدة، معتبرين أن ما تعرضت له هو بفعل تعرضها لجريمة الإهمال الطبيّ المتعمد.
وفي البيان الصادر عن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال قال إنه “إذ نودع اليوم الأسيرة الصابرة والمجاهدة سعدية فرج الله “مطر” لتلتحق بركب شهداء الحركة الأسيرة الذين ارتقوا نتيجة لسياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، حيث عانت الأسيرة من أمراض متعددة ثاقلتها ظروف الاعتقال المأساوية بسبب الإجرام الصهيوني بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في سجونه الظالمة، وعدم توفير الشروط الطبية التي تنص عليها القوانين الدولية والإنسانية”.
وحمل البيان الاحتلال الصهيوني وإدارة سجونه المسؤولية الكاملة والمباشرة عن استشهاد الأسيرة مطر نتيجة الإهمال الطبي بحقها.
وقال: “إذ تعلن الحركة الأسيرة الحداد بإغلاق الأقسام اليوم وإرجاع وجبات الطعام حدادًا على روح الشهيدة، ونؤكد أن الإهمال الطبي جريمة منظمة وممنهجة تمارسها دولة الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين لاستهداف حياتهم وقتلهم، والقافلة ستطول إن لم يتم لجم الاحتلال وإلزامه بما نص عليه القانون الدولي”.
وطالبت الحركة الأسيرة الجهات الرسمية والحقوقية ومنظمة الصليب الأحمر العمل للضغط على الاحتلال لتسليم جثمان الأسيرة الشهيدة ليتم دفنها بكرامة بين أهلها وذويها، والجماهير الفلسطينية ومؤسسات الشعب الفلسطيني بالوقوف أمام الجريمة النكراء بمسؤولية عالية، ومحاسبة المحتل على جرائمه بكافة الوسائل في كافة المحافل.
وختم البيان بدعوة فصائل المقاومة للاستمرار في سعيها الحثيث لإتمام صفقة تبادل تضمن تحرير الأسرى.
وفي سياق الموقف الجماهيري نظمت في محافظة نابلس وقفة احتجاجية، تنديدا بجرائم الاحتلال بحق الأسرى، والتي كان آخرها الأسيرة سعدية.
ورفع المشاركون في الوقفة التي نظمت بميدان الشهداء وسط المدينة، ودعت لها اللجنة الوطنية لدعم الأسرى في المحافظة، اللافتات المنددة بجرائم الاحتلال بحق الأسرى، والرافضة لسياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى المرضى، مطالبين المؤسسات الدولية بالتدخل العاجل لإنقاذ حياتهم.
وقال منسق اللجنة الوطنية مظفر ذوقان، إن “الشهيدة فرج الله إحدى ضحايا الإهمال الطبي والقمع والإرهاب، الذي تمارسه إدارة سجون الاحتلال، مؤكدا أنها لا تزال تواصل قمعها بالقتل والإرهاب وتدمير الحركة الأسيرة.
وأضاف ذوقان أن الإجراءات الاحتلالية بحق الأسرى تستوجب تحركا عاجلا وجادا فلسطينيا ودوليا، وضرورة استخدام كافة أشكال المقاومة للرد على تلك الجرائم”.
وأكد أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية والإنسانية في مواصلة احتجاز جثامين الشهداء في مقابر الأرقام والثلاجات.
المصدر : القدس العربي
