“وحدة الساحات”.. ثبّتت وقوف الفلسطينيين مع من يقاوم

الشرق الأوسط نيوز : ينقسم الفلسطينيون على كل شيء، صحيح أنهم يجمعون على الأماني والأحلام لكنهم بالتأكيد يختلفون أيضا على طرق تحقيقها، ومواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الذي حمل تسمية إسرائيلية “طلوع الفجر”، ليس استثناء بطبيعة الحال، حيث حملت التسمية الفلسطينية لعملية صد العدوان على غزة: “وحدة الساحات”.

لقد حمل العدوان ومواجهته، والنهاية التي آل إليها بوقف متبادل لإطلاق النار، وبالطريقة التي خرج بها، ما أثار في نفوس الفلسطينيين الكثير من الشجون والأحلام والرغبات، وهو أمر خلق مزيدا من الانقسام. لكن المؤكد، بحسب محللين ونشطاء، أن المنصات الاجتماعية عكست أمرا مفاده أن الشعب الفلسطيني يقف إلى جانب من يقاوم، في إشارة واضحة إلى ارتفاع أسهم حركة “الجهاد الإسلامي”.

لقد بدأ الانقسام الفلسطيني قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، لقد تبادلوا خبر توصية رئيس الشاباك رونان بار في اجتماع المجلس السياسي والأمني “الكابنيت”، ​​ليلة السبت الماضي، بضرورة إنهاء العملية العسكرية في غزة خشية وقوع أخطاء من شأنها أن تورط إسرائيل في عملية عسكرية أوسع لا تريدها. وبحسب ما نقله موقع واللا العبري، فإن رئيس الشاباك قال إن العملية حققت أهدافًا أكثر مما حددناه، وسيكون لها تأثير في ساحات أخرى أيضًا، بما في ذلك هدف استراتيجي، وهو الفصل بين “حماس” و”الجهاد”، فيما شدد قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية على أنه يجب الحفاظ على هذا الفصل، وكل ذلك بحسب ادعاء صحافة الاحتلال.

كان هذا التسريب مغازلة وتحريضاً مباشراً، ووضْع ملح على الجرح لما يدور في قلوب المواطنين الذين لم يكونوا راضين على حالة الاستفراد بحركة “الجهاد الإسلامي”، وبقاء حركة “حماس” في القطاع دون مشاركة فعلية وواضحة في مواجهة الأيام الأربعة. وهو الأمر الذي فجر غضبا إضافيا من فريق دخول “حماس” على خط المواجهة، وهو ما قابله ذلك الصوت الذي رأى أن ذلك يعني تدمير القطاع.

تضاعفت شعبية “الجهاد”

المحلل السياسي عصمت منصور يرى أنه رغم أن “الجهاد” قاتل في ظروف صعبة جدًا وغير مواتية، حيث لم يختر لحظة البداية، وتلقى ضربة موجعة معنويًا وعسكريًا، ويقصف “غلاف غزة” الذي تم إفراغه من المستوطنين، وفي ظل انتشار واسع مسبق للقبة الحديدية وانتشار كثيف للطيران. كما أنه يخوض كل ذلك وحيدًا في مواجهة آلة عسكرية جبارة وفي ذروة استعدادها.

وتابع منصور: “مع ذلك فإن مجرد استمرار القتال وتوسيع رقعته يخدمه ويقلل من مكاسب إسرائيل ويزيد من مخاطر العدوان عليها”.

وعلق منصور على فكرة “اجتثاث الجهاد بأنها أمنية لن تتحقق. مشددا على أن الهدف الإسرائيلي من هذه العملية كان مرتبطا بإنهاء المعركة بأسرع ما يمكن دون انضمام حركة “حماس” إليها، معتبرا أن إطالة أمد المواجهة كان سيزيد من احتمالات دخول الحركة فيها، وتوسيع جبهة القتال وبدء عملية استنزاف واستقطاب ضغط دولي وداخلي.

وشدد منصور على أن الاحتلال الإسرائيلي طمح لجولة خاطفة خاصة بعد أن حقق مجموعة من الأهداف، والتي كان أبرزها اغتيال قائدين عسكريين، واستعادة زمام المبادرة، وامتلاك القدرة على مفاجأة “الجهاد الإسلامي” عبر توجيه ضربة عسكرية ومعنوية موجعة وترميم صورة ردعها وقوة استخباراتها.

وأضاف أن الثابت الأكيد في كل ما جرى خلال العدوان الأخير هو أن الشعب يقف إلى جانب كل من يتبنى المقاومة ومواجهة الاحتلال.

ثبات وحدة الساحات

الكاتب والباحث السوسيولوجي زياد حميدان يرصد تحول العدوان على القطاع من معركة إستراتيجية إلى معركة محدودة الأهداف.

ويضيف: “يمكن القول إن المواجهة الحالية قد انتهت بإنجاز من وزن ثقيل لنا؛ فقد أراد العدو إحراز إنجاز إستراتيجي من خلال توجيه ضربة خاطفة لفصيل بعينه يتبنى ويعمل على بناء مشروع مقاوم في الضفة الغربية، وهو ما يحقق كسراً لمعادلة “وحدة الساحات” التي حققتها معركة “سيف القدس”؛ وكذلك يرمم صورة الكيان التي تزعزعت؛ ويحقق أهدافاً انتخابية كذلك”.

الباحث حميدان يضيف: “بعد أيام من المواجهة؛ اكتشفوا أنهم يقفون أمام معركة محدودة لأن أهدافها تقلصت. فقد كان حجم رد المقاومة دليلاً على أن عمليتهم قد فشلت؛ لأن الاستمرار مطولاً فيها سيجرهم إلى ورطة أكبر. كما أن رد المقاومة غير المتوقع والتصعيد الكبير كرس من إستراتيجية المراكمة في معادلة “وحدة الساحات” حيث تضمن اتفاق التهدئة “العمل على إطلاق سراح المعتقلين في الضفة”.

ويشدد حميدان على أنه رغم كل ما يقال من ملاحظات؛ فإن ما جرى خلال الأيام الماضية؛ يشير إلى فشل الاحتلال في كسر معادلة “وحدة الساحات” وهي حالة تتكرس في اختلال معادلات القوة وتصاعد التآمر والخذلان المحيط بالشعب الفلسطينيين.

ويرصد الدكتور أمجد أبو العز، المحاضر في الجامعة العربية الأمريكية تغيّراً في سياسة الاحتلال الإسرائيلي، ففي العدوان الأخير جهدت إسرائيل باعتماد سياسة العمليات الموضعية التي تستهدف من خلالها قادة “الجهاد الإسلامي” ومواقعهم العسكرية والنأي عن استهداف قادة “حماس” وقواعدهم، أو حتى تحميل “حماس”، التي تحكم القطاع، مسؤولية الرشقات الصاروخية التي انطلقت من القطاع، وهو مخالف لما دأبت عليه تاريخيا.

ويرى أبو المجد أن النهج الإسرائيلي في غزة، حيث العمليات الموضعية السريعة الخاطفة، مشابه لما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية، حيث سياسة الاغتيالات أو الاعتقال، ومن ثم الإنسحاب فورا وإعادة الحياة بسرعة إلى مجاريها بدون استفزاز المواطن الفلسطيني أو تعطيل الحياة اليومية على نطاق واسع، وهي بذلك انتقلت في سياساتها من حل الصراع والانخراط به بشكل مباشر إلى إدارة الصراع.

ويرصد أبو المجد سياسة الاحتلال في “دق إسفين” بين “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ويرى أنه يمكن القول إنها نجحت في ذلك عبر تحييد “حماس” وأخرجها من المواجهة الأخيرة، رغم أنها طرف في غرفة العمليات المشتركة. وهو الأمر الذي وضع الحركة في موقف صعب، خاصة فيما لو استمر العدوان وارتفع عدد الضحايا.

ويتفق أبو المجد مع الرأي القائل بأن نتيجة المواجهة جاءت عكس ما صرح به الاحتلال، فبدلاً من توجيه ضربة قاتلة لـ “الجهاد الإسلامي” حدث العكس، حيث تنامت شعبيتها، ولا سيما في المخيمات الفلسطينية.

وحول الاتفاق الذي تم التوصل إليه يشير أبو المجد بأنه اتفاق “لا يرتقي إلى مستوى التطلعات الشعبية”، فهناك الخسائر البشرية من شهداء وجرحى مقابل الوعد بإطلاق أسرى بضمانة مصرية.

ويعتقد الباحث أن هذه النتيجة ستضاعف من الانتقادات التي ستطال “الجهاد”، كما طالت “حماس” لعدم مشاركتها في العدوان.

اختلاف نهجين للمقاومة

الباحث السياسي عرفات الحاج قدم مقاربة وقراءة في مواجهة “وحدة الساحات” بالعودة إلى الأعوام ما بين 2018 و2020، حيث أشعلت حركة “حماس” سلسلة من جولات التصعيد القصيرة مع الاحتلال انطلاقا من غزة، معتبرا أن هذه الطريقة من العمل تعبر عن رؤية حركة “الجهاد الإسلامي” أكثر من كونها رؤية ونهج لحركة “حماس”.

ويرى الحاج أن ما تسعى إسرائيل لإثارته كنقطة توتر داخلي فلسطيني في هذه الحرب هو الاختلاف حول هذه الرؤية، حيث استقرت رؤى “حماس” عسكريا حول تطوير القدرات وخوض جولات قتال كبرى بأهداف محددة، أي أن يأتي “القسام” لكل حرب ببضاعتها وبمجموعة من “المفاجآت”.

ويكمل قائلا: “الجهاد الإسلامي في هذا الملف في موضع آخر، وهو أمر يتصل بطبيعة الحركة ورؤيتها للصراع واستراتيجيات وتكتيكات القتال ودوره فيه، ويرى في الاستنزاف المستمر أداة لتطور المقاومة عموما كحالة تحتاج بالأساس لإذكاء البيئة المجتمعية بالاشتباك المستمر، ويرى دوره مرتبطا بمواجهة شاملة ضمن محور أعداء إسرائيل، ولا يحتسب النتائج المباشرة للمعارك باعتبارها حصيلة نهائية، ولكن يحتسب دور المعركة ضمن مسار طويل وشبكة واسعة من نقاط وملفات الصراع بين اسرائيل ومحور أعدائها”.

 ويشير إلى أنه بإمكان المتابع بسهولة قراءة الحزن الناجم عن عدم انخراط كتائب عز الدين القسام في جولة القتال الحالية، “الناس غاضبة أو حزينة على الأقل، رغم إدراكها أن انخراطها في القتال يعني توسيع عدوان الاحتلال لسلسلة أهداف أكثر بكثير، إنه نوع من الحنين الدائم لـ”مشهد الوحدة”، أو أن هناك اعتقاداً يكبر بقدرة إضافية لدى “القسام” على الرد على جرائم الاحتلال.

ويرى الحاج أن الحقيقة البسيطة التي نستنتجها هنا أنه لا أحد يمكنه أن يصلح أو يعدل من إستراتيجيته خلال أيام الحرب، أو يستورد منطلقات جديدة خلال القتال، أما “سرايا القدس” فهي تقاتل بطريقتها المعتادة وبفهمها السياسي والعقائدي للصراع، ولعل رغبة كثير من الناس بانخراط “القسام” في المعركة مطلب سياسي أكثر من كونه متصلاً بمتطلبات القتال، كما أن المشهد الحالي يختلف عما ألفه الناس في الحرب في السنوات الأخيرة.

ويرى أن السؤال ليس حول غياب أو حضور أحد، وليس حول التزام أطراف انخرطت في قتال إسرائيل لسنوات ودفعت سيلاً من الدماء وتكون وجودها حول مسعى هزيمة المحتل، ولكن حول ما الذي نريده كفلسطينيين؟ ودور المقاومة المسلحة ضمنه؟ وإستراتيجياتها وآليات تفعيل هذه الإستراتيجيات؟ ودور “الجمهور” الذي حسم موقفه تأييداً للمقاومة، ولكنه لا زال غير فاعل فيها بما يليق بموقفه وتاريخ الفعل الجماهيري المقاوم في فلسطين؟

وختم بأن هذه الأسئلة المهمة تحتاج إجابة بعد انتهاء العدوان، الذي خلاله علينا فقط أن نصمد ونمنع المجزرة وتقديم كل ما يفيدنا في خوض المقاومة.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا