أوساط إسرائيلية: إسرائيل تحّقق مكاسب تكتيكية هامة لكنها بلا استراتيجية

الشرق الأوسط نيوز : يحذر الباحثان الإسرائيليان الجنرالان في الاحتياط عاموس جلعاد وميخائيل ميلشتاين إسرائيل من تقديم تنازلات لـ “حماس” وينتقدان فقدان الرؤية الاستراتيجية لديها في كل التعامل مع قطاع غزة، وهذا ما تشير له أوساط إسرائيلية بشكل متزايد منذ انتهاء العدوان على القطاع.

في مقال مشترك نشرته “يديعوت أحرونوت” يقولان إن حملة “بزوغ الفجر” حققّت حتى الآن إنجازات عسكرية مبهرة من ناحية إسرائيل، ويعللان ذلك بالقول إنها قد بدأت بخطوة مبادرة فاجأت “الجهاد الإسلامي”، وألحقت به إصابة شديدة، وفي مركزها قتل رؤساء ذراعه العسكرية، وأدت إلى تشويش الخطة لتنفيذ عملية إطلاق مضادات الدروع قرب حدود القطاع. ويحذرّان مع ذلك من أن تتباهى إسرائيل بالإنجازات التي حققّتها، ويدعوان للتذكّر بأن هذا تنظيم يتخّلف في قدراته العسكرية جداً عن “حماس”، وبالتالي يطرح تهديداً محدوداً على إسرائيل. ويعتبران أنه من الحيوي تحليل المعركة من زاوية استراتيجية، وليس فقط من زاوية نظر التغطية الجارية والتكتيكية. ويتابعان: “في هذا الإطار تبرز الصعوبة الجوهرية للتسوية التي يجري العمل عليها منذ نحو سنة في غزة لضمان الهدوء الأمني، وذلك رغم مساعي إسرائيل التي تشكل سابقة لتحسين الواقع المدني في المنطقة انطلاقا من الفرضية بأن الأمر سيقلل احتمال التصعيد”.

وبرأيهما عملياً يتبين أنه عندما لا تكون ثمة بادرات طيبة مدنية يتطور التصعيد، لكن أيضا عندما تتحقق يقع التصعيد رغم ذلك. وبخلاف تقديرات إسرائيلية أخرى تثمّن الفصل بين تنظيمي المقاومة الإسلاميين، يقولان إنه إضافة إلى ذلك ينبغي اتخاذ نظرة نقدية تجاه الشرخ الحاد الذي ضربته إسرائيل بين “الجهاد الإسلامي” و”حماس”، صاحبة السيادة في غزة والمسؤولة عن حفظ الهدوء في إطار التسوية، والتي تجلس على الجدار بدلاً من فرض إمرتها على “الجهاد”.

“ضبط المارقين”

ويضيفان: “هذا فصل يعفي “حماس” من المسؤولية على ما يجري في غزة، يعكس تبني روايتها حول “صعوبة العمل تجاه المارقين”، وعملياً يساهم هذا في العودة إلى واقع الجولات الذي ساد قبل نحو عقد وتقلص منذ عملية “الجرف الصامد” في 2014. ويعتقد جلعاد وميليشتاين أن “حماس” أثبتت في الماضي أن فرض الإمرة على الفصائل الفلسطينية في غزة هو مسألة إرادة، وليست مسألة قدرة ويتابعان: “في الوقت الحالي هناك مصلحة لإسرائيل في إبقاء “حماس” خارج دائرة المواجهة، المهمة التي ستصبح أصعب فأصعب كلما طالت المعركة، وخاصة إذا ما وقعت خسائر واسعة في الأرواح في الجانب الفلسطيني، أو وقع اضطراب حول الحرم. ولكن تعّلم دروس المعركة يعني أنه على إسرائيل أن تحّدد الموقف الحيادي ظاهراً لـ “حماس” كإمكانية كامنة لتحديات قاسية في المستقبل، حيث سيتم تقويضها من خلال ضغط اقتصادي وسياسي. من المحظور أن تنهي إسرائيل المعركة الحالية بينما تفهم فصائل “الإرهاب” أنه فتحت أمامها إمكانية العمل ضد إسرائيل دون الخوف من رد حاد من “حماس” أو من اضطراب جماهيري ضدها”.

وطبقا لرؤيتهما يجب في اليوم التالي للمواجهة التأكيد من جديد أمام “حماس” على قواعد اللعب: المطالبة بتدخل نشط في الإنفاذ، بل اشتراط استمرار السياسة المدنية الموسعة، خاصة خروج العمال للعمل في إسرائيل بعمل مصمم مثابر ضد من يخرق التسوية. ويقولان إنه لن تضمن سياسة كهذه الهدوء على مدى الزمن في قطاع غزة، لكنها ستضع “حماس” أمام معضلة صعبة يحتمل أن تدفعها لتعمل بشكل مختلف. ويخلصان للقول: “بالتوازي؛ مطلوب من إسرائيل استيضاح نقدي للسياسة التي انتهجتها في السنة الأخيرة، سنة حظيت بلقب “السنة الأهدأ منذ عشرين سنة في القطاع. في أعقاب الحملة الحالية من شأن هذه السنة أن تشبه تلك التي سبقتها. وبين هذا وذاك، فإن المعركة اليوم تجسد مرة أخرى الآثار السلبية لغياب استراتيجية مرتبة في سياق قطاع غزة على مدى الزمن”.

باحثان إسرائيليان: إبقاء “حماس” خارج دائرة المواجهة مهمة التي ستصبح أصعب فأصعب كلما طالت المعركة، وخاصة إذا ما وقعت خسائر واسعة في الأرواح في الجانب الفلسطيني، أو وقع اضطراب حول الحرم.

يجب تبني خطة لبيد “اقتصاد في مقابل أمن”

في افتتاحيتها دعت صحيفة “هآرتس” أيضا إسرائيل لتغيير استراتيجيتها، واعتبرت أن العدوان على غزة شكّل دليلاً إضافياً للفشل الهائل للسياسة الإسرائيلية إزاء غزة. وعللّت ذلك بقولها إن جولات القتال العنيف أصبحت أكثر تواتراً، حيث تعطلت حياة المواطنين الإسرائيليين مجدداً، كما أن حياة الفلسطينيين في غزة باتت كابوساً متواصلاً. وترى أنه من أجل وقف هذه المسيرة الحمقاء يجب تغيير هذه السياسة كلياً: في المرحلة الأولى علينا أن ندفع قدماً بعملية إعادة إعمار غزة، وزيادة عدد تصاريح الدخول إلى إسرائيل، والسماح بدخول مزيد من مواد البناء والسلع بصورة عامة. وتقول إن تحسين الوضع الاقتصادي والمدني لسكان القطاع هو مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى، ومن المهم العودة بأسرع وقت إلى التوجه الذي تبنته إسرائيل قبل العملية، فقد بلغ يومها عدد الغزيين الذين سُمح لهم بالعمل في إسرائيل 14 ألفاً، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 20 وحتى 30 ألفاً. في المقابل دخلت حيز التنفيذ خطة تربط مباشرة بين عمال وأرباب عمل محددين من المفترض أن تؤمن شروطاً اجتماعية أفضل.

تغيير الاستراتيجية

لكن بالإضافة إلى عملية إعادة إعمار محدودة، تقول “هآرتس” إنه يتعين على إسرائيل تغيير استراتيجيتها إزاء غزة، ومن الجيد أن تتبنى المبادرة الثنائية المراحل التي قدمها من كان في أيلول/ سبتمبر 2021 وزيراً للخارجية، وأصبح اليوم رئيساً للحكومة– يائير لبيد- وعنوانها “اقتصاد في مقابل أمن”. وتشير إلى أن خطة لبيد تتضمن مرحلتين: الأولى إعادة إعمار إنسانية تسمح إسرائيل في إطارها لغزة بإعادة إعمار شبكة الكهرباء والتوصيل بالغاز، وبناء منشآت لتحلية مياه البحر وتحسين الخدمات الصحية في مقابل هدوء طويل الأجل. بَيد أن المرحلة الثانية تذهب إلى أبعد من ذلك، مثل إقامة جزيرة اصطناعية في مواجهة شواطىء غزة تسمح ببناء مرفأ بحري، بالإضافة إلى الدفع قدماً باستثمارات دولية ومشاريع اقتصادية مشتركة بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية. وتستذكر أن لبيد لم يكتفِ بمشروع نظري، فقد قال يومها إن “رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الأمن بني غانتس يدركان الموقف ويؤيدان مبدئياً من يقف وراءه”، وأضاف أنه أجرى عدة محادثات تمهيدية “مع أطراف في العالمين العربي والغربي، وهم يدرسون الفكرة وكذلك مع الحكام في مصر ومع زعماء في دول الخليج ومع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، ووزير الخارجية الروسي لافروف والاتحاد الأوروبي. وتخلص “هآرتس” في افتتاحيتها للقول: “رغم أن لبيد يترأس حكومة تصريف أعمال، وأن الانتخابات تلوح في الأفق، فهناك فرصة نادرة لتحقيق أجزاء من هذه الخطة التي وضعها. والأهم من ذلك، فهذه فرصة ذهبية بالنسبة إليه كي يرسم توجهاً جديداً في العلاقات بين إسرائيل وغزة، وكي يغرس الأمل من جديد وسط العديد من الإسرائيليين ومن الغزييّن أيضاً الذين يئسوا من جولات القتال الوحشية التي تحولت إلى واقع في حياتهم”.

غرزنا إسفيناً بين “حماس” و”الجهاد”، لكن وماذا بعد؟

كما يتساءل المحاضر في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي موشيه إلعاد، الذي تولى مناصب أمنية رفيعة سابقاً بالقول إن إسرائيل غرست إسفينا بين حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، لكن ماذا بعد؟ في مقال يقول إلعاد إنه في عدوان “بزوغ الفجر”، كما في عملية “الحزام الأسود” في 2019، اختارت “حماس” الوقوف جانباً وعدم الانضمام إلى “الجهاد الإسلامي” الفلسطيني في معركته ضد “العدو الصهيوني”. ويقول أيضا إن الجهاد هو التنظيم الثاني من حيث الحجم في القطاع- والذي يبلغ عدد عناصره بضعة آلاف ولديه على ما يبدو بضعة آلاف من الصواريخ فقط- لم يرتدع وقرر إنشاء معادلة مباشرة في مواجهة إسرائيل، كما لو أنه قوة عسكرية تملك قدرات استراتيجية. ويضيف: “لا شك في أن الجهاد حاول استغلال الفرصة كي يلعب في ملعب الكبار. قبل بداية الجولة بلّغت حركة الجهاد الإسلامي المصريين أنه إذا لم تُطلق إسرائيل سراح بسام السعدي الذي اعتقل في جنين، وإذا لم تتوقف عن اعتقال نشطائها في الضفة، فإنها ستقصف غلاف غزة بالقنابل وقذائف المدفعية وصواريخ كورنيت التي لا يمكن اعتراضها بواسطة القبة الحديدية، على أمل أن الهجوم المباشر الذي وقع في أيار/مايو الماضي على باص عسكري فارغ في شمال غزة ما زال محفوراً في الذاكرة. لكن لا المصريين الذي يدركون جيداً الأهمية الإقليمية لذلك، ولا “حماس” المسؤولة عن قطاع غزة، والتي تتخوف من الدمار والخراب ومن عدم تأمين المياه والكهرباء، وطبعاً لا إسرائيل، قبلوا بالتهديد الجديد”.

“هآرتس” اعتبرت أن العدوان على غزة شكّل دليلاً إضافياً للفشل الهائل للسياسة الإسرائيلية إزاء غزة.

الذي يديه في الماء، ليس مثل الذي يديه في النار

ويوضح إلعاد أن زعيم “الجهاد” زياد نخالة، الذي اجتمع في طهران مع كبار مسؤولي النظام الإيراني، عمل على إنشاء معادلة مقاومة جديدة بإيعاز مباشر منهم، ووجه انتقاداً إلى أسلوب نضال “حماس” من خلال استخدام المثل العربي: “الذي يديه في الماء، ليس مثل الذي يديه في النار”. ويقول الباحث الإسرائيلي ساخراً إن نخالة الذي يتوقع الحصول على دعم مالي كبير من الإيرانيين حصل على دفعة مقدمة من إسرائيل، وخلال فترة انتظار الرد المصري أعد الشاباك والجيش الإسرائيلي كميناً قاتلاً يعتمد على تكنولوجيا عالية ضد زعماء التنظيم في القطاع، وعلى رأسهم تيسير الجعبري. وبرأيه، على هذه الخلفية شكلت عملية “بزوغ الفجر” معادلة من ثلاثة أمور: الأمر الأول هو طول نفس الجهاد الإسلامي كتنظيم مقاوم صغير مع قدرة عسكرية محدودة، فإذا توقف التنظيم في الأيام الأولى عن إطلاق الصواريخ تكون إسرائيل قد حققت ردعاً مهماً لمصلحتها، وإذا واصل التنظيم القصف لفترة طويلة من الزمن، فإن هذا الأمر سيساعد في تعظيم صورته. وكان التقدير طوال الأيام الأخيرة أن التنظيم سينزل عن الشجرة العالية التي صعد إليها، وسيبحث عن صورة نصر في مكان وزمان آخر. وهذا ما حدث”.

هل تتحقق فعلاً فرق تسد في غزة؟

الأمر الثاني برأيه، هو كم ستستمر التفرقة الداخلية في غزة: إسماعيل هنية ويحيى السنوار لم يطلبا من أنصارهما إطلاق النار ضد إسرائيل، إذ إن لديهما مصلحة حقيقية في التضييق على الجهاد الإسلامي، لأن نجاحه يهدد هيمنة “حماس”، ويمكن أن يلحق ضرراً استراتيجياً بسيطرتها على القطاع. ويضيف: “الخلاصة هي أنه للمرة الأولى نجحت إسرائيل في دق إسفين بين “حماس” وبين التنظيمات “المارقة”، وموضعة “حماس” بمنزلة الشخص الراشد والمسؤول في القطاع”. الأمر الثالث الذي يشير له إلعاد هو الفترة الزمنية التي تستطيع إسرائيل التحرك خلالها في المواجهات في غزة فلو طُلب من جيشها مواصلة العملية وتوسيع نطاقها لتدمير البنى التحتية للجهاد (ولاحقاً حماس أيضاً) كان السؤال سيُطرح بشأن فرص النجاح أمامها، وما هو عدد أيام العمل التي سيمنحها المجتمع الدولي لإسرائيل من أجل إنجاز المهمة. ويتابع متسائلا: “حالياً ليس من الواضح إذا كانت إسرائيل ستحصل في المرة المقبلة على ساحة مفتوحة ومن دون قيود، أم كالعادة سنحصل على “عناق قوي” من الغرب ليظهر فقط أنه يريد تقييد أيدينا كي لا نواصل ضرب “الإرهاب”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا