بحر إيجه على صفيح ساخن.. خشية متصاعدة من “احتكاك عسكري” بين تركيا واليونان قد ينزلق لمواجهة دامية

الشرق الأوسط نيوز :” على رأس كل ساعة، تتحرك سفن النقل البحري ذهاباً وإياباً بين اليابس التركي وجزيرة “بوزجا أدا” التابعة ولاية جناق قلعة التركية في بحر إيجه شمال غربي البلاد لنقل المصطافين الراغبين في قضاء أوقات هادئة والتمتع بجمال الجزيرة الساحرة وشواطئها النقية بعيداً عن زحمة وضجيج المدينة.

إلا أن مشاهد السفن الحربية التي تتحرك بشكل نشط في محيط الجزيرة، وأصوات الطائرات الحربية التي تحلق بشكل مستمر وعلى ارتفاعات منخفضة مصدرةً أصواتاً عالية جداً، تضفي جواً من التوتر وعدم الارتياح على المصطافين الذين يمكنهم أن يلمسوا بشكل واضح حجم التوتر بين تركيا واليونان في بحر إيجه، والذي تصاعد بشكل “خطير ومتسارع” في الأيام الأخيرة.

أجواء من التوتر

خلال عبور مراسل “القدس العربي” من ولاية جناق قلعة التركية إلى جزيرة “بوزجا أدا” في بحر إيجه، وهي رحلة تستغرق 30 دقيقة فقط، شاهد على الأقل مرور سفينة حربية تركية وسط تحليق منخفض لأربع طائرات حربية من طراز إف- 16 على ارتفاعات منخفضة، ففي كثير من الأحيان تقوم بأعمال دورية مستمرة على حدود الجزر اليونانية التي لا تبعد سوى عدة أميال عن اليابس التركي. وتحدث بشكل شبه يومي احتكاكات وحوادث تحرش بين سفن وطائرات عسكرية من الجانبين، واتهامات متبادلة بانتهاك حدود المجال الجوي والمياه الإقليمية.

وأثناء التنقل بين جزر أخرى مقابل ولاية جناق قلعة التركية ومنها “غوكتشه أدا” و”جوندا أدا” يمكن رؤية التحركات المتواصلة للجيش التركي جواً وبحراً، مقابل التحركات للجيش اليوناني في المساحات الضيقة جداً بين الجزر المتداخلة في بحر إيجه، والتي يصعب على المار من هناك التفريق بين ما إن كانت قطع اليابس المتناثرة في إيجه تعود إلى تركيا أم اليونان بدون اللجوء إلى الخرائط أو الدليل السياحي.

وعلى امتداد ساحل بحر إيجه بين ولايتي جناق قلعة وإزمير التركيتين، تنتشر عشرات الجزر التي تتقاسم تركيا واليونان السيطرة عليها، ولا تبعد بعض الجزر التي تسيطر عليها اليونان سوى عدة أميال عن اليابس التركي، وهو ما يزيد من خطر من الاحتكاك والصدام بين الجانبين في ظل خلافات تاريخية حول ملكية الجزر من حيث المبدأ، بالإضافة إلى حدود مجالها الجوي ومياهها الإقليمية ووضعها العسكري وهي محددات تجعلها بؤرة توتر خطيرة بين أنقرة وأثينا.

وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعد التوتر بشكل سريع وخطير بين الجانبين، بعد سلسلة حوادث متفرقة وتصريحات سياسية وتهديدات متبادلة، وهو ما زاد الخشية من أن تؤدي هذه الحوادث إلى “احتكاك عسكري” أو “حادث عرضي” قد يقود إلى مواجهة عسكرية دامية تشعل صداما أوسع بين تركيا واليونان الحليفتين في “الناتو” رغم الخلافات والعداء التاريخي المتجذر بينهما.

حوادث متتالية

السبت، أعلنت مصادر رسمية تركية أن وحدات من خفر السواحل اليوناني استهدفت سفينة تجارية ترفع علم جزر القمر أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة جزيرة “بوزجا أدا” التركية في بحر إيجه، وبحسب بيان نشرته قيادة خفر السواحل التركي، أطلق زورقان تابعان للجانب اليوناني طلقات نارية على السفينة التجارية “أثناء إبحارها في المياه الدولية على بعد 11 ميلا بحريا عن جزيرة بوزجا أدا”، مشيرة إلى أنه ولدى وصول زورقين لخفر السواحل التركي، غادر الزورقان اليونانيان المنطقة على وجه السرعة.

وبينما أعلن خفر السواحل التركي بدء تحقيق في الحادثة بناء على تعليمات المدعي العام المناوب في جناق قلعة، قدمت أنقرة احتجاجا لدى الجانب اليوناني، وأوضحت وكالة الأناضول أن “تركيا قامت على الفور بالمبادرات اللازمة ضد اليونان في أنقرة وأثينا، وقدمت الاحتجاج بشأن هذا الحادث الذي يتعارض تماما مع القانون الدولي، ولفتت الانتباه إلى خطورته، وطالبت بتحقيق فوري وتفسير”.

وبداية الشهر الجاري، دخل الخلاف المتصاعد بين أنقرة وأثينا حول جزر بحر إيجه القريبة من اليابس التركي مرحلة “خطيرة” من التصعيد، مع وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة الجزر بـ”المحتلة” ملوحاً بأن بلاده قد تلجأ إلى استعادتها عسكرياً من خلال استخدام مقولته الشهيرة “قد نأت على حين غرة ذات ليلة” وهي العبارة التي أطلقها قبيل سلسلة العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي في شمال سوريا خلال السنوات الماضية.

وترافق ذلك مع زيادة التلويح بـ”إعادة بحث السيادة” على الجزر مع الاتهامات التركية لليونان بتسليح الجزر القريبة من سواحلها والمصنفة على أنها “منزوعة السلاح” بموجب الاتفاقيات الدولية وأبرزها معاهدتا 1923 و1947 والتي منحت هذه الجزر بموجبها لليونان، حيث تقول أنقرة إن الجيش اليوناني حوّل هذه الجزر القريبة من تركيا إلى “ثكنات عسكرية” وهو ما اعتبره وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “تهديداً للأمن القومي التركي”.

خطأ كارثي

ومع ارتفاع حدة التوتر بين البلدين وما يرافق ذلك من احتقان سياسي وعسكري وسط حوادث متفرقة جواً وبحراً، تتزايد الخشية من حصول “خطأ كارثي” قد ينجم عن تصادم بين السفن أو إسقاط طائرة حربية وهو ما قدر يفجر صداما عسكريا خطيرا بين البلدين.

وتقول تركيا إن الطائرات اليونانية “أغلقت على الهدف” في إشارة للطائرات التركية، وهذا المصطلح العسكري يعني “إقفال الرادار”، وهو سمة لعديد من نظم الرادار تتيح لجهة تتبع هدف معين تلقائياً وهي خطوة تسبق قرار إطلاق الصاروخ على الهدف الذي يتم رصده وتحديده، وتعتبر تركيا ذلك خطرا كبيرا وتهديدا مباشرا لطائراتها.

وفي ظل الخلافات التاريخية بين اليونان وتركيا على حدود المياه الإقليمية في بحري إيجه والمتوسط، وحول جزيرة قبرص المتنازع عليها، تظهر خلافات كبيرة بين البلدين في تعريف وتحديد مناطق المجال الجوي للبلدين، وهو ما يولّد احتكاكات ومناوشات مستمرة وسط خشية من أن تنزلق هذه التحرشات إلى حادثة قد تكون لها نتائج كارثية.

قد يعجبك ايضا