تعلَّموا فنَّ التَّجاهلِ
ميَّادة مهنَّا سليمان /سورية …..
تعلَّموا فنَّ التَّجاهلِ
إذا جاريتَ في خُلُقٍ دنيئًا
فأنتَ ومَنْ تُجاريهِ سَوَاءُ
بهذا البيتِ الرّائعِ يُعطينا أبو تمّامٍ حكمةً بليغةً، قلَّ مَن تعلَّمها.
لقد انتشرتْ- وللأسف- في الآونةِ الأخيرةِ منشوراتُ(ردٍّ على منشورٍ سخيفٍ جدًّا)
كانَ من الحكمةِ، والرُّقيِّ عدمُ الرَّدِّ عليهِ بهذا الشَّكل الوضيعِ، فالجميعُ فجأةً صارَ مفوَّهًا، وخطيبًا، وفصيحًا، وغيورًا على وطنه!
مهلًا، مهلًا أيُّها المنبري للدِّفاعِ عن( كرامتك المُهانة) حسبَ وهمكَ!
السُّوريُّ ليسَ في حاجةٍ ليردَّ تهمًا عن نفسِه.
السُّوريُّ كما وصفتُهُ في قصيدتي المغنَّاة:
اسمي (سُوري) وسوري عالي
ما بينطال ولا بيتهدَّم
صبري كبير وبلدي غالي
مهما قلبي داق وتألَّم
فعجبًا عجبًا على من عرضَ وطنيَّتهُ في مزادٍ علنيٍّ، وعجبًا لمن نزلَ لمستوى “كائنٍ” وضيعٍ، وردَّ عليهِ!
وعجبًا لمن أضاعَ وقتهُ من أجل إثبات أنَّهُ ليس كما قيلَ عنهُ!
وحسبَ ما رأيت من سيل المنشورات، والله إنّ العرب يستحقُّون دخولَ موسوعةِ غينيس في إعطاءِ من لا قيمةَ لهُ، قيمةً!
فقد رأينا شخصًا يردُّ بفيديو، وآخرَ بمنشور، وأخرى بستوري، أوصورٍ مقرفةٍ، أو بثٍّ مباشرٍ .. و…و..
هذا عدا عنْ الهاشتاغات كي يعرفَ المقصودُ أنَّ حضرةَ فلانٍ (المثقَّفِ الوطنيِّ) قد ردَّ الإساءةَ، وانتقمَ لكرامتِهِ، وبرهنَ على حبِّهِ للوطنِ!
عجيبٌ أمرُكم!
هناك أشخاصٌ خلقهمُ اللهُ مثقوبينَ، فلمَ تنفخونَهم؟
أعيدُ، فهناكَ دومًا مَن لا يفهمُ:
هناك أشخاصٌ خلقهمُ اللهُ مثقوبينَ، فلمَ تنفخونَهم؟
يعني -مثلًا- لن أصدِّقَ أنا، وغيري أنَّكَ وطنيٌّ إنْ لم ترُدَّ على إساءةِ الوضيعِ المبتذلِ؟
يعني -مثلًا- لم تعتدِ التَّصريحاتِ الحاقدةَ من بعضِ مسؤولي بلدٍ شقيقٍ فتَحنا لأهلهِ أبوابَ قلوبِنا، وحينَ غادرَ بعضُ أبنائنا إليهِ لم يلقَوا طِيب معاملةٍ، بلْ أهِينوا وأُذِلُّوا؟
لم تعتدْ على تصريحاتِ بعضِ فنَّانيهِ، أو إعلاميِّيهِ؟
أينَ الجديدُ، وأينَ العجيبُ في الأمرِ؟
عدا عن أمرِ الرَّدِّ، وعدمِ التَّسامي، حتَّامَ نصدِّقُ كلَّ ما نراهُ على الفيس بوك من منشورات؟
أينَ دورُ العقلِ، والحكمةِ، والمنطقِ؟
أقولُ ذلكَ من وحيِ منشورِ فيس بوك سابقٍ لاقى رواجًا عجيبًا عن قطَّةٍ تسلَّقت جسدَ إمامٍ عربيٍّ يصلِّي، وجلستْ على كتفِهِ، فهلَّلَ كثيرونَ، وعدُّوا الأمرَ أعجوبةَ الزَّمانِ، ومعجزةَ القرنِ!
يعني ببساطةٍ شديدةٍ، لو فكَّرتَ(هذا لو كانَ لديكَ عقلٌ لتفكِّرَ!)
لو فكَّرتَ جيِّدًا، وكانَت لديكَ دقَّةُ ملاحظةٍ، لعرفتَ أنَّ القِطَّةَ معتادةٌ على الإمامِ، وتألفهُ، وتعرفهُ، وعلى علاقةٍ “قديمةٍ” طيِّبةٍ بهِ!
ف(يا ما أطعَمَها، وسقاها، ودلَّلها، ولاعبَها)
وأخيرًا وقد تتفاجأ، وتُصعَق:
و(يا ما درَّبَها!!!!)
الأمرُ لا يحتاجُ إلى ذكاءٍ، لن تأتيَ قطَّةٌ ” مِن البابِ للطَّاقةِ” -كما يقولُ المثلُ عندَنا- وتصعدَ إلى كتفِ رجلٍ لا تعرفهُ.
وفوقَ ذلك كلِّهِ أتى البعضُ بشواهدَ وأدلَّةٍ من أحاديثَ مختلَقةٍ على لسانِ نبيِّنا الكريمِ، وتبنَّاها، ولولا العيب- كما نقول في عاميَّتِنا- لجعلَ القطَّةَ كائنًا مقدَّسًا البقرة في الهند!
صديقي الفيسبوكيّ:
هل كل ما تقرؤه تصدِّقهُ؟
إذا كانَ التَّاريخُ فد زُوِّرَ، وجُعلُ الزِّنديقُ بطلًا، والفاجرُ مؤمنًا، فهل ما تراهُ من فيديوهات فيسبوكيَّةٍ تعتقدُ أنَّها عفويَّةٌ، ووليدةُ لحظتِهِا؟
إذا كانَ جوابُكَ: نعمْ!
فاسمحْ لي بأنْ أقولَ لكَ: أنتَ أحمقُ!
واللهِ، لقد هزُلتْ، اتَّقوا وارتقوا، واسموا، وترفَّعوا.
فكِّروا، وتمحَّصوا، وتنبَّهوا يا جماعةَ الخير!
ليسَ كلُّ ما نراهُ، نتبنَّاهُ!
وليسَ كلُّ صغيرٍ نجعلُهُ عملاقًا، التَّجاهلُ فنٌّ، تعلَّموا أنْ تكونوا مبدعينَ خلَّاقينَ فيهِ.
ميَّادة مهنَّا سليمان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.