المملكة العربية السعودية أثبتت وجودها كدولة محورية في القارة الأسيوية
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …
أن المملكة العربية السعودية الشقيقة خلال الأعوام الماضية وهذا العام تعد من بين الدول العربية الفاعلة بتوجيهات حكيمه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه، حتى أنها تجاوزت مصر الشقيقة وغيرها من الدول العربية على المستوى الإقليمي والدولي، وكانت قد شهدت عاصمة السعودية الصيفية الجميله والمنظمة ( جدة ) حراكاً سياسياً إقليمياً ودوليا ً كثيفاً على وقع التحولات الإقليمية والدولية، إذ عقدت قمم إثر أخرى في أقل من أسبوع، بدأت باليابانية ثم التركية قبل أيام قليلة لتبدأ أمس الأربعاء قمتان تشاورية لدول مجلس التعاون الخليجي وثانية لتكتل العرب الخليجي مع نظيره في آسيا الوسطى على مستوى القادة، واعتبر مراقبين وأنا واحداً منهم ومركز الخليج للأبحاث أيضاًً هذا “النشاط الدبلوماسي المكثف دليلاً على موقع السعودية المحوري والإقليمي ومكانتها في العالمين والعربي والإسلامي ودورها في الإقتصاد العالمي، أنعكس في سرعة إستجابة الزعماء تعبيراً عن الثقة الكبيرة في القيادة السعودية ورؤيتها للعالم”، بحسب المركز والمراقبين والمتابعين للتطور السريع في كافة المجالات، وفي وقت أثمرت القمتان اليابانية والتركية عن إتفاق تعاون وشراكة ومذكرات تفاهم تنوعت بين التجارة والطاقة والأمن والدفاع، تنظر الأوساط الخليجية والآسيوية للقمتين التاليتين بوصفهما نقطة إضافية في سياق لعب الرياض دوراً بارزاً في إيجاد صيغ التعاون الفعالة بين دول الإقليم، بغية الإستجابة للتحديات المحدقة، في خضم أزمات تتجدد فصولها الجيوسياسية والغذائية والأمنية، ويعتبر اللقاء الأول الذي يجمع قادة مجلس التعاون الخليجي مع نظرائهم في دول آسيا الوسطى، نتيجة لمباحثات ثنائية وعلاقات ممتدة بين التكتل الآسيوي والعربي، إذ سبقه لقاء على مستوى وزراء الخارجية لتأسيس خطة عمل مشتركة بين دول الإقليمين الإستراتيجيين لتعزيز العلاقات والتعاون المشترك بين الجانبين بهدف تحقيق الإستقرار والأمن والسلام والصداقة وخدمة المصالح المشتركة في المجالات السياسية والأقتصادية والثقافية بين الجانبين، ويمكن القول بأن دول آسيا الوسطى شبيهة بدول مجلس التعاون الخليجي في بعض الجوانب مثل مساحاتها المتباينة وترابطها الإقتصادي وغناها بالطاقة وعديد من الموارد، ولهذا يعتبر الإنفتاح بين الإقليمين له أبعاده الجيوسياسية والإستراتيجية والأقتصادية المهمة، لأنه يؤسس لتكتل أقتصادي جديد ومهم يدعم المواقف والقضايا السياسية المشتركة، ويقال بأن هناك وثيقة عمل سيوقع عليها بين زعماء الإقليمين في جدة تؤسس لمرحلة جديدة للتعاون المشترك، فدول آسيا الوسطى لها تفضيلات مهمة جداً مع دول مجلس التعاون الخليجي وترى أن منظومة مجلس التعاون الخليجي تشكل لها الإستثمار الآمن والإنفتاح الإيجابي، كونها محاطة بدول مثل إيران وأفغانستان وتركيا والصين وروسيا وكل هذه الدول لها فضاءات ثقافية وأيدلويوجية مشتركة تؤثر في ديموغرافية هذه الدول بالتالي هي تخشى من قضية هذا الفضاء وتأثيراته في الشعوب بعكس دول الخليج التي لا تلتقي معها بحدود مباشرة، لكنها ترتبط معها في قضايا أقتصادية مهمة من حيث الطاقة والتوجهات السياسية، ويبقى ينظر إلى دول آسيا الوسطى بإعتبارها دول مستقبل الأقتصاد العالمي، فلديها كثير من الثروات خصوصاً في بحر قزوين تثير إهتمام الجميع لأحتياطاتها الهائلة من الطاقة وغيرها من المعادن الكثيرة، إضافة إلى الصناعات المتطورة والتصنيع العسكري والزراعة، وفي مقابل ذلك لدى دول الخليج العربي رؤى أقتصادية سياسية متعددة على المستوى الفردي أو الجماعي في نطاق دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يملك مقاربة واضحة في الإنفتاح على دول العالم، ومع هذا تبقى هناك تحديات متنوعة يشهدها العالم ولا بد لدول المنطقة من العمل المشترك للحد من التوترات الإقليمية والدولية الناجمة عنها، إضافة إلى ذلك فهناك إهتمام بتعزيز العلاقات الإقتصادية خصوصاً في قطاعات الإستثمار والصناعة والتجارة والطاقة والسياحة والصحة والتعليم، في وقت يبقى فيه ملف الأمن الغذائي من الملفات المهمة جدأ للجانبين، فدول الخليج العربي مهتمة بتحقيق أمنها الغذائي من خلال الإستثمار في الدول ذات المزايا الزراعية مثل مجموعة آسيا الوسطى بما يخلق شراكة إستثمارية زراعية تضمن تحقيق هدف الأمن الغذائي للجميع، وكان الإجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى في العاصمة السعودية الرياض قبل نحو عام، جرى فيه تصميم خطة عمل مشتركة للمجموعتين كي تكون مرجعية تبنى عليها المشاريع المشتركة، كما أن الخطة تشكل أساساً لمناقشات إجتماعات القمة بين زعماء هذه البلدان، وتبقى تأمل هذه البلدان أن تشكل القمة منصة إنطلاق لخطة التعاون الطموحة الشاملة في المجالات السياسية والإقتصاد والإستثمار والتنمية والتعليم والصحة والسياحة والثقافة، هي المواضيع التي ركز عليها الإجتماع الوزاري، وعمل المجموعتين المشترك سيكون تطويراً للعلاقات الثنائية الفردية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبلدان وسط آسيا وأكثر شمولاً، وتبقى رؤية السعودية 2030 التي يقودها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي كانت قد حفزت كثيراً من البلدان للإنخراط في حركة التنمية الإقتصادية والإستثمارية، سواء في دول الجوار ودول ما بعد الجوار مثل بلدان وسط آسيا، كما أن العلاقات التاريخية بين هذه المنطقة وجزيرة العرب تشكل وصلاً ثقافياً حاضراً على مدى التاريخ منذ بداية رسالة الإسلام والفتوحات العربية لتلك المنطقة، فضلاً عن أن منطقة وسط آسيا تشكل معبراً لطريق الحرير المشروع الصيني الطموح، وكل تلك العوامل تشكل ركيزة لتعميق العلاقات بين المجموعتين في المستقبل، ويقال اليوم بأن تأخذ السياحة والعروض الثقافية نصيباً من التعاون في المستقبل، في مرحلة تبقى فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي دائماً تدعم التنمية الإقتصادية والأمن والسلام ومكافحة الفساد والتجارة الغير مشروعة كالمخدرات والسلاح وتطوير الإنسان في كل مشاريعها المشتركة مع العالم الخارجي، وأيضاً في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي تجارب فكرية وثقافية إدارية ناجحة، يمكن لدول وسط آسيا الإستفادة منها في بناء الإقتصاديات الحديثة، ويبقى يحظى التعاون الثقافي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول وسط آسيا بإهتمام، خصوصاً مع الأواصر التاريخية والدينية بين الجانبين، كما أن التقاليد المتنوعة وأساليب الحياة في جغرافية المجموعتين الواسعة ستكون مهمة لتطوير التواصل الثقافي، وأكتشاف مزيد من النشاطات التي تعزز العلاقات الإعلامية والأدبية والثقافية المتنوعة، وتبقى دول وسط آسيا تقلقها الحرب الروسية ــــ الأوكرانية في الجوار وأيضاً تواجه ضغوطاً اقتصادية، وبتنسيق علاقاتها مع دول الخليج العربي قد ترسي خططاً لتخفيف هذه الضغوط وتفعيل ثرواتها الإقتصادية، بخاصة المشاريع في مجال الطاقة والبتروكيماويات، وربما تنشيط السياحة الخليجية في هذه البلدان، وأيضاً إذا ما جرى تسويق جيد للمنتجات الخليجية ستشكل بلدان وسط آسيا سوقاً مهمة للصناعات السعودية والخليجية التي تحتل مكانة عالية في الجودة والتطوير، ويبقى لدول آسيا الوسطى أهمية كبيرة لأنها تملك مصادر للطاقة وتحتاج الى استثمارات لتطويرها وأستخراجها للأستهلاك، خاصة وأن دول الخليج العربي لديها إمكانات مالية وفنية وخبرات وكفاءات بشرية من الممكن أن تسهم في نهوض المجموعة الآسيوية، كما أن إقليم دول آسيا الوسطى من الممكن أن يلعب هو الآخر دوراً بارزاً في الإستقرار السياسي في المنطقة بشكل عام وفي أفغانستان على وجه الخصوص، وهذا هدف مهم جداً للأقتصاد العالمي ككل، ومن الممكن أن يكون هناك تعاون في مكافحة الإرهاب وتمويله، كما أن المملكة العربية السعودية تقود تلك الجهود وبتوجيه مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه وأغلب دول آسيا الوسطى لديها ممثلون في مركز مكافحة الإرهاب في العاصمة السعودية الرياض، ولدى دول آسيا الوسطى اليوم فرصة للإستفادة من خبرات السعودية في تنفيذ مشاريع كبرى وتطوير رؤية خاصة لها وربط برامجها السياسية والإقتصادية مع رؤية السعودية ودول الخليج العربي الإقتصادية، خاصة وأن العالم اليوم يدار بواسطة الإقتصاد والأزدهار وليس الحروب، وكانت دول الإجتماع الوزاري بين المجموعتين الذي ناقش برنامج القمة الحالية خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أقر” إعتماد خطة العمل المشترك للحوار الإستراتيجي والتعاون بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى للفترة 2023 ـــــ2027، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني والتعاون الإقتصادي والإستثماري وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين قطاع الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، وأكد الوزراء إتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ السريع لهذه الخطة على الوجه الأكمل، على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، وتبقى تعد دول وسط آسيا هي خمس دول إستقلت بالتزامن عن الإتحاد السوفياتي طبعآ روسيا حاليا في أعقاب إنهياره عام1991، وكانت المملكة العربية السعودية بين أوائل الدول التي أعترفت بها، ولأنها دول مسلمة عميقة الجذور فهي أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهي كازاخستان وأوزباكستان وطاجكستان وتركمانستان وقرغيزستان، وتبقى المملكة العربية السعودية من الدول المحورية ألتي أثبتت وجودها ومكانتها في القارة الأسيوية.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات