ونحن على أبواب أنعقاد مؤتمر الوحدة الإسلامية في عاصمة النور والثقافة طهران

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

 

أن السلطة الحاكمة عادة لا تهدأ عندما تبدأ في التحرك من جديد ومن أجل الوصول إلى هذا الجديد، لذا جاء في خطابه الموجه بمناسبة موسم الحج لهذاالعام، حيث قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد المرجع علي خامنئي إنه على زعماء السياسة والثقافة بالبلدان الإسلامية الإستعداد للتعايش مع الظروف التي سيخلقها النظام العالمي الجديد، مضيفاً بأن الوحدة تعني الإرتباط الفكري والعلمي وتقارب القلوب والأفكار والتوجهات والإنصهار الإقتصادي والثقافي والثقة والتعاون بين البلدان الإسلامية والوقوف في وجه العدو المشترك، وكان قد ركز المرشد الأعلى السيد خامنئي في خطابه على فكرة النظام العالمي الجديد والتصور لدور عالمي صيني وروسي صاعد في مواجهة الكتلة الغربية، تريد إيران الإصطفاف إلى جانبه والبحث عن مركزية لدورها في نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يفسر علاقة طهران الإستراتيجية بكل من الصين وروسيا، وقد تمثلت تلك الرؤية في خطاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ فترة حينما تحدث عن أن مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي جزء من العوامل الفعالة في تشكيل النظام العالمي الجديد، وما عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية كاملة خير مثال على هذه الرؤية بلم شمل الأمة الإسلامية، ويبقى المقصود هنا يتمحور حول الترويج لضعف الدور الأميركي عالمياً، إضافة إلى التركيز على دعم الجماعات والدول الأخرى المناوئة للولايات المتحدة بحجة دعم المستضعفين، وعلى الرغم من كون السياسة الخارجية الإيرانية عادة تتحرك وفق المصلحة الوطنية العليا الإيرانية وهذا حق كل دولة تعمل على تحقيق وخدمة مصالحها، إلا أن تعزيز هذا النمط من العلاقات يجعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحاول إيجاد الرابط بين الثورة والدول المناوئة للولايات المتحدة الأميريكية، وبين تعزيز دورها في النظام الدولي، أما فيما يخص العدو المشترك فكثيراً ما حاول المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية الراحل والحالي إستخدام اللغة ذاتها على الرغم من إختلاف السياق الدولي، فقد إعتمد المرشد الأعلى الإيراني لغة قامت على التنديد بالإستغلال الإمبريالي في كثير من خطبه، وأعتبر المرشد الأعلى الإيراني الثورة الإسلامية الإيرانية ثورة ضد الإمبريالية، وأن الوحدة الإسلامية هي السبيل إلى القضاء على تلك الإمبريالية، والخطاب ذاته يكرره السيد خامنئي بدعوته إلى الوحدة بين المسلمين للقضاء على العدو المشترك، وتبقى تتشابه مضامين ومفردات خطابي الراحل الخميني وخامنئي حتى في التصرف إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، فتلك الخطابات والرؤية لها والتي تنبع في كثير من الأحيان من عداء إيراني ـــــ أميركي له جذور تاريخية مرتبط بعلاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقوى الغربية والأستعمارية، وعلاقة إيران الشاه المخلوع بالولايات المتحدة الأمريكية، وموقف النظام الحالي منها، لكن أقول وأنا كأحد المتابعين والمراقبين للشأن الإيراني على الرغم من هذه السياقات فإن كلاً منهما لم يقطع العلاقة تماماً مع الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت إيران ( كونترا ) في الثمانينيات دليلاً على براغماتية النظام الإيراني، وكذلك كان الأتفاق النووي عام 2015، والمحادثات الجارية حالياً لإيجاد تفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بديلة لرفع العقوبات الظالمة عنها، أما الوحدة التي دعا إليها المرشد الأعلى السيد خامنئي في خطابه لزوار بيت الله الحرام لاداء مناسك الحج لهذا العام وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، فأوضح أنه يعني بها ألا تتعرف الشعوب المسلمة إلى بعضها بعضاً عبر التعريف ( الفتنوي ) للعدو، بل بالتواصل والحوار وتبادل الزيارات، وأن تطلع على إمكانات بعضها بعضاً وطاقاتها وتخطط للإنتفاع بها، والوحدة تعني أن يضع علماء العالم الإسلامي والمفكرين والمثقفين والنخب السياسية والقانونيه ومعاهده العلمية والشرعية وجامعاته أيديهم بأيدي بعضهم بعضاً، وينظر علماء المذاهب الإسلامية إلى بعضهم بعضاً بحسن الظن والمداراة والإنصاف، وينصتوا إلى كلام بعضهم بعضاً، وهنا يركز المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد خامنئي على مفهوم الحوار بين الأديان والمذاهب، وعلى رغم تكرار مفهوم الوحدة في خطابات الراحل الخميني التي دعا فيها إلى حكومة إسلامية عالمية، ثم تطور المفهوم مع السيد خامنئي إلى مفهوم الصحوة الإسلامية، إلا أنه في الخطاب الحالي يركز على مسار الحوار والتقريب بين المذاهب، ليتفق ذلك مع المسار الحالي للأنفتاح على دول الإقليم العربية والمسلمة، ويبقى يعد موسم الحج من المناسبات المهمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس على مستوى توجيه الرسائل السياسية، بل كذلك لتقديم منظور إيراني لمفهوم الحج، فعملت بعثة الحج الإيرانية لهذا العام بجهد كبير وبزيارات تعارف لأغلب بعثات الحج للدول الإسلامية، وعقدت مؤتمرات دولية من مكة المكرمة عبر تطبيقات السكايبي وكان لي الشرف بالمشاركة كضيف رئيسي في حلقة ( الحج والحضارة الإسلامية )، وقدمت لهم الهدايا وأكرمتهم بموائد الرحمن، طهران عاصمة النور والثقافة والعيش المشترك بين جميع الطوائف والمذاهب تعمل جاهدة على تقديم نفسها كنموذج للإسلام الصحيح، وهو أحد تجليات مركزية أدوار الثقافة والدين والأيديولوجية في السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما في محيطها الإقليمي الإسلامي.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
السعودية – الرياض 2023/9/14

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.