الشراكة في القرار الإقتصادي بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والحرس الثوري في إيران

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …. 

 

المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران يعد الشخصية القائده، فهو يأمر وأمره يطاع ويدخل في حيز التنفذ فوراً، ولا يخالف أو يتم الأعتراض عليه، هو الآمر وهو الناهي، وكان قد قاد السيد هاشمي رفسنجاني في الماضي وبعد مرور 10 سنوات من أنتصار الثورة الإسلامية في إيران مرحلة إعادة الإعمار والبناء الإقتصادي.
كمراقب ومتابع للشأن الإيراني أقول إنه قد أن الأوان لكي تعيد مؤسسة القيادة صلاحياتها المطلقة، وكان التحالف بين مكتب المرشد الأعلى ومؤسسة حرس الثورة قد مرّ بثلاث مراحل أساسية : هذا وبعد فضّ الشراكة أو تقاسم السلطة ومواقع صنع القرار في تركيبة النظام الذي كان قائماً بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية الأسبق السيد هاشمي رفسنجاني الذي كان يشغل في الوقت نفسه، رئاسة مجلسي خبراء القيادة الأسبق ومجمع تشخيص مصلحة النظام، بعد تحميله مسؤولية تمكين تيار اليسار الإسلامي، قبل أن يتحول أو يعرف باسم التيار الإصلاحي، من الوصول إلى السلطة والإمساك بالسلطتين التشريعية والتنفيذية على حساب رغبة المرشد الأعلى، وبعد فضّ هذه الشراكة، برز وظهر على الساحة الإيرانية تحالفات غير معلن من نوع آخر بين مؤسسة القيادة في رأس الهرم والمرشد الأعلى مع مؤسسة حرس الثورة الإسلامية، أي بين البعد الأيديولوجي للنظام وقوة عسكرية مهمتها الدفاع والحفاظ على الثورة الإسلامية الإيرانية أمام الأخطار الداخلية والخارجية مهما كان نوعها، والشراكة بين قطبي النظام أو بين الشخصية الأقوى والأقدر في النظام، التي هي هاشمي رفسنجاني وألتي ترسّخ وتكرّس دورها من اللحظات الأولى للإعلان عن وفاة المؤسس الراحل السيد الخميني في 4 حزيران / يونيو 1989، نتيجة الدور الذي لعبه في إخراج عملية الإنتخاب في جلسة مجلس خبراء ألتي نقلت القيادة إلى السيد خامنئي وإعلانه مرشداً وولياً للفقيه مطلق الصلاحيات نتيجة التعديل الدستوري الذي أضيفت له صفة الإطلاق في الأستفتاء الذي مرره رفسنجاني بموافقة المؤسس الخميني في أواخر أيامه قبل وفاته.
وبعد أن كان قد قاد السيد هاشمي رفسنجاني مرحلة إعادة الإعمار والبناء الإقتصادي، كان لا بدّ لمؤسسة القيادة أن تستعيد صلاحياتها المطلقة، والتخلص من مراكز الثقل والقرار الموازية لها، وهذه العملية لم تكن لتحصل من دون الدور الذي لعبه التحالف الذي نشأ بين المرشد الأعلى والمؤسسة العسكرية لحرس الثورة، الذي إنتقل إلى مرحلة توسيع شراكته في القرار السياسي بعد أن تمكّن من الدخول والشراكة في القرار الإقتصادي من خلال الإستثمارات ألتي وظفها في عملية إعادة الإعمار والبناء الإقتصادي.
وعلى خط موازٍ، دخل المرشد الأعلى في مسعى حثيث لتفكيك سلطة الحوزة الدينية ألتي حاول المؤسس الراحل الخميني إبعادها عن الدخول في القرار السياسي، وسعت هي للإبقاء على إستقلاليتها من خلال الإحتفاظ بمسافة موضوعية بينها وبين الدولة والنظام، وذلك من خلال تحويلها إلى تابع للنظام من خلال توريطها وإدخالها في صراع المصالح وربطها مالياً واقتصادياً بمكتب المرشد الأعلى وولي الفقيه، الأمر الذي حوّلها إلى أداة في يد المرشد الأعلى يستخدمها في اللحظات الحرجة أو الدقيقة التي تتطلب تعزيز الدعم للنظام وتوظيف النفوذ الديني الذي تمتلكه هذه الحوزة وتأثيرها على الطبقات الإجتماعية للوقوف إلى جانب المرشد الأعلى والنظام في مواجهة خصومه، حتى وصل الأمر أن تحملت هذه الحوزة جزأً أساسياً في معركة المرشد الأعلى ومنظومة السلطة في معركته مع التيار الإصلاحي، على رغم إدراكها حجم الضرر الذي سيلحق بها جراء هذه المواقف، وهو الأمر الذي دفع ببعض رجالاتها ومراجعها الذين عرفوا بالمرجعيات الإصلاحية من رفع الصوت والجهر بمعارضتهم سياسات مؤسسة النظام، الأمر الذي عرّضهم للمحاصرة والتهميش وحتى الإقامة الجبرية، كما أن التحالف بين مكتب المرشد الأعلى ومؤسسة حرس الثورة يمكن القول إنه مرّ بثلاث مراحل أساسية، أو بتعبير أدق، الدور السياسي لهذه المؤسسة العسكرية مرّ بمستويات ثلاثة:
المستوى الأول كان في زمن الزعيم المؤسس الراحل المغفور له السيد الخميني الذي حصر مهمة الحرس الثوري في الدفاع عن الثورة الإسلامية أمام الأخطار الداخلية والخارجية بتعبيرها الشمولي الذي لا يقتصر على الجغرافيا الإيرانية، بل يتعداها إلى المناطق التي تشكل عمقاً إستراتيجياً لهذه الثورة، هذه الصلاحية الموسعة، قيّدها على المستوى الداخلي بوضع ضوابط تمنع تدخل هذه المؤسسة في الشؤون السياسية والتنفيذية في الدولة، حفاظاً على حياديتها والتزاماً بالمهمة الموكلة لها.
أما المستوى الثاني، فيبدأ مع تولي المرشد الأعلى الحالي السيد الخامنئي قيادة الثورة، ومحاولة بناء منظومة تعزز من موقعه وتدعمه في مواجهة الشركاء الآخرين، بخاصة أنه لا يمتلك الكاريزما ألتي كان يمتلكها الراحل المؤسس، وبالتالي، فهو بحاجة إلى عقد تحالفات وبناء قاعدته السلطوية والشعبية ألتي توفر له الغطاء الشرعي وتدافع عن توجهاته وقراراته وتعمل على تنفيذ سياساته وتمهيد الأرضية الفكرية والأيديولوجية لسلطته السياسية والأمنية والدينية، ومن هنا، يمكن القول بأن المرشد الأعلى الإيراني عمل على إستخلاص شخصيات وجماعات خاصة من داخل المؤسسة الدينية والحوزة العلمية، كانت مهمتها التنظير والتأسيس لنظرية السلطة أو الحكومة الدينية، ألتي تمنح ولي الفقيه صلاحيات مطلقة أبعد من الدستور الوضعي، وتعيد وضعه في السياق التطبيقي لنظرية ولاية الفقيه بما هي إمتداد لسلطة الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلم، المرسل من قبل الله وأعتباره نائباً له تم الكشف عنه في سياق غيبي لا علاقة ولا أرتباط له بالآليات والقوانين الوضعية التي تعتمدها الأمم والشعوب في عملية إختيار قياداتها.
أما المستوى الثالث، فيشكل إنتقالة إستراتيجية في تعرّف قيادة حرس الثورة لدوره وموقعه داخل معادلة السلطة والنظام، فهو بعد أن إستطاع توسيع قدراته ومواقعه داخل السلطة وإدارة البلاد، ووصل إلى مرحلة تسمح له في بناء شخصيته السياسية المستقلة ألتي لا تحتاج لأخذ مشروعيتها من المرشد الأعلى، الأمر الذي جعل منه السد المنيع والمدافع الصلب عن موقع المرشد الأعلى ومنظومة السلطة التي أصبحت من صلب مهماته وأستمراريتها أستمرارية له، ما غيّر معادلة الشراكة بينه وبين المرشد الأعلى، من حاجته للمرشد الأعلى لتعزيز مواقعه، إلى حاجة المرشد الأعلى له من أجل تثبيت أركان النظام والسلطة، يعززها التوسع الكبير في الدور الإقتصادي والتنموي وإعادة البناء على جميع المستويات والأصعدة الذي حققه خلال العقود الماضية، بخاصة في المجال العسكري والصناعات العسكرية وبناء القدرات القتالية والصاروخية وتطوير البرنامج النووي، فضلاً عن فرض معادلات إقليمية لم تكن لتتحقق من دون الدور الذي قام به الحرس الثوري في منطقة غرب آسيا، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط العراق وسوريا ولبنان.
ويبقى المراقبين والمتابعين يتابعون التركيبة الجديدة ألتي يقودها السيد إبراهيم رئيسي للإنفتاح على الدول العربية والخليجية والإقليمية والدولية تحت شعار حسن الجوار وحسن النوايا في العلاقات بين الدول على أساس المصالح المشتركة.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الأردن – عمان 2023/9/30

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.