الهوة تتسع بين نتنياهو والمستوى الأمني..وغانتس وآيزنكوت على المحك

كتب حلمي موسى من غزة:

أعلن الوسطاء في مفاوضات تبادل الأسرى أن الجهود لن تتوقف وأن هذا دليل على إيجابية المباجثات. وتحدث هؤلاء عن أن الوفد الإسرائيلي غادر القاهرة ليعود إليها لاستكمال المفاوضات بعد أن تقدم “حماس” مقترحات جديدة لتحريك هذه المفاوضات. لكن المتابع للأنباء الواردة من إسرائيل يخرج بانطباع مغاير لما يشاع في القاهرة وواشنطن. فإسرائيل تشهد دراما حقيقية جماهيرية وحكومية جراء ما حدث ويحدث في مفاوضات التبادل.

ولنحاول ترتيب الأمور ورسم صورة قريبة من الواقع تسهل فهم ما يجري. نتنياهو، ومعه اليمين داخل حكومته، لم يكن يرغب في إرسال وفد إلى القاهرة، لكنه اضطر لإرسال الوفد كبادرة مجاملة للرئيس الأمريكي الذي تحادث هاتفيا مع نتنياهو لحثه على إرسال الوفد. ولكن تشكيلة الوفد وهدف الذهاب إلى القاهرة كان مناقضا لهدف الاجتماع من ناحية، ومخالفا لرغبة الرئيس بايدن الذي يريد تحقيق تقدم في ملف التبادل والهدنة وإيصال المساعدات للمدنيين في غزة، إذ أرسل نتنياهو الوفد برئاسة رئيس الموساد ديفيد بارنيع مكبل اليدين ومن دون تفويض إلا للاستماع وليس لمناقشة أو تقديم أفكار. وهذا ما حدا بممثل الجيش ورئيس ملف الأسرى الجنرال ألون نيتسان للاعتذار عن المشاركة في الوفد.

ومثّل هذا الاعتذار نوعا من إظهار الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري حول هذا الموضوع. لكن القصة ليست هنا بالضبط وإنما في ما سبقها. فقد رفض نتنياهو اقتراحات مشتركة تقدمت بها رئاسة الأركان والموساد والشاباك لتحريك المفاوضات. وتضمنت هذه الاقتراحات نوعا من المرونة التي تسهل التوصل لاتفاق مع “حماس”. لكن كل هذه القوى كانت في واد ونتنياهو ووزراء اليمين في واد آخر. وعزز هذا الانطباع الشائع لدى الكثيرين، في الحلبة السياسية الإسرائيلية وبين أهالي الأسرى وأيضا في العالم، بأن نتنياهو لا يريد صفقة تبادل، وأنه يطيل أمد الحرب لأغراض حزبية وشخصية.

وقد تأكد هذا الأمر تقريبا من خلال اخفاء قراراته حتى عن واجهته أمام أمريكا، قادة المعسكر الرسمي الوزيرين غانتس وآيزنكوت. وأثار هذا التستر على القرارات أمام عضوي كابينت الحرب تساؤلات حول مدى رغبته في بقائهما معه في الحكومة ومدى رغبة اليمين في التحرر من وجودهما في مركز إدارة الحرب. وزاد الطين بلة أن نتنياهو قرر “منفردا” عدم الاستجابة لطلب مصر إعادة الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة اليوم الخميس لاستكمال المفاوضات بعد اجتماع المخابرات العامة المصرية بوفد “حماس” أمس. وأعلن ديوان نتنياهو أنه “طالما لم تتراجع “حماس” عن مطالبها الوهمية، فلا فائدة من الذهاب”. وقد جاء قرار نتنياهو بعد أن نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسئول أمريكي قوله عن المفاوضات أنه “لم تحدث انفراجة في المفاوضات خلال المحادثات التي جرت في القاهرة، لكنها لم تنهار”.

وفي إشارة للأزمة التي ستنفجر داخل الحكومة قال مسؤول مقرب من غانتس ، إن “غانتس وآيزنكوت اطلعا خلال اليوم الأخير على إحاطة من قبل الهيئات المهنية المكلفة بقضية الأسرى، وهما على دراية تامة بما يجري”. وأضاف أن “كابينت الحرب سيجتمع وأنهما سيمارسان فيه مسؤوليتهما الوطنية تجاه قضية الأسرى والتحديات الأخرى التي تظهر أمام دولة إسرائيل”.

ولاحظت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه على خلفية قرار نتنياهو بعدم مواصلة المحادثات، تقول مصادر مطلعة على تفاصيل المحادثات إن هناك هوة واسعة جداً بين موقف المؤسسة الأمنية وموقف نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين في المستوى السياسي وبينهم وزير الدفاع يوآف غالانت. وحسب هذه الوسائل فإن موقف المستوى الأمني الذي ظهر في المناقشات الأخيرة، والذي تم التعبير عنه أيضًا في ورقة الموقف التي تم إعدادها استعدادًا لمواصلة المفاوضات حول الصفقة، يتحدث عن استعداد للإفراج عن عدد أكبر بكثير من الأسرى الفلسطينيين وعدم التمسك بمعدل واحد إلى ثلاثة الذي ساد في الهدنة السابقة. وقال مصدر مطلع على المحادثات “لا يعني ذلك أن رؤساء المؤسسة الأمنية يريدون إفراغ السجون، بل يزعمون ببساطة أن فرصة إحراز تقدم في المفاوضات مع الإصرار على مفتاح ثلاثة مقابل واحد منخفضة للغاية”.

وفي المقابل، هناك تفاهم واضح على أنه من الناحية السياسية ليس لدى نتنياهو أي وسيلة لتمرير صفقة تتحدث عن إطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى الفسطينيين مقابل إطلاق سراح الإسرائيليين. وبحسب موقف نتنياهو، يجب الإصرار على المعايير التي ستسمح بالموافقة على الصفقة المستقبلية في مجلس الوزراء السياسي الأمني والحكومة، ولن تؤدي إلى أزمة ائتلافية. وأي صفقة أخرى أكثر مساومة هي غير واقعية لأنه لن تتم الموافقة عليها في إسرائيل.

وكان المراسل السياسي لموقع “والا”، باراك رافيد قد أشار إلى أنه في محاولة لتحقيق تقدم في المفاوضات بشأن صفقة الرهائن، عرض المصريون والقطريون إجراء مزيد من المحادثات، لكن نتنياهو ادعى أنه لا جدوى من إجراء مزيد من المحادثات، قبل أن توافق “حماس” على عرض موقف جديد بشأن صفقة التبادل. وكان الاقتراح الخاص بمحادثات المتابعة بمثابة محاولة من جانب مصر وقطر لتحقيق تقدم في قضايا لا علاقة لها بعدد السجناء الذين تطالب “حماس” بالإفراج عنهم من أجل خلق استمرارية وزخم في المحادثات.

وأشار مصدر مطلع على التفاصيل إلى أن المصريين والقطريين اقترحوا إجراء محادثات في القاهرة يوم الخميس على مستويات عمل رفيعة لمناقشة العناصر الإنسانية لصفقة تبادل محتملة، مثل نطاق المساعدات التي سيتم جلبها إلى غزة والمساعدات الإنسانية وإمكانية عودة الفلسطينيين إلى منازلهم في شمال قطاع غزة.

وأثارت تصرفات ومواقف نتنياهو ردود فعل عاصفة في صفوف عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة. وفورا شكلت العائلات طواقم للذهاب إلى منازل كل من غانتس وآيزنكوت وغالانت ليطالبوهم بأجوبة عن سبب استمرار بقائهم في حكومة نتنياهو. وذكرت هيئة أهالي الأسرى أن الأهالي “تلقوا بذهول تام قرار إفشال المفاوضات في القاهرة”، وهاجموا حكومة نتنياهو: “هذا قرار فاضح ويعني حكم الإعدام والتضحية الواعية. 134 مختطفاً يقبعون في أنفاق “حماس” ويبدو أن بعض أعضاء مجلس الوزراء قرروا التضحية بحياتهم دون أن يعترفوا بذلك”.

وأضاف بيان عائلات الأسرى أنه إذا لم تتم تلبية مطلبهم للقاء نتنياهو وأعضاء مجلس الوزراء الآخرين بحلول يوم غد، فإن العائلات ستعتصم عند مدخل كيريا: “بينما تم منح فريق التفاوض تفويضًا ليكون فقط كمستمع سلبي، يتعرض المختطفون للاغتصاب بشكل نشط ويتعرض الرجال للإيذاء على نطاق واسع. وابتداء من الغد سيبدأ الاعتصام الشامل أمام قاعدة الكريا. إننا نطالب بعقد اجتماع فوري مع مجلس الوزراء وفريق التفاوض نيابة عنه. فإذا كان رئيس الوزراء وبعض أعضاء مجلس الوزراء يفكرون في التخلي عن المختطفين حتى الموت في عذاب ولامبالاة، فسوف يلتقون بملايين الإسرائيليين الذين يفهمون أنهم غداً سيتم التخلي عن أطفالهم مرة أخرى من قبل نفس الأشخاص “.

ويعتقد كثيرون أن غانتس وآيزنكوت باتا يشعران بضغط شعبي يطالبهما بالانسحاب من حكومة نتنياهو، وقد ألمحا مرارا إلى أنه إذا تبين لهما أن أغراضا شخصية أو حزبية تعرقل تحرير الأسرى فإنهما لن يبقيا في الحكومة. ويرى مقربون من غانتس وآيزنكوت أنهما صارا يشعران بتعقيدات وجودهما في الحكومة خصوصا بعد تزايد حدة الخلافات وجراء قناعات بأن نتنياهو يطيل أمد الفاوضات عمدا. ويقدر حزب غانتس أن نتنياهو يسعى لإخراجهما من الحكم إرضاء لشريكيه سموتريتش وبن جفير اللذين يعارضان أصلا صفقة تبادل مع “حماس” ويعتبران ذلك عملا غير شرعي ولديهما خشية من أن تؤدي هذه الصفقة إلى نهاية الحرب من دون تفكيك “حماس” والإفراج الجماعي عن الأسرى الفلسطينيين. ويرى مراقبون أنه رغم ذلك من غير المتوقع أن ينسحب غانتس وآيزنكوت قريبا من الحكومة رغم قناعتهما بأن نتنياهو بات يدير معركة انتخابية.

وهذا على النقيض من الصفقة السابقة التي تم اتخاذ القرار بشأنها في الحكومة المحدودة. وفي اجتماع سابق، انتقد العديد من الوزراء الخطوط العريضة للصفقة كما صيغت في المراحل السابقة. وأعربوا عن معارضتهم لتقسيم الصفقة إلى مراحل لا تشمل جميع الأسرى دفعة واحدة.

المصدر : الحوار نيوز

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.