أنا جندي في هذا الوطن حتى الكفن

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات … 

وطني الأردن … الله ما أروع إتساق هذه الحروف الثلاثة، وما أعظم الدلالات ألتى تتضمنها ليعلّقها كل مواطن أردني على صدره وسام إنتماء، ويحملها في عينيه وقلبه مكونات هوية تستمد منها الروح ما أمكن من أصالة الماضي، وتضيف إليها بعض ألق المستقبل المأمول، فالوطن ليس فقط بقعة جغرافية يعيش فيها الإنسان مع غيره ضمن حدود متعارف عليها رسمياً، ولا هو مجرد تاريخ يبدأ بالماضي السحيق إلى القريب فالحاضر، ومن ثم المستقبل، ليس منتجعاً يمكن مغادرته عندما تقلُّ خدماته أو تتعقد أمور الحياة فيه، أو تنتهي المصلحة والمنصب منه، فالأرتباط بأرض الوطن يختلف عن غيره من الأرتباطات، لأنه أبعد من حدود الوجود الفيزيائي والمحيط الملاصق لهذا الشخص أو تلك المجموعة، ولا هو مجرد أحلام وردية مشروعة تنمو مع الطفولة وتكبر بتناسب طردي مع الهِمِمِ أو الحظوظ، بل يشمل ذلك وأكثر بكثير.
الوطن أكبر وأسمى وأجل وأغلى وأهم من أن يوضع في كفة، ولو وضع الكون كله في الكفة الأخرى، فبه يتجسد الحنين لإرث نفتخر بحمل مورثاته، إرث الأباء والأجداد، وبالوفاء للوطن يزرع أبناؤه معاً سنابل المدى الحبلى باليقين والقدرة على مواجهة التحديات مهما تعددت وتنوعت وازدادت تعقيداً.
بالوطن تنصهر الآلام والآمال والطموحات والتحديات، والأمل بالعمل، والأمان بالتضحية، والدم بالبذل لضمان البقاء، وعلى خريطة الواقع تتضح الفروق بين التوحش وقابلية الأنحلال والذوبان بالآسن المستورد، وبين التمسك بالثوابت الوطنية وحمل البندقية بيد ومصباح العقل والوفاء ونقاء الإنتماء باليد الأخرى، وعندما نقول الوفاء ونقاء الإنتماء يعني على الأقل نظرة الغضب في وجه من يريد الإساءة إلى أي من مكونات الوطن لأنه وطنٌ لجميع أبنائه ولمن ولد على ترابه، ويعني رفع الصوت في وجه الفساد والمفسدين شريطة ضمان التبرؤ والنزاهة من رجس ذلك كله كبر أم صغر، والوفاء ونقاء الإنتماء يعني العضَّ على الجراح، ولا ضير من حشوها ملحاً إن تطلب الأمر فالملح يعقم الجراح، وإن ولَّد آلاماً مؤقتة، لكنها محكومة بالزوال.
هنا تتجلى المواطنة أيها المسقطين على المناصب في أبهى معانيها وأروع تجلياتها، فإذا كانت بالأحوال العادية تعني الحقوق والواجبات، فهي في أوقات الشدة تعيد ترتيب تلك الثنائية لتشير إلى الواجبات ومن ثم الحقوق، فعندما تلمُّ بالوطن شدة ما، وتحدق به تحديات مصيرية، فلا أحد يملك ترف أحلام اليقظة المحقونة بغالبيتها بفيروسات مسرطنة بالأعتداد بذاك الخارج المعتدي الذي لا يريد الخير لأحد، وبقدر ما يُؤْثِرُ كلٌّ منا غيرَهُ من أبناء الوطن على نفسه بقدر ما تثمر الجهود بانقشاع الغيم الأسود، لتحل محله سحب الخير والعطاء والخصب والنماء، عندما أفكر بكفكفة دمعة طفل ليس أبني فسيكون هناك من يكفكف دمعات أبنائي وأحفادي، ويمسح على رؤوسهم، ويأخذ بيدهم، ويقدم لهم ما يشعرهم بالأمن والأمان رغم ذئاب الليل ألتي كثيراً ما يعلو عواؤها في الشدائد والملمات.
الجميع حريص على ألا يرى أمه تبكي، ولكيلا تبكي أم أي منا، علينا أن نحرص وقبل كل شيء على ألا يبكي أردننا الغالي الحاضنة لنا جميعاً، وهذا مرهون بتطليق كل ما له علاقة بالقناعات الوافدة والمستجلبة لحقنها في دماء الجيل وتحفيزه على الإنسلاخ عن واقعه، وتضخيم الأنا على حساب النحن، وعندها ستضيع تلك الأنا الفردية، وقد يفقد صاحبها وهج الإنتماء الخاص بتلك النحن ألتي بها تتم المحافظة على الأنا والنحن معاً، وهذا لا يعني تناسي الضغوط الموجه علينا والمحيطة بنا والظروف المعيشية الخانقة، لكن في الوقت نفسه لا يحق لأي منا أن يتذرع بها للتلكؤ أو التقاعس أو السير بركب اليأس والإحباط، فجميعنا أحوج ما يكون إلى طاقة إيجابية خلاقة يضخها لمن حوله، بدلاً من أن يستقبل موجات عاتية من طاقة سلبية جنَّد لها العدو جيشاً من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لسلبنا إرادة الحياة ألتي تليق بنا، ونحن أبناء الحياة، وأبناء الشمس ألتى لن تعرف غروباً، فالأردن وطن الشمس المحصن بحماة فرسان الحق والجيش المصطفوي وكافة أجهزتنا الأمنية ليبقى عبق الدحنون والزعتر يوزع للكون معنى الأصالة والعزة والكرامة والسيادة تظلل العرين الحصين المنيع الباقي ببقاء الهاشميين وأبناء هذا الوطن الغالي، فبعد 45 عاماً أقولها بالفم المليان أنا جندي في هذا الوطن حتى الكفن.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.