نيويوركر: مشروع الاستيطان غارق في الإجرام والجيش الإسرائيلي بيد المتطرفين وانحدار أخلاقي عام بدعم الانتهاكات
شبكة الشرق الأوسط نيوز : نشرت مجلة “ذي نيويوركر” مقابلة أجراها بالهاتف إسحاق شوتينر مع يهودا شاؤول، المؤسس المشارك لمركز “أوفيك- المركز الإسرائيلي للشؤون العامة”، وهو مركز أبحاث مستقل مقرّه القدس، وهو أيضاً أحد المؤسسين المشاركين لمنظمة “كسر الصمت”، وهي منظمة شكّلها جنودٌ إسرائيليون سابقون مكرّسون لكشف ما شاهدوه من معاملة إسرائيل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وناقش فيها التطرف داخل الجيش الإسرائيلي والانتهاكات الجنسية للأسرى الفلسطينيين في قاعده سديه تيمان.
وذكر شويتنر، بدايةً، بأن إسرائيل اعتقلت، في تموز/ يوليو، عشرة جنود يشتبه في اغتصابهم رجلاً فلسطينياً في مركز احتجاز في جنوب إسرائيل.
وجاء ذلك في أعقاب تقارير في الصحافة الدولية عن إساءة جسدية واسعة النطاق في نفس مركز الاحتجاز، سديه تيمان. وقد أحضر الجنود المحتجزون في القاعدة للاستجواب في قاعدة عسكرية أخرى، وعندها اقتحم المتظاهرون الإسرائيليون كلاً من تلك القاعدة وسديه تيمان للمطالبة بالإفراج عن الجنود. وقد حظي المحتجون بدعم وزراء من اليمين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير.
في عام 1990، كان 2.5% في المئة فقط من خريجي ضباط المشاة من المتدينين القوميين. وفي عام 2015، كان العدد يقترب من 40%. وهذا يمثل ثلاثة أضعاف حجمهم في المجتمع
وعلق شاؤول على محاولة أخذ القانون باليد من قبل المستوطنين، قائلاً إن عنفهم بالضفة الغربية يتزايد على مدى سنين، وليس هناك إنفاذ للقانون. بل إن مشروع الاستيطان هو مشروع يغرق في الإجرام.
مشيراً إلى أن هذا النوع من السلوك في الضفة الغربية، والعنف غير المنضبط، واضحٌ منذ عقود، في وقت طلب فيه من الجنود الوقوف مكتوفي الأيدي.
وقال إن الأوامر كانت تقضي، عندما كان جندياً في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الثانية، بعدم ملاحقة المستوطنين قانونياً. ولم تكن مهمتهم حماية الفلسطينيين، بل كانت حماية المستوطنين.
وعلى مرّ السنين، كنت ترى، من حين لآخر، مقطع فيديو لمستوطنين يهاجمون فلسطينيين دون أن يتدخل الجنود. وفي السنوات الأربع أو الخمس الماضية، تحوّلَ الجنود من جنود يقفون مكتوفي الأيدي بينما يتعرض الفلسطينيون للهجوم إلى جنود ينضمون أحياناً إلى الهجمات.
وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ساءت الأمور. والآن أصبح المستوطنون هم الجنود، والجنود هم المستوطنين.
وأشار شاؤول إلى أن التغير في الأدوار راجعٌ إلى تغير بنية الجيش وطريقة تنظيمه. ففي حرب شاملة، تذهب الوحدات الأفضل تجهيزاً والأكثر تدريباً إلى الخطوط الأمامية. ويبقى في الضفة الغربية جنود الاحتياط. ولكن الأمر لا يقتصر على وحدات الاحتياط العادية. بل يشمل أيضاً ما يسمى بوحدات الدفاع الإقليمية. وتنقسم الضفة الغربية إلى عدة ألوية إقليمية. ولكل منها كتائب دفاع إقليمية، وهي وحدات احتياطية تتألف من مستوطنين محليين. فالمستوطنون الذين يعيشون في منطقة الخليل، على سبيل المثال، يتم تعبئتهم في منطقة الخليل. وفي الضفة يتعامل الجنود مع الفلسطينيين كعدو، أما المستوطنون فهم في صفهم، لأنهم يستضيفون الجنود لتناول وجبة “شنيتزل”، في ليلة الجمعة، ولأنهم يتحدثون لغتهم، ولأنهم يتمتعون بالسلطة السياسية. وقال إنه سمح بهذا الانفلات الأمني والعنف لأن العلاقة بين الجيش والمستوطنين أصبحت على الأرض تكافلية للغاية. وهي الآن تكافلية للغاية لدرجة أنه لم يعد من الواضح أين تبدأ وتنتهي العلاقة العسكرية، وأين تبدأ وتنتهي العلاقة المدنية. ورد التغير هذا إلى التطورات في الجيش وفقدان العلمانيين الميّالين لـ “حزب العمل” الهيمنة عليه لصالح المتدينين القوميين، وخاصة القوميين الأرثوذكس المتطرفين، ولأشخاص مثل سموتريتش.
ففي عام 1990، كان 2.5% في المئة فقط من خريجي ضباط المشاة من المتدينين القوميين. وفي عام 2015، كان العدد يقترب من 40%. وهذا يمثل ثلاثة أضعاف حجمهم في المجتمع. وهذا بسبب توجّه العسكريين من الطبقة المتوسطة والعالية والعلمانيين والأفضل تعليماً إلى الأمن السيبراني واستخبارات الإشارات، في حين يتم شغل الرتب القتالية بشكل أكبر بالأيديولوجيين والرجال القوميين المتدينين.
وفي العقد الماضي، كان هناك صراع كبير في الجيش الإسرائيلي حول من هي السلطة الحقيقية. هل هو الحاخام أم القائد؟ في عام 2016، طعن مهاجمان فلسطينيان جندياً، فأصاباه. تم إطلاق النار على الفلسطينيين. قتل أحدهما، وتم تحييد الآخر، حيث بقي ملقى على الأرض. وبعد دقائق، وصل طبيب عسكري يدعى إيلور عزاريا وأطلق رصاصة واحدة على رأس الفلسطيني، فأعدمه. وقد صور كل ذلك ناشطٌ فلسطيني كان يعيش في مكان قريب. وبمجرد أن خرج هذا إلى العلن، ثارت موجة من الغضب. وفي نهاية المطاف، وجهت الاتهامات إلى عزاريا، ولكن الغضب ساد إزاء حقيقة توجيه الاتهام إليه. ووصل الأمر إلى حد أن نتنياهو، الذي كان رئيساً للوزراء، اتصل بوالدي مطلق النار لإظهار الدعم. وفي نهاية المطاف، اضطر موشيه يعلون، الذي كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت، وهو يميني، ورئيس أركان سابق لجيش الدفاع الإسرائيلي، إلى الاستقالة، من بين أسباب أخرى، لأنه أيّدَ الاتهام. وحكم على عزاريا بالسجن ثمانية عشر شهراً بسبب عملية إعدام تم تصويرها.
ووصف شاؤول الوضع الحالي في الجيش بأنه يعاني من صدام بين الحرس القديم والمؤسساتي من جهة، والقوميين المتدينين من جهة أخرى. ويريد هؤلاء تغيير طبيعة وروح الجيش. ولكن لا يمكن التقليل من أهمية “المحكمة الجنائية الدولية” وآليات المساءلة الدولية هنا. لأن “المحكمة الجنائية الدولية” تلوح في الأفق. ويمكنكم سماع هذا في الحوار السياسي في إسرائيل. فالعديد من الناس الذين يحاولون الدفاع عن المدعي العام العسكري، الذي يشرف على التحقيقات مع الجنود، يعتبرون ذلك أمراً بالغ الأهمية لأن هذه هي الطريقة التي “نحمي بها جنودنا وقادتنا من المحكمة الجنائية الدولية. ويتعين علينا أن نظهر للعالم أننا نتمتع بسيادة القانون وأننا نحقق في الجرائم المزعومة”.
ومع انتشار كل الشهادات عن تعذيب الفلسطينيين في شبكة “سي إن إن” وصحيفة “نيويورك تايمز”، وفي مختلف أنحاء العالم، هناك ضغوط حقيقية للتحقيق في الأمر والنظر فيه. لذا فقد أرسل المدعي العام العسكري الشرطة العسكرية لاعتقال عدد من الجنود لاستجوابهم. وعلى الفور، بدأت شبكات اليمين الإسرائيلي في إطلاق نداءات تقول: “إنهم يلاحقون جنودنا”. وخرج الجميع إلى الشوارع. إنهم يريدون تغيير ما هو مقبول في الجيش الإسرائيلي. ويمكنك أن ترى هذا، منذ تشرين الأول/ أكتوبر فصاعداً، من خلال عدد كبير من مقاطع الفيديو التي تصور جنوداً يتحدّثون عن إعادة بناء المستوطنات.
وقال إن تآكل الانضباط داخل الجيش الإسرائيلي قوي للغاية. وفجأة، هناك هذا الصدام الحقيقي بين سيادة القانون، أو القصة التي تريد المؤسسة أن ترويها للعالم، وبين أفراد الصفوف الأولى. والنتيجة مئات الأشخاص يقتحمون القواعد العسكرية في إسرائيل، بقيادة سياسيين ووزراء يدعمونهم.
شاؤول: سموتريتش يمثّل التحول الديني الوطني الأكثر أيديولوجية من حيث المطالبات بمكانة الجيش وقيمته، في حين يمثل بن غفير صفوف الطبقة العاملة
وعن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يحاول لعب رجل دولة على المسرح العالمي، ودعم مواقف متطرفين مثل سموتريتش، قال شاؤول إنه لا يعتقد أن سياساته هي سياسات سموتريتش أو بن غفير. أعتقد أن سموتريتش يمثّل التحول الديني الوطني الأكثر أيديولوجية من حيث المطالبات بمكانة الجيش وقيمته، في حين يمثل بن غفير في الواقع صفوف الطبقة العاملة.
وأعتقد أن نتنياهو أصبح حيث هو ليس فقط لأن سموتريتش وبن غفير يمسكان بزمام الأمور، بل لأن هناك إحباطاً هائلاً بسبب الافتقار إلى الإنجازات التي حققتها الحرب.
فقبل أشهر وَعَدَنا بأننا سنقضي على “حماس”. وكنا سنعيد جميع الرهائن إلى ديارهم. لقد مضت شهور على الحرب ولم نقض على “حماس”. إذن ماذا تفعل الآن؟ إذا كنت شخصاً من يسار الوسط في إسرائيل، فإنك تلوم نتنياهو وحكومته لأنهم غير مستعدين للحديث عن اليوم التالي، لأن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بالقوة وحدها.
ولكن إذا كنت من اليمينيين، فإنك تبدأ في الأساس في إلقاء اللوم على الجنرالات اليساريين الضعفاء الذين لا يرغبون في القيام بما يلزم. وتقول إن الناس في الجيش يلعبون لعبة مع الأوروبيين والأمريكيين والمجتمع الدولي لحماية الناس من “المحكمة الجنائية الدولية”. ويقول اليمين المتطرف: “إنهم يقيدون أيدينا. ولهذا السبب لا نحقق النصر. لقد رأيتم ما حدث في رفح. لقد منعونا لأسابيع. ولم يسمحوا لنا بالدخول”.
قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان الشيطان الأكبر هو المحاكم. والآن يوجه اليمين المتطرف الكثير من إحباطه نحو الحرس القديم في الجيش. وهنا، يأتي دور نتنياهو في هذا الموضوع. فالمتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية، يجد العديد من التسريبات من مناقشات مجلس الوزراء: وزراء يهاجمون رئيس الأركان، ووزراء يهاجمون الجنرالات. كل هذه الهجمات هي جزء من توجيه إحباط اليمين الإسرائيلي. فالحقيقة هي أن برنامجهم لا يعمل، وهذا يعني أننا محونا قطاع غزة عن وجه الأرض تقريباً، ولم تختف “حماس”. لذا فأنت بحاجة إلى إلقاء اللوم على شخص ما عن الفشل. وعن الانتهاكات التي أوردتها “سي أن أن” ونيويورك تايمز، وفي ما إن كانت مفاجئة بالنسبة له أو مفاجئة للأشخاص الذين يدرسون هذه الأشياء في إسرائيل، قال شاؤول إن فكرة وقوع أمور سيئة في غزة، أو وقوع أمور سيئة في مراكز الاحتجاز ليست مفاجئة له. ولكن مدى سوء هذه الأمور، بصراحة، أمر مدهش. و”أخشى أننا ما زلنا نكتشف السطح هنا. وأخشى أن وسائل الإعلام لم تصل إلى غزة بعد. وأخشى أن نكتشف أننا وصلنا إلى مستويات جديدة خطيرة من الانحدار في سلوكنا،
شاؤول: أخشى أننا ما زلنا نكتشف السطح هنا. وأخشى أن وسائل الإعلام لم تصل إلى غزة بعد. وأخشى أن نكتشف أننا وصلنا إلى مستويات جديدة خطيرة من الانحدار في سلوكنا
في ما يتصل بقواعد الاشتباك التي كانت متساهلة للغاية في مقدار الأضرار الجانبية المسموح بها، وفي ما يتصل بمعاملة المعتقلين. وأخشى أننا لا نزال لا نملك القصة الكاملة لكل هذه الأمور”.
و”لكنني لا أعتقد أن هناك غضباً. وأعتقد أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي ترى أن الاعتداء المزعوم على المعتقلين يبدو معقولاً في نظرها. ويبدو معقولاً في نظر أعضاء الكنيست اليوم وفي نظر الوزراء في الحكومة. لقد رأيت الآلاف من الإسرائيليين يقفون ويدافعون عن هؤلاء الجنود، حتى مع ما يزعم أنهم ارتكبوه. وهذا هو مدى الانحدار الذي وصلنا إليه. لقد وقفت شريحة كاملة من المجتمع الإسرائيلي والطبقة السياسية والحكومة للدفاع عن هذه الإجراءات”.
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.