تحذيرات في إسرائيل من التصعيد والتورّط مجدداً بالاستنزاف الطويل في لبنان

شبكة الشرق الأوسط نيوز : تواصل إسرائيل تصعيدها التدريجي مع “حزب الله” طمعاً بقصم ظهره العسكري، ودفعه لوقف حرب الاستنزاف، ووقف جبهة الإشغال والإسناد التي يديرها، دون أن تدخل حرباً تخشى هي الأخرى من تبعاتها.

قبل أسبوع، أدخلت إسرائيل هدفاً رابعاً على أهداف الحرب، يتمثّل باستعادة النازحين لمنازلهم في الجليل الأعلى. وفي التزامن، قال رئيس حكومة الاحتلال قبيل وبعد عملية تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بـ “حزب الله” إن هذا الوضع لن يستمر، وتكرر التهديد والوعيد على لسانه، أمس، وتبعه وزير الأمن وقائد الجيش، وصباح هذا اليوم، الأحد، جدّد طيرانُه هجمات واسعة في العمق اللبناني.

في إعلان الهدف الرابع، وفي التصريحات المتتالية لقيادات إسرائيل، لم يعلن القضاء على “حزب الله” كهدف للحرب، بل اكتُفي بهدف وقف الحرب، وهذا بعكس موقفها حيال حركة “حماس”. رغم وجود قراءات ترى أن نتنياهو يسعى بالضربات الموجعة المربكة استدراج “حزب الله” لردّ قوي يبرّر الدخول في حرب شاملة معه لا ترغب إسرائيل و”حزب الله” والجهات التي تواليهما، من طهران إلى واشنطن، بحرب واسعة مدمّرة، خاصة الآن.

إسرائيل تدير حرباً نفسية ضد جمهور “حزب الله” وحاضنته، وضد مجمل اللبنانيين، كما تجلى في دعوة أهالي الجنوب للابتعاد عن مراكزه ومنشآته

وضمن هذا الضغط المتصاعد من قبل إسرائيل على “حزب الله”، فإنها تدير حرباً نفسية ضد جمهوره وحاضنته، وضد مجمل اللبنانيين، كما تجلى في دعوة أهالي الجنوب للابتعاد عن مراكز وقوات “حزب الله”، وفي قصف واسع في مناطق مختلفة من لبنان تشمل أحياناً استهداف غابات وإحراقها طمعاً بمفاعيل مشاهد النار والدمار على نفسية ومناعة سكان لبنان.

في ذات الوقت انضم عدد من وزراء “الليكود” لدعوات متزايدة في إسرائيل الرسمية وغير الرسمية تطالب بتوجيه ضربات أعنف لـ “حزب الله”، واستغلال حالته النازفة، وإصابة منظوماته القيادية، من أجل الإجهاز على قدراته العسكرية، وإزالة التهديد، واقتلاعه من جذوره، وتمكين سكان المستوطنات الشمالية من العودة لها بأمان.

حرب مفتوحة

في المقابل، زاد “حزب الله” دائرة النار، كما حصل في الليلة قبل الأخيرة، ويزداد المأزق حرجاً في ظل تمترس الطرفين في مواقف معلنة، فإلى جانب استعداد “حزب الله” للتعامل مع القرار الأممي 1701، فإنه يشترط ذلك بإنهاء الحرب على غزة، وقد ردّ نائب الأمين العام نعيم قاسم على تهديدات إسرائيل الأخيرة بالتصعيد بالقول إن القتال والجهاد لن يتوقّفا طالما لم تتوقف الحرب على غزة، منوهاً لكونها “حرباً مفتوحة” ما يسدّ الأفق، ويبعد فكرة التسوية، والحلول الدبلوماسية، ويقرّب الانفجار، فالطرفان بعدما قيد كل منهما نفسه بـ “السلاسل” في مواقف معلنة متناقضة يبدو أن قطاريهما يسيران نحو ارتطام وشيك. ربما بات هذا الارتطام حتمياً نتيجة هذا التمترس بالموقف، وبسبب حسابات “الأنا” أيضاً، والمعركة على الهيبة وقوة الردع والصورة، رغم أن الولايات المتحدة وإيران ليستا معنيتين بحرب شاملة، كلّ لحساباتها.

“حزب الله” يعمل بموجب نظرية إيران بالاستنزاف من خلال “سوار النار”، والمشاركة في تبادل لكمات موجعة لفترة طويلة، بينما حكومة الاحتلال اكتشفت أنها ارتكبت خطأ فادحاً بقبولها اللعب ضمن قواعد هذه اللعبة، وترغب اليوم بوقف النزيف من خلال ضربات “نوك آوت” تقصم ظهر “حزب الله” العسكري، أو تقطع ذراعيه، دون الدخول في حرب من شأنها إلحاق ضرر بمنشآتها العسكرية والمدنية، وفي مجمل الجبهة الداخلية، وبجيشها على الحدود، خاصة إذا ما أقدمت على اجتياح بري.

من الدفاع إلى الهجوم

وبذلك تنتقل إسرائيل من الدفاع إلى الهجوم، وللتصعيد، كما يشي عنوان عريض باللون الأحمر لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، وفيه تنقل عن عسكريين إسرائيليين قولهم إنها تدير المواجهة الآن ضمن إستراتيجية جديدة: إدارة حرب للحظات معينة مع هجمات عنيفة، ومن ثم تقييم الوضع من جديد بعد كل مرحلة ومرحلة، وسط محاولة حشد الغطاء الدبلوماسي في العالم تحت يافطة: “حرب دفاعية”.

وتنقل “يديعوت أحرونوت” عن مصادر أمنية قولها “نستعد لأيام دراماتيكية: نعمق المساس بحزب الله”. وتقول الصحيفة إنه، في المقابل، أدخلت مئات صواريخ “حزب الله” مليون إسرائيلي دائرة الاستهداف، تزامناً مع تصعيد إسرائيلي بالهجمات وطرح تهديد صارم أمام “حزب الله”: إما تسوية بشروط إسرائيل، أو حرب شاملة.

ويبدو أن حسابات الدولة العميقة والمؤسسة الأمنية الراغبة بصفقة مع “حماس” تعيد المخطوفين، ووقف الحرب في غزة قبل توسيع المواجهة مع “حزب الله”، إلى جانب بناء محور إقليمي دولي ضد إيران، ما زالت مختلفة عن حسابات نتنياهو، الطامع بالتصعيد حتى بلوغ هاوية الحرب الشاملة مع “حزب الله”، وربما استدراج واشنطن ضد طهران. وهناك أوساط غير رسمية تطالب نتنياهو بالتصعيد ضد “حزب الله”، أو استغلال “حالته النازفة” من أجل إزالة تهديده بالكامل، وأحياناً تزاود عليه وعلى حكومته وتتجاوزه من جهة اليمين بدعوته لأن يكون تشرتشل وليس تشامبرلن، بدعوى أن إسرائيل عشية حرب كبيرة، وعليها المبادرة ومضاعفة ضرباتها الاستباقية، كما يقول الكاتب الإسرائيلي عيدو نوردن، الذي يعتبر، في مقال تنشره صحيفة “معاريف”، اليوم، إن تهديد “حزب الله” وجودي، ما يستدعي “انتصاراً ماحقاً”.

ويقول نوردن إن إسرائيل في مفترق طرق تاريخي، كما هي الحال عشية الحرب العالمية الثانية عام 1939، فإنه على قادة الجمهور، وعلى رأسهم نتنياهو، التحلّي بقدر من الشجاعة، والنظر بعين ثاقبة ورؤية أن الحرب الإقليمية حتمية، وعلى الجانب الإسرائيلي الإسراع للمبادرة القتالية.

انتهى عهد الاحتواء

وهذا ما يراه المحلل العسكري البارز رون  بن يشاي، الذي يرى أن “حزب الله” يهدّد إسرائيل بجبهتين: الداخلية، وفي الحدود. ويدعو لوقف “الاحتواء”، وإزالة التهديد. ويقول، في مقال ينشره موقع “يديعوت أحرونوت”، إن حكومة الاحتلال قرّرت، قبل أسبوعين، إضافة هدف جديد لأهداف الحرب: ليس إزالة تهديد “حزب الله”، بل إزالة تهديد واحد منهما: التهديد على سكان الشمال، وهذا ليس صدفة”.

ويتابع مبرّراً الحرب الكبيرة: “من أجل إزالة التهديد الثاني (الجبهة الداخلية) تحتاج إسرائيل لحرب شاملة ستكون طويلة ومكلفة. بحال دخل “حزب الله” مفاوضات جدية من أجل تسوية يمكن إعادة النازحين وترميم الخراب. بحال رفض نصر الله ستكون الطريق مفتوحة لحرب شاملة”.

الضغط يزداد

ويحذّر المحلل العسكري في “هآرتس” من تبعات الحرب، ويوضح أنه رغم التصعيد فإن إسرائيل و”حزب الله” ما زالا يجتهدان من أجل الامتناع عن حرب شاملة من شأنها أن تسبّب خسائر قاسية في صفوف الجيش الإسرائيلي وفي الجبهة الداخلية. كما يقول إن الضربات الاسرائيلية ازدادت، في الأسبوع الأخير، وتسلط الضوء على ميزان القوى بين إسرائيل و”حزب الله”، منوهاً أن جهات أمنية إسرائيلية تقول لـ “هآرتس” إن هناك حاجة لمواصلة الضغط على “حزب الله”، وربما زيادته، لكن هارئيل يؤكد أن القرار متعلق لحد بعيد بالسؤال: كم من المدنيين سيقتلون في الجانبين.

هذه هي اللحظة للقطع

ويتبعه المحلل السياسي البارز في القناة العبرية 13 رافيف دروكر، الذي يوضح، في مقال تنشره “هآرتس” اليوم، أن منطق الضربات الأخيرة في لبنان، حسب صنّاع القرار في إسرائيل، لا يحقق الحسم، ولا يزيل التهديد، بل يطمع بفرض وقف جبهة الإسناد على “حزب الله”، محذراً من الآت: “احتمال التورّط هنا عظيم”.

وهذا ما يؤكده الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب عوفر شيلح، الذي أصيب بجراح صعبة في حرب لبنان الأولى، فقد قال للإذاعة العبرية، اليوم الإثنين، إن الرهان على القوة فقط لن يسعف إسرائيل. ويرى شيلح أن إسرائيل تستطيع بلوغ نهر الليطاني، ولكن السؤال هو ما الجدوى، فـ “حزب الله” يملك صواريخ يطلقها من شمال لبنان، ولذا، حسب هذا المنطق، ينبغي احتلال بيروت، وبالتالي العودة إلى حرب مرّة خبرناها.

 ويتابع: “الحديث عن الخيار العسكري فقط  جزء من أفكار شعبوية يشارك فيها نتنياهو الراغب باستمرار الحرب حفاظاً على ائتلافه الحاكم. نتنياهو وَعَدَ  النازحين الإسرائيليين بإعادتهم لبيوتهم. هذا ممكن، لكن يخطئ من يعتمد بذلك على القوة فقط مع “حزب الله” الذي ربط نفسه بمصير الحرب على غزة. حتى نحقق ذلك علينا بالحرب والاجتياح حتى بيروت، وأشك أننا قادرون على ذلك. إسرائيل قامت، في الأسبوع الأخير، بخطوات مباغتة تم الاحتياط بها لحرب كبرى وبذلك تبدد قدرات هامة”.

هناك أوساط غير رسمية تطالب نتنياهو بالتصعيد ضد “حزب الله”، أو استغلال “حالته النازفة” من أجل إزالة تهديده بالكامل، وأحياناً تزاود عليه

ويرى بأن الحل الأمثل هو الذي يأخذ بالمنطق الدبلوماسي أيضاً: “الضربات القاسية مع منطق تسوية، وهذا يمرّ عن طريق غزة:  تغيير واقع غزة صفقة. بدون ذلك سنتورط في لبنان ثالثة.. فحرب لبنان الثانية بدأت بهجمات جوية ناجحة، وما لبثنا أن تورّطنا بقتال قاس. لسنا في حرب مع “حماس” و”حزب الله”، بل أمام محور المقاومة بكل أذرعها، وهي حرب استنزاف هدفها القضاء على إسرائيل. ينبغي أن يكون هدف الحرب الأعلى بناء تحالف مقابل محور المقاومة بدعم ورعاية واشنطن، وهذا ما لا نفعله، بل نقوم بعمليات عسكرية لا تحقق الأهداف منذ عام، وهكذا وضعنا اليوم مقابل لبنان. هذه الحرب طويلة، ومختلفة عن  حروب سابقة، ونحن نلعب حسب قواعد لعبة الأعداء. اغتيالات قادة العدو وحدها لا تجدي. نجاحات تكتيكية بدون إستراتيجية تدفعنا نحو مأزق كبير، ومن غير المستبعد هنا أن تتوصّل أمريكا مع إيران لتسوية دون أن تؤخذ مصلحة إسرائيل العليا بالحسبان.

حول القوة والعقل

 ويتقاطع معه محلل بارز في “يديعوت أحرونوت”، سيلفر بلوتسكر، الذي يقول إنه “لا بد من الضربات العسكرية، لكن ينبغي استخدام العقل أيضاً: معاقبة “حماس” و”حزب الله”، وفي المقابل تعزيز قوة السلطة الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيين وطموحاتهم”. معتبراً أن السلطة فقط هي بديل للسنوار ونصرالله، وأن “هذا الخيار ليس الأفضل، لكنه معقول. اتفاق أوسلو لم يمت. بدلاً من تشجيع  إسرائيل أبو مازن بزيارة القطاع فإنها تحول دون ذلك. مثال على كيف تعطّل القوة العقل”.

ويؤكد الجنرال في الاحتياط أوري ساغيه، رئيس سابق للاستخبارات العسكرية، أن إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب، لا في الجنوب، ولا في الشمال، داعياً لوقف الحرب في غزة أولاً واستعادة المخطوفين.

 ويضيف: “علينا قطع الأضرار، والتقاط النفس، وتحديد الأهداف، وعدم التعويل فقط على العصا والقوة”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.