السابع من أكتوبر هل يستحق كل هذا الثمن ؟
أحمد الكومي ….
7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 هو تاريخ حُفر بعمق في ذاكرة الشعب الفلسطيني، فقد شهد أكبر هجوم للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد الكيان الصهيوني، الذي أعطى إشارة انطلاقه القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.
الضيف، لمن لا يعرفه، هو صاحب التاريخ العسكري الطويل في المقاومة، والمطلوب الأول للكيان الصهيوني الذي يطلق عليه اسم “رجل الموت” أو “المقاتل ذو الأرواح التسعة”، كونه تعرض لأكثر من 7 محاولات اغتيال صهيونية نجا منها الضيف جميعها.
يومها اعتبر الضيف الهجوم بأنه “يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض”، وهذا الاحتلال ردّ بوحشية لم يشهدها التاريخ الحديث، فقد أعلن الحرب على غزة، قتل خلالها أكثر من 40 ألف فلسطيني وعشرات آلاف الجرحى، إضافة إلى تدمير كامل وضخم للبنية التحتية وبيوت السكان والمستشفيات والجامعات والمدارس والطرق، ولم يبقى حجرًا في غزة لم تصبه قذيفة أو رصاصة صهيونية. لكن هل كان كل ذلك يستحق ما جرى في 7 أكتوبر؟
توجد 5 دوافع تجيب عن هذا السؤال الذي يطرحه كل ما لا يعرف أصل الحكاية في غزة.
أولًا: يعتبر المسجد الأقصى والوضع في مدينة القدس هو الشرارة التي أطلقت “طوفان الأقصى” بعدما تجاوز جنود الكيان كل الخطوط الحمراء هناك، حتى وصل بهم الحال إلى تدنيس حرم الأقصى بأحذية الجنود، وسحل النساء الفلسطينيات ومنع المصلين من أداء الصلاة فيه.
وسبق أن حذرت المقاومة قبل تاريخ السابع من أكتوبر بأن استمرار عمليات التهويد في القدس وتدنيس المسجد الأقصى هو “لعب بالنار”، لكن الكيان تجاهل هذا التحذير، وظن أن المقاومة تطلق تهديدات في الهواء.
ثانيًا: يوجد في سجون الكيان قبل تاريخ 7 أكتوبر نحو 6 آلاف أسير فلسطيني (ارتفع هذا الرقم إلى 10 آلاف خلال شهور الحرب)، ويرفض الكيان الإفراج عنهم، بينما تؤمن المقاومة بأن الطريقة الوحيدة لذلك هي عبر صفقات التبادل، ومنذ عدوان 2014 تأسر المقاومة 4 جنود إسرائيليين يرفض الكيان الاعتراف بهم، ولذلك كانت القناعة بأن مفتاح السجون الصهيونية هو مزيد من الأسرى الصهاينة، وهو ما حدث يوم 7 أكتوبر بأسر ما بين 200- 250 أسيرًا صهيونيًا.
ثالثًا: تعيش غزة تحت حصار صهيوني منذ عام 2006، أي لأكثر من 18 عامًا، وهو آخر حصار في العصر الحديث وأطول حصار يصمت عليه المجتمع الدولي اليوم، عاش خلاله سكان غزة أسوأ أعوامهم. فقد منعوا من السفر للعلاج أو الدراسة، ومنع عنهم إدخال الدواء، والغذاء، والماء الصالح للشرب، والكهرباء، ومات خلال هذه الأعوام آلاف الأطفال والنساء، دون أن يتحرك أحد لإنقاذهم. بعبارة أخرى، كان الكيان يقتل غزة بصمت. ولذلك كان قرار غزة أن تقلب الطاولة على الجميع يوم 7 أكتوبر، واختارت أن تقاتل بشرف على أن تموت بضعف.
رابعًا: في شهر ديسمبر 2012 انتخب الكيان الصهيوني الحكومة 37 في تاريخه والذي يقودها بنيامين نتنياهو الذي يتولى رئاسة الوزراء للمرة السادسة. وصفت الحكومة حينها بأنها “الأكثر تطرفًا” في تاريخ الكيان، كونها تتألف من أحزاب يمينية متطرفة. وتحمل هذه الحكومة برنامجًا واحدًا وهو “قتل الشعب الفلسطيني” وحسم الصراع معه، عبر إعلان الحرب على غزة والضفة المحتلة، لذلك جاء هجوم 7 أكتوبر دفاعًا عن النفس في مواجهة أخطر وأسوأ حكومة صهيونية عرفها الكيان.
خامسًا: في ضوء كونها الحكومة الصهيونية الأخطر، فقد وصلت استخبارات المقاومة معلومات تفيد بأن الكيان يحضّر لحرب طاحنة وصعبة ضد قطاع غزة. ولذلك جاء هجوم 7 أكتوبر استباقًا لهذه الحرب، استطاع أن يُفقد الكيان عنصري المفاجأة والمبادرة. علمًا أن جيش الكيان في كل حروبه السابقة كان له السبق في صناعة الحدث، لكن هذه المرّة استطاعت المقاومة أن تسجّل تاريخًا جديدًا باعتبار كون “الطوفان” معركتها الأولى التي تأخذ فيها زمام المبادرة، حتى ذهب كثيرون إلى تشبيه ما حدث بأنه “زلزال ضرب الكيان الصهيوني”.
النقاط الخمسة أعلاه تعتبر من أبرز الدوافع التي قادت إلى مشهد البطولة في 7 أكتوبر، وهي أساس لفهم ما جرى في ذلك اليوم، كي يتجنب القارئ اتهام المقاومة الفلسطينية بالمغامرة والقفز نحو المجهول. بل إن ما جرى هو امتداد لمعركة طويلة عمرها أكثر 76 عامًا لم يتوقف فيها نزف الدم الفلسطيني ليوم واحد. وتذكروا أنه عندما سئل الشاعر الفلسطيني محمود درويش: ما هو الوطن؟ أجاب: “هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.