*فادي السمردلي يكتب : دور الاحزاب السياسية قيادةواصلاح لا جمعيات خيرية*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
إن التقاط الصور مع الشخصيات العامة أثناء استلام أو تسليم الشهادات والدروع التقديرية، إضافةً إلى تحول بعض الأحزاب إلى ما يشبه الجمعيات الخيرية – رغم احترامنا وتقديرنا لهذا الدور المجتمعي والإنساني – لاكتساب قواعد شعبية وتوسيع نفوذها الاجتماعي بدلًا من السياسي، يعكس انحرافًا عن الدور الأساسي للعمل الحزبي.
فبدلًا من التركيز على دورها السياسي والتأثير في صنع القرار، باتت بعض الأحزاب تمارس أنشطة اجتماعية، وهي بلا شك مهمة، لكنها لا ينبغي أن تكون الدور الوحيد والأساسي الذي تضطلع به فمثل هذا التوجه يُضعف دور الأحزاب الحقيقي في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردن.
إن هذه الممارسات إن طبقت لا تقتصر آثارها على تقويض مصداقية الأحزاب فحسب، بل تسهم أيضًا في تهميش دورها في رسم السياسات العامة وتحقيق التغيير المطلوب.
العمل السياسي الحزبي ليس مجرد وسيلة لجمع الدعم الشعبي أو تحقيق مكاسب قصيرة الأمد، بل هو التزام وطني طويل الأمد يستوجب التركيز على القضايا الكبرى التي تؤثر في حياة المواطنين بشكل شامل ومن المفترض أن يكون الحزب السياسي قوة دافعة نحو التحديث والتغيير من خلال تقديم حلول واقعية للتحديات التي تواجه البلاد، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية فبدلاً من الانغماس في الظهور الإعلامي والاعمال الثانوية التي تعالج الأعراض دون الأسباب، عليها أن تتبنى سياسات إصلاحية فعالة تؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة، خلق فرص عمل، تحسين النظام التعليمي، وتعزيز دولة القانون والمؤسسات.
ما يحدث الآن، أن بعض الأحزاب باتت تركز بشكل كبير على اداء لا يزال بعيدا عن العمل السياسي الحقيقي، فاصبح التركيز فقط على تقديم خدمات صحية محدودة او معونات غذائية فهذه الأنشطة، رغم أنها تلبي احتياجات ملحة لبعض الاشخاص، إلا أنها لا تمثل حلًا جذريا حقيقيًا للمشاكل الأساسية التي يعاني منها الأردن فتقديم المساعدات الخيرية لا يمكن أن يكون بديلاً عن وضع سياسات اقتصادية مستدامة تقلل من نسب الفقر والبطالة فلا يمكن للمساعدات الخيرية أن تعالج مشكلة التعليم او الصحة أو تساهم في تقوية الاقتصاد الوطني، أو تعزز من الحريات الديمقراطية.
الأحزاب السياسية، بما أنها تمثل المواطن وتعمل من أجله، يجب أن تكون في طليعة القوى التي تطالب بتحقيق الإصلاحات الوطنية ويجب أن يكون الحزب السياسي قوة تغيير حقيقية تسعى لتحسين الأوضاع من خلال العمل ضمن مؤسسات الدولة، وتقديم رؤى وسياسات تستجيب لمتطلبات المرحلة ولكن، عندما ينخرط الحزب في الأعمال الخيرية متناسيا دوره الأساسي، فهو يفقد بريقه السياسي ويتحول إلى كيان عاجز عن التأثير في المشهد السياسي الفعلي والأخطر من ذلك، أن هذه الممارسات تعزز ثقافة الاعتماد على الحلول السريعة والمساعدات المؤقتة، مما يضعف الوعي العام بأهمية الإصلاحات الحقيقية.
العمل الحزبي يتطلب مواجهة الحقائق الصعبة والعمل الجاد لتحقيق التغيير وفي ظل ارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، وتراجع مستوى الخدمات العامة، فيصبح من الضروري أن تعيد الأحزاب الأردنية توجيه بوصلتها نحو هدفها الأصلي لتحسين حياة المواطنين عبر سياسات شاملة وفعالة وعليهم العمل بجد لتطوير النظام السياسي وتعزيز التعددية والديمقراطية، وليس الاكتفاء بالأنشطة الخيرية التي يمكن أن تقوم بها أي جمعية أو مؤسسة غير حكومية.
كما أن الانخراط في الأعمال الخيرية قد يكون له تأثير سلبي على الشفافية داخل الأحزاب نفسها، إذ تصبح القضايا المتعلقة بالتمويل والمساعدات ميدانًا للاستغلال السياسي وهذا قد يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في الأحزاب كقوى سياسية فاعلة قادرة على التغيير، خاصة عندما يرون أنها تركز على تقديم المساعدات بدلاً من التصدي للمشكلات الهيكلية التي يعانون منها يوميًا.
الأردن في أمس الحاجة إلى أحزاب سياسية حقيقية، قادرة على العمل داخل مؤسسات الدولة، والتفاعل مع التحديات التي تواجه المجتمع من خلال تقديم حلول سياسية واقتصادية جريئة ولا يمكن تحقيق ذلك إذا بقيت الأحزاب مشغولة بالأعمال الخيرية فالمطلوب هو حزب سياسي ذو رؤية بعيدة المدى، قادر على تحدي السياسات التقليدية، وطرح أفكار مبتكرة لإحداث تحول حقيقي في المجتمع الأردني.
وعلى المستوى الاجتماعي، تمثل هذه الظاهرة أيضًا خطرًا على الثقافة السياسية في البلاد عندما يتحول الحزب إلى جمعية خيرية، فإنه يسهم في ترسيخ فكرة أن السياسة ليست أداة لتغيير الواقع بقدر ما هي وسيلة لتقديم خدمات مباشرة وهذا يضعف من قيمة العمل السياسي كوسيلة لتحقيق الإصلاح والتغيير، ويدفع بالمواطنين إلى العزوف عن المشاركة السياسية الحقيقية، مما يهدد بالتالي مستقبل الديمقراطية في البلاد.
لكي تقوم الأحزاب الأردنية بدورها الطبيعي، عليها أن تركز جهودها على ثلاثة محاور أساسية أولاً، صياغة برامج سياسية واضحة تتضمن حلولاً للتحديات الاقتصادية والاجتماعية ثانيًا، تعزيز تواجدها في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والعمل على مراقبة الحكومة والمساهمة في وضع السياسات العامة ثالثًا، تعزيز الوعي السياسي لدى المواطنين وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، وليس الاكتفاء بدور المتلقي للخدمات.
في الختام، لا بد من التأكيد أن الأحزاب السياسية في الأردن أمام مسؤولية وطنية كبرى ويجب أن تكون في طليعة القوى التي تسعى إلى إحداث التغيير، وأن تبتعد عن الدور الذي يشبه الجمعيات الخيرية وعليها أن تعيد تحديد أولوياتها وتوجه جهودها نحو تحقيق الإصلاحات الضرورية، لتساهم في بناء دولة ديمقراطية تقوم على سيادة القانون والمواطنة المتساوية فهذه هي المهمة الحقيقية للأحزاب، وما عدا ذلك هو خروج عن المسار الذي يتطلبه العمل السياسي الوطني.