مسقط عاصمة السلام والوئام

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات  ….

 

الكل يتابع ويترقب نتائج المفاوضات بين طهران وواشنطن وأن الإهمال الإيراني لكل الأطراف ألتي عرضت أو أعلنت إستعدادها لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن لم يكن سوى ترجمة لقناعة وصل إليها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي بضرورة الأبتعاد من السياسات القديمة في التفاوض غير المباشر وألتي تحولت إلى ورقة يستخدمها كل طرف وسيط من أجل تحسين شروطه في العلاقة مع الإدارة الأميركية، ومن هنا كان الموقف الإيراني غير المعول على إمكان لعب كل من روسيا والـ ترويكا الأوروبية دوراً محايداً في الوساطة مع واشنطن، فكان خيار العودة للوسيط العُماني الذي لا يملك مصالح خاصة تتعارض مع مصالح طرفي التفاوض، بخاصة أن مسقط تملك علاقات مستقرة معهما لا مكان فيها للتعارض أو التصادم، وما كشفت عنه جلسة التفاوض ألتي أستضافتها عاصمة السلام والوئام والأمن والأمان مسقط عن أن كلا الطرفين أبدى حرصاً على عدم إحراج بعضهما الآخر، فالجانب الأميركي أبدى تفهماً للمطلب الإيراني بالتفاوض غير المباشر، وفي المقابل أبدى الجانب الإيراني تجاوباً مع رغبة الرئيس ترمب في التفاوض المباشر، فكان اللقاء السريع ومدة 10 دقائق بين رئيسي الوفدين الأميركي ستيف ويتكوف وعميد الدبلوماسية الإيرانية الدكتور عباس عراقجي بعد جلسة غير مباشرة إستمرت نحو ساعتين ونصف الساعة، ووصفُ نتيجة المفاوضات بأنها إيجابية وبناءة جاءت نتيجة حصرها في جدول أعمال محدد وواضح يرتبط بكيفية السيطرة الدولية على الأنشطة النووية الإيرانية، في مقابل خطة واضحة وخارطة طريق للتعامل مع مبدأ تخفيف العقوبات الإقتصادية عن إيران، والأبتعاد الأميركي من مطلب تفكيك البرنامج النووي لم يكن طارئاً على جدول المفاوضات بل شكل واحدة من الرسائل ألتي وجهها سابقاً المندوب الأميركي ويتكوف، في حين أن طهران قدمت كثيراً من المغريات تتعلق بالرقابة الدولية طويلة الأمد، إضافة إلى فتح الأسواق الإيرانية أمام الإستثمارات الإقتصادية الأميركية المباشرة، وألتي كانت في السابق تعتبر أقدس المحرمات لدى النظام الإيراني، وأنه للمرة الأولى يدخل النظام الإيراني في مفاوضات غير مباشرة ظاهرياً ومباشرة عملياً، من دون ضجيج داخلي أو صراع وجدل بين الفريق المؤيد لها والآخر المعارض لها، مما يؤكد حقيقة أن جميع الأطراف إما باتت تدرك دقة المرحلة ألتي يمر بها النظام الإيراني والتحديات التي قد تكون وجودية، وإما أن السلطة العليا في النظام ألتي أتخذت خيار التفاوض قد مارست دورها في إسكات الأصوات المعارضة، وهدأت من إندفاع الأصوات المؤيدة بأنتظار ما ستكشف عنه الجلسات الأولى العلنية عن معطيات إيجابية أو سلبية، ومما لاشك فيه هو أن الدافع أو المحرك الذي سرع في وصول النظام في طهران إلى طاولة التفاوض لا يكمن في حجم الأزمات الداخلية المتفاقمة، على الصعيدين الإقتصادي والمعيشي، بل الأخطار ألتي قد تنتج منها وإمكان أن تفجر صراعاً داخلياً قد يشكل أرضية خصبة لتحريك الحساسيات القومية والمذهبية، وما ينتج منها من حروب داخلية سبق وأن حذر منها المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي قبل أسابيع خلال صلاة عيد الفطر المبارك، وقد يواجه طرفا التفاوض تحدياً حقيقياً خلال المرحلة المقبلة، بخاصة في حال الإطالة في التفاوض، والتباعد في مواعيد الجلسات واللقاءات، والتأخير في الإنتقال إلى التفاوض المباشر، مما سيسمح للأصوات المعارضة داخل الإدارة الأميركية، وتحديداً الخارجية والأمن القومي المستبعدين من التفاوض وألتى تعارض أية تسوية تسمح لإيران بالأستمرار في نشاطها النووي، وهي أصوات قد تفتح الباب أمام الأصوات الإيرانية المتشددة ألتي ترفض مبدأ التفاوض مع الأميركي، سواء من منطلقات أيديولوجية أو مصلحية، إضافة إلى إمكان أن تلعب الأطراف الدولية المستبعدة من التفاوض، وتحديداً الدول الأعضاء في السداسية الدولية الراعية لأتفاق عام 2015 دوراً معرقلاً بدافع الحفاظ على مصالحها ومنع الإدارة الأميركية من التفرد في صياغة التفاهم مع إيران على حساب دورها، ومن هنا يمكن فهم المبادرة الإيرانية بإتجاه روسيا والصين لشرح الخطوة الإيرانية بإتجاه واشنطن، وطمأنة هذين البلدين حول مستقبل العلاقة والمصالح المشتركة بينها، في حين قد تواجه الـ “ترويكا” الأوروبية أزمة في إستعادة موقعها في التفاهمات على خلفية الجدل القائم بينها وبين ترمب حول كثير من الملفات، وإمكان أن تذهب إلى محاولة نسفها من خلال الدفع باتجاه مجلس الأمن الدولي لتفعيل “آلية الزناد” ألتى تسمح بإعادة تفعيل العمل بقرارات مجلس الأمن ألتى تفرض عقوبات دولية، وليس أميركية، على النظام الإيراني، ولم يكن خيار الذهاب إلى التفاوض هو المفضل والمحبذ للمرشد الأعلى والفريق المحيط به الذي يملك طموحاً توسعياً ويعمل على إبقاء المعركة خارج حدوده، إلا أن تضافر كثير من المعطيات وحاجة النظام والسلطة إلى إبعاد شبح الحرب المباشرة، كانا الدافع وراء حسم الخيارات بضرورة إبعاد الحرب عن حدوده وترجيح تجرع قدر قليل من السم قبل أن يكون مجبراً على تجرع هذه الكأس كاملة دفعة واحدة، إلا أن العامل المهم والمحرك الأبرز الذي لا يمكن التجاوز عنه أو إهماله، والذي أسهم في بلورة القناعة الإيرانية بضرورة التفاوض، لا يبعد عن هدير القاذفات الأميركية الإستراتيجية بي ـــ2 وبي ـــ52 في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وعلى مرمى صاروخ من الأراضي الإيرانية، إضافة إلى هدير حاملات الطائرات وقوافل المدمرات المحملة بالصواريخ في المياه الدولية المحيطة في إيران، ومما لاشك فيه بأن النظام الإيراني ومنظومة السلطة قد دخلا دوامة البحث عن الإستراتيجيات الأقل ضرراً للتعامل مع الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب فور إعلان فوزه أو قبلها بقليل عندما أيقنت خسارة منافسه الديمقراطي جو بايدن، وهي جلسات تزامنت أيضاً مع إتضاح مدى الخسائر ألتى لحقت بالنفوذ والقوة الإيرانية في الإقليم بعد الضربة التي تعرض لها “حزب الله” في لبنان، والأنهيار السربع للنظام السوري وهرب رئيسه بشار الأسد، مما يعني أن هذه القيادة أخذت بالأعتبار عينه حجم الضعف الذي لحق بأوراق الضغط ألتى تمتلكها، وبالتالي بات عليها حصر تفكيرها بالقدرات ألتى تملكها داخل حدودها الجغرافية وما يدور فيها من صراعات وإمكان إنفجار داخلي، وكانت الرغبة الإيرانية في الإبتعاد من دائرة الحرب والخسارة الكاملة تلاقت مع رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتوصل إلى حل للأزمة مع إيران بالطرق السلمية والدبلوماسية ألتى تنسجم مع الإستراتيجية ألتى أعلنها بداية رئاسته، وألتى شكلت السلم الذي أستخدمه النظام في طهران لوضع خريطة طريق تسمح بملاقاة رغبة ترمب في منتصف الطريق، ويمكن القول إن جلسة المفاوضات غير المباشرة ألتى أستضافتها العاصمة العمانية الجميلة والهادئة مسقط لا تعتبر الجلسة الأولى بين الطرفين، وهي لم تكن نتيجة لجولتي تفاوض غير مباشرة من خلال الرسائل المتبادلة بين الرئيس والمرشد، بل جاءت تتويجاً لمسار بدأ بعيداً من الأنظار خلال الأسابيع الأولى لوصول ترمب، وعلى هامش إجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألتي شارك فيها الرئيس الإيراني طبيب القلب مسعود بزشكيان، وقدم خلالها خريطة الطريق لمستقبل العلاقة بين إيران والعدو الأميركي، ثم اللقاء الذي جمع مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة الدبلوماسي المخضرم سعيد إيرواني وممثل الرئيس إيلون ماسك في نيويورك، كما قلنا من قبل فقد أبدى الجانب الإيراني تجاوباً مع رغبة الرئيس ترمب بالتفاوض المباشر فكان اللقاء السريع ولمدة 10دقائق بين رئيسي الوفدين الأميركي ستيف ويتكوف وعميد الدبلوماسية الإيرانية الدكتور عباس عراقجي بعد جلسة غير مباشرة إستمرت نحو ساعتين ونصف الساعة.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا