*فادي السمردلي يكتب:حين تتحول المسيرات إلى منابر لطعن الوطن*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
في الوقت الذي تنشغل فيه شعوب العالم بالسعي لإيصال فكرة أو التضامن مع موقف من خلال أدوات حضارية كالمسيرات والوقفات، تبقى ثوابت الانتماء الوطني واحترام وطنهم ودولتهم ومؤسساتها خطوطًا لا تُمس، وحدودًا لا تُتخطى فالفارق الجوهري بين الاحتجاج الناضج والتحريض، هو أن الأول ينبع من الهدف والإيمان بالوطن والرغبة في خدمته، فيما الثاني يُدار من منطلقات أخرى تتجاوز المطالب لتستهدف الكيان نفسه ففي دول العالم، مهما كانت حدة الاعتراضات أو تنوع القضايا، تظلّ الراية الوطنية مرفوعة، والدولة فوق الجميع، والهوية الوطنية خطًا أحمر لا يُساوم عليه أحد أما في الأردن، فنشهد في بعض الأحيان مشهدًا مختلفًا ومؤسفًا، حيث تنطلق بعض المسيرات والوقفات تحت عناوين معينة، لكنها ما تلبث أن تنزلق إلى موجات من الخطاب الذي لا يخدم ما خرجوا لأجله، بل يتجاوز ذلك نحو الطعن بالدولة ومكانتها، والاستهزاء بإنجازاتها، والتقليل من دورها الإقليمي وموقعها المرموق عربيًا ودوليًا.

الأردن، هذا البلد الصغير جغرافيًا، الكبير في فعله ومواقفه، استطاع على مدى العقود الماضية أن يكون لاعبًا محوريًا في المنطقة، وصوتًا متزنًا في زمن الضجيج، وداعمًا للاستقرار في محيط يموج بالصراعات من فلسطين إلى سوريا، ومن العراق إلى لبنان، ومن ملفات اللاجئين إلى مكافحة الإرهاب، كان الأردن في قلب المعادلات، يوازن بحكمة، ويتحرك بثقة، ويُحافظ على تماسكه وسط عواصف سياسية وأمنية أطاحت بدول كبرى وهذا الدور المتقدم، وهذا الحضور الفاعل، لم يكن محض صدفة، بل كان نتيجة لسياسات متزنة، ومواقف مستقلة، وعلاقات مبنية على الاحترام والثقة المتبادلة. ومع ذلك، نجد أن فئة من داخل الوطن نفسه، لا يسوؤها شيء كما يسوؤها هذا التميز الأردني، فتُكرّس خطابها لا للاعتراض الواعي، بل للانتقاص، لا للمطالبة بالتقدم، بل للتقليل من شأن كل إنجاز، والسخرية من كل موقف.

ليست القضية في سوء فهم، ولا في حالة من الإحباط كما قد يُظن، بل هي في جوهرها حالة من التشويش المتعمّد، والغرض الظاهر منها ليس الإصلاح، بل الطعن، ليس البناء، بل الهدم، من خلال ترويج روايات تستخف بمكانة الأردن، وتشيع بين الناس بأن الوطن لا قيمة له، ولا دور، ولا احترام له بين الأمم وهذا النوع من الخطاب لا يخرج من رحم حرية التعبير، بل من ضيق الصدر بالنجاح، ومن مرارة الحسد حين يعجز البعض عن قبول أن وطنهم، رغم موارده المحدودة وتحدياته الكثيرة، استطاع أن يُحقق ما لم تستطع دول أغنى وأقوى أن تُحققه.

كيف يمكن تفسير أن تخرج مظاهرة في عاصمة غربية تطالب بموقف معين من الحكومة، لكن المتظاهرين يحملون الأعلام الوطنية ويرددون النشيد، بينما في بعض احتجاجات الأردن، يُغيب العلم ويُحضر التجريح؟ كيف نفسر أن شعوب العالم حين تغضب، تعود إلى وطنها، بينما بعض الأردنيين حين يغضبون، ينقلبون على الوطن ذاته؟ هل من تفسير لذلك سوى أن الأمر لا يتعلق بالمطالب بقدر ما يتعلق بعدم تقبّل فكرة أن الأردن نجح، وأنه صمد، وأنه تجاوز محطات كانت كفيلة بإسقاطه، لكنه لم يسقط، بل تقدم خطوة بعد خطوة نحو بناء صورة دولية تحترمها العواصم الكبرى وتستمع لها.

هؤلاء لا يزعجهم غلاء الأسعار فقط، بل يزعجهم أن الأردن ما زال واقفًا ولا يضايقهم قرار اقتصادي بعينه، بل يضايقهم أن الدولة لم تفشل كما كانوا يتمنّون. إنهم لا يعارضون السياسات بقدر ما يخاصمون الفكرة ذاتها أن يكون للأردن مكانة، أن يكون له حضور، أن يكون له صوت. هم لا يريدون وطنًا ناجحًا، بل يريدون سردية البؤس الدائم حتى تتوافق مع رؤيتهم السوداوية، وحتى يبرروا لأنفسهم اجنداتهم ولماذا لم ينجحوا هم، ولماذا ظلوا على الهامش بينما كان الأردن يشق طريقه بشق الأنفس ليحجز له مكانًا مشرّفًا في التاريخ والجغرافيا.

هؤلاء لا يدركون أنهم حين يُهاجمون الدولة من أساسها، فإنهم لا يعبّرون عن حرية، بل يمارسون جريمة معنوية بحق وطنهم، ويشاركون، بوعي أو دون وعي، في تدمير الصورة الوطنية داخليًا وخارجيًا فكم من مستثمر أحجم، وكم من شريك تردد، وكم من داعم توقف، لأن بعض الأصوات قررت أن تملأ الفضاء بالتشكيك لا بالثقة، وبالنفي لا بالإثبات، وبالتحقير لا بالفخر.

إن الواجب الوطني في هذه المرحلة لا يقتصر على الدفاع عن الوطن بالسلاح، بل بالدفاع عنه بالكلمة، بالمنطق، بالوعي، بالوقوف في وجه كل من يحاول أن يُفرّغ الانتماء من معناه فالأردن ليس مجرد جغرافيا، بل هو كيان، وهو إرث، وهو مشروع وطني كبير قاوم كل محاولات التهميش، وخرج أقوى مما كان. ومن يحب الأردن بحق، عليه أن يفتخر بنجاحه، لا أن ينكره. أن يطالب بالإصلاح، لا أن يشكك في الأساس. أن يرى في تقدمه سببًا للاعتزاز، لا مناسبة للتشويش.

فالأسوأ من العدو الخارجي، هو من يتمنى سقوط وطنه ليثبت لنفسه أنه كان محقًا والأسوأ من الخيانة، هو الحسد الوطني الذي يتنكر لكل نجاح، ويبحث عن ثغرة ليدخل منها كي يطفئ نورًا لا يطيقه فلا تبع وطنك …فلا تبع وطنك.

قد يعجبك ايضا