✍️ *هل أصبحُ البرلمان ساحةَ ولاءٍ.. لا منصةَ رقابة؟!..*

محمود الدباس  ….

 

من تحت تلك القبة.. التي خُطّت لها الأهداف بنصوص الدستور.. ومن خلف المايكروفونات التي وُضعت لتكون مرآةً لصوت الناس.. لا صوت المناكفة.. ولا صدى الشعارات.. جلس ممثلو الأمة في يومٍ كان يفترض أن يكون علامةَ وعيٍ برلمانيٍّ ناضج.. فإذا بنا نشهد مشهداً.. أقرب إلى مسرحٍ صاخبٍ.. تُتلى فيه الخطب لا لتصحيح المسار.. بل لإثبات الولاء.. لا للوطن ومؤسساته.. بل لفكرة أن الاندفاع.. هو أقصر الطرق إلى قلب الحكومة.. ولا يعلمون إن الدولة لا ولم ولن يعجبها هكذا تصرف..

كانت الجلسة عاصفة.. لا لأنها حملت قضايا مصيرية.. بل لأن عاصفة الكلمات المتهورة.. زاحمت عقول الحاضرين والمشاهدين.. وكأن بين النواب مَن يتسابق على نيل وسام “الأكثر شتماً”.. و”الأشدّ اتهاماً”.. حتى خُيّل لنا.. أن مَن يرفع صوته أكثر.. هو الأكثر وطنيةً بنظر زملائه.. ومَن يستخدم عبارات أكثر حدّة.. هو الأصدق ولاءً للدولة؟!..

تحدثوا عن القضاء.. بعبارات ملؤها الثناء والثقة.. وأنه لا يُظلم عنده أحد.. ولا يُؤخذ بريءٌ بجريرة غيره.. *ثم لم يلبثوا أن وجهوا خطاباتهم.. كأنهم يوجّهون القضاة بما ينبغي أن يفعلوه.. أي تناقضٍ هذا؟!*.. أتثق بالمؤسسة القضائية.. أم تملي عليها ما تراه مناسباً لحساباتك؟!..

أين ذهبتْ الاستقلالية التي تتغنون بها؟!.. بل أين ذهب العقل الذي يُفترض أنه يميز النائب عن غيره من العامة؟!.. *وهل البرلمان سلطة رقابة وتشريع.. أم منصة للتصفيق ولتوجيه الرسائل المبطنة؟!*.. وهل أصبحت جلسات المجلس موسماً لتصفية الحسابات السياسية أو حتى الجهوية.. لا ميداناً لصناعة السياسات الوطنية؟!..

نحن لا نطلب المستحيل من نواب الأمة.. *بل نطلب منهم فقط أن يعودوا إلى ما من أجلِه أُرسلوا إلى البرلمان.. أن ينزلوا من أبراج الشعارات.. إلى ميدان التشريع.. من حلبة المزايدات إلى مكاتب اللجان.. من لغة الصياح إلى منطق السؤال المحسوب..*

إن القضايا التي تهم المواطن الأردني لم تُناقش في تلك الجلسة.. لم نسمع حديثاً عن مستشفيات متهالكة.. ولا عن صفوفٍ مدرسيةٍ باتت لا تصلح لابنائنا.. لم نسمع عن الاقتصاد الذي بات يتنفس بصعوبة.. ولا عن ديون تتراكم.. وبطالة تتوسع.. وشباب يهاجرون بحثاً عن وطنٍ في غير أوطانهم..

*أين أنتم من ملفاتٍ كان أولى أن ترفعوا فيها أصواتكم؟!.. أين أنتم من الصحة والتعليم والعمل والسكن والأسعار والضرائب؟!.. هل هذه الملفات أقل إثارة من ملفٍ كان يمكن أن يُترك لمجراه القضائيّ والأمنيّ الطبيعيّ؟!.. أم أن العناوين السياسية باتت أكثر جاذبية لمن يبحث عن نجومية المقطع المتداول؟!*..

نحن نثق بأجهزتنا الأمنية.. وبقضائنا العادل.. لا لأنكم أخبرتمونا بذلك في كلماتكم.. بل لأن التجربة أثبتت أن من يعمل بصمت.. يحمي الوطن أكثر ممن يرفع الصوت بلا دليل.. فدعوا مؤسسات الدولة تعمل.. وراقبوها بمسؤولية.. لا بتوجيه خفيّ.. ولا بشعارات تُغرق الحقيقة في بحر الضجيج..

نرجوكم.. لا تجعلوا من المجلس ساحة تهتف فيها حناجركم بغير صوت الشعب.. *فالشعب لا يريد صراخاً.. بل يريد أفعالاً*.. يريد أن يرى مَن وعده يفي.. ومن تحدث باسمه يصدق.. ومَن مثّله لا يخذله في قضاياه اليومية..

إن كان لا بد من اندفاع.. فليكن في وجه الفساد.. لا في دَور القضاء.. والاجهزة الامنية.. وإن كان لا بد من حرارة في الخطاب.. فلتكن على فشل السياسات.. لا في تزيين المواقف.. *وإن كنتم أهل حمية.. فلتُوجَّه تلك الحمية لمستقبل هذا الوطن*.. لا لحرق أوراق الآخرين وتسجيل النقاط الزائفة..

فرسان الحق.. والأمن العام لهم ميدانهم.. وأشاوس الجيش لهم دورهم.. ورجال القضاء لهم ميزانهم.. وأنتم.. لكم مكانكم إن عرفتموه.. وعليكم واجبكم إن وعيتموه.. ولذلك نتمنى ان يكون البرلمان منصة تشريع ورقابة..

وما عدا ذلك.. ضجيج يُنسى.. لا يُسجل في دفاتر الكرامة..

محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷

قد يعجبك ايضا