المواد الغذائية الفاسدة في الأسواق الأردنية والقيود الإجرائية أمام التفتيش الصحي
محي الدين غنيم ….
تواجه الأسواق الأردنية في السنوات الأخيرة تحدياً خطيراً يتمثل في انتشار بعض المواد الغذائية الفاسدة أو غير الصالحة للاستهلاك البشري، الأمر الذي يهدد صحة المواطنين وسلامة المجتمع. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات الرقابية المختلفة، لا تزال هناك فجوات قانونية وإدارية تعرقل فعالية الإجراءات الوقائية والرقابية، وتمنح بعض المخالفين فرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب، والدلائل على ذلك كثيرة ؛ وفي كثير من الأحيان ، يكتشف المواطنون أو الجهات الرقابية مواد غذائية فاسدة أو منتهية الصلاحية معروضة في بعض المحلات التجارية، بما في ذلك المولات الكبرى. وتتراوح هذه المواد بين لحوم فاسدة، ومنتجات ألبان غير مبردة، ومعلبات منتهية الصلاحية، وغيرها من السلع التي تُعرض دون مراعاة لشروط النقل أو التخزين أو العرض.
وتكمن الخطورة في أن هذه المواد لا تؤثر فقط على صحة الفرد مباشرة، بل قد تُسبب أمراضاً مزمنة أو تسمماً غذائياً جماعياً في حال استهلاكها على نطاق واسع.
ورغم وجود قوانين رقابية تنظم تداول الأغذية وتمنح الجهات الصحية الحق في ضبط المخالفات، إلا أن اتفاقية تم توقيعها بين بعض المؤسسات الحكومية (مثل وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء) تنص على أن موظفي الصحة لا يحق لهم مخالفة أي “مول” أو منشأة تجارية كبيرة مباشرة، حتى في حال وجود مواد غذائية فاسدة، إلا بعد اتباع خطوات إجرائية محددة ؛ وتلك الاتفاقية المشؤومة قد طرحتها على الهواء في إذاعة هوا عمان التابعة لأمانة عمان في برنامج الشكاوي الذي كان يقدمه الأستاذ ناصر رحامنة وبحضور معالي أمين عمان الأستاذ ( عقل بلتاجي ) رحمه الله وبحضور كبار موظفي الأمانة ؛ حيث تكمن خطورة هذه الإتفاقية بشروطها الغير منطقية ومن أبرز هذه الشروط:
1. تشكيل لجنة مشتركة بين الجهات الرقابية المعنية (الصحة، الغذاء والدواء، وربما البلدية).
2. إبلاغ إدارة المول مسبقًا بموعد الزيارة التفتيشية.
3. القيام بجولة تفتيشية بحضور اللجنة فقط، وعدم اتخاذ إجراء فردي من قبل أي مفتش.
وقد قمت بتزويد معاليه بنسخة من هذه الإتفاقية والتي وقعت من الإدارات السابقة حيث امر بتشكيل لجنة للرد على ما طرحته في الأسبوع المقبل وبكل آسف حضرت اللقاء الذي حدده معاليه وجرى نقاش بينا ولكن وبكل آسف كان حوارات بيزنطيا وبظل الحال كما هو ولغاية يومنا هذا.
وهذه الشروط المقيدة تضعف من فاعلية الرقابة الصحية وتحدّ من قدرة الموظفين المختصين على اتخاذ قرارات فورية لحماية صحة المستهلك. كما أنها تمنح المهربّين أو الفاسدين فرصة لتصريف المواد أو التخلص منها قبل موعد التفتيش، مما يجعل الإجراءات فارغة من مضمونها.
لذلك من الضروري أن تقوم الجهات المعنية في الدولة، وعلى رأسها مجلس النواب والحكومة، بمراجعة هذه الاتفاقية ووضع مصلحة المواطن في مقدمة الأولويات. كما يجب أن يُمنح مفتشو الصحة والغذاء صلاحيات فورية في حالات الاشتباه بوجود مواد فاسدة، دون الحاجة إلى الانتظار لتشكيل لجان أو إرسال بلاغات.
كذلك، فإن تعزيز التعاون بين الجهات الرقابية، ودعم المفتشين بالتدريب والتجهيز، وزيادة الوعي لدى المواطنين للإبلاغ عن أي مخالفات، يمثل ركيزة أساسية في حماية الأمن الغذائي للمملكة.
ولا يمكن التهاون في قضية تمس صحة المواطن وأمنه الغذائي. إن استمرار بيع المواد الفاسدة في بعض الأسواق، مقترنًا بقيود إدارية تعرقل الرقابة، يتطلب تحركاً عاجلاً من الجهات الرقابية والتشريعية لتعديل الأنظمة المعمول بها، وضمان بيئة تجارية نظيفة وآمنة. المواطن الأردني يستحق غذاءً آمناً وسلطة رقابية فعالة غير مقيدة.
الكاتب من الأردن