*فادي السمردلي يكتب: تجاهل التحول الرقمي خلل بنيوي في العمل الحزبي الحديث(٣٦/٢٩)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال **
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٢٩)”*
👈ماذا يعني تجاهل التحول الرقمي؟
في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب الحياة، لم يعد بإمكان الأحزاب السياسية أن تتجاهل أهمية استثمار هذه الأدوات الحديثة في العمل الحزبي إن غياب الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي لا يعني فقط عدم استخدام وسائل التواصل الرقمي أو غياب الحضور على الإنترنت، بل هو غياب أعمق يشمل عدم إدراك الأحزاب لحجم التغيير الذي طرأ على طبيعة العمل السياسي وأساليب التواصل مع الجمهور. هذا الغياب الاستراتيجي والفكري يجعل الحزب يعيش في عالم موازٍ، غير متصل بالواقع الرقمي المتسارع، مما يحول دون تطوير خطط تواصل فعالة تعتمد على البيانات والتحليل الذكي لفهم توجهات الناخبين وتلبية تطلعاتهم.
ويكمن هذا الغياب في عدة أسباب متداخلة، أبرزها ثقافة تنظيمية تقليدية متجذرة تفضل الطرق القديمة وتقاوم التغيير، حيث يهيمن كبار القادة على قرارات الحزب بشكل يجعل من الصعب إدخال الكفاءات الشابة والمتخصصة في التكنولوجيا، مما يعوق قدرة الحزب على مواكبة التطورات الرقمية كما يعاني الكثير من الأحزاب من نقص الكفاءات التقنية التي يمكنها صياغة وتنفيذ استراتيجيات رقمية متكاملة، بالإضافة إلى ضعف التمويل الموجه لتحديث البنية التكنولوجية، إذ تظل أغلب الموارد مكرسة للأساليب التقليدية في النشاط الحزبي، مع غياب الوعي الحقيقي بأهمية البيانات والذكاء الاصطناعي كعناصر جوهرية لتحسين الأداء السياسي.
وينعكس هذا الغياب بشكل واضح في ضعف قدرة الأحزاب على التواصل مع جمهورها، لا سيما فئة الشباب التي تمثل الشريحة الأكبر من الناخبين المحتملين، والتي تعتمد بشكل شبه كامل على الفضاء الرقمي في استهلاك المعلومات السياسية وصنع القرار فالأحزاب التي لا تواكب هذا التحول الرقمي تجد نفسها عاجزة عن جذب الشباب أو التفاعل معهم بصورة تعكس اهتماماتهم وأولوياتهم، مما يؤدي إلى تقلص قاعدتها الشعبية وتراجع نفوذها السياسي وبدون حضور رقمي فعّال، يفقد الحزب القدرة على بناء حوار مستمر ومباشر مع الجمهور، وهو ما أصبح ضرورة لا غنى عنها في السياسة الحديثة.
كما أن غياب الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي يضعف من فرص نجاح الحملات الانتخابية التي تعتمد بشكل متزايد على الإعلانات الرقمية المستهدفة وتحليل السلوك الانتخابي بدقة، فغياب هذه الأدوات يجعل الحملات أقل تأثيرًا وتكلفة، وتُدار بأساليب عامة غير مخصصة، مما يؤدي إلى هدر الموارد وضعف الاستقطاب السياسي وهذا النقص في استخدام التكنولوجيا يمنع الأحزاب من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وتحليلات علمية، مما يعرضها للفشل أمام المنافسين الذين يستثمرون في هذه الأدوات الحديثة.
على صعيد صنع القرار السياسي وتطوير السياسات، يخلق الغياب نفسه مشكلة كبرى، إذ تُفقد الأحزاب القدرة على فهم الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعمق، مما يؤدي إلى اعتمادها على معلومات ناقصة أو متحيزة فمع توفر البيانات الرقمية الضخمة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحليل المخاطر ومحاكاة نتائج السياسات قبل تنفيذها، يمكن للأحزاب صياغة سياسات أكثر واقعية وقابلة للتطبيق، إلا أن غياب هذه التطبيقات يجعل الأحزاب تظل على وقع التجارب غير المدروسة، وهذا ينعكس سلبًا على قدرتها على تقديم حلول حقيقية لمشكلات المجتمع.
أما على الصعيد التنظيمي الداخلي، فغياب التكنولوجيا يضعف البنية التحتية الرقمية للأحزاب، مما يؤدي إلى بطىء في اتخاذ القرارات وضعف في التنسيق بين أفرع الحزب المختلفة فبدون نظم معلومات متقدمة تدعم عمليات التواصل الداخلي وتبادل المعرفة، تبقى الأحزاب أقل مرونة في التكيف مع التحديات السياسية المتغيرة، وهو ما يعرقل بناء حركة حزبية متماسكة وفعالة.
ولا يمكن تجاهل الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذا الغياب، حيث يشعر المواطنون، وبخاصة الشباب، بأن الأحزاب غير معنية بفهمهم أو التفاعل معهم بأسلوب عصري، مما يخلق فجوة في الثقة ويؤدي إلى تراجع المشاركة السياسية وزيادة الشعور بالإحباط والاستقطاب. هذا الواقع ينعكس على البيئة الديمقراطية بشكل سلبي ويجعل الأحزاب تقف على هامش الحياة السياسية.
من جهة أخرى، توفر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة للأحزاب التي تستثمر فيها، إذ تتيح لها بناء قواعد بيانات دقيقة وحديثة تمكنها من استهداف الناخبين بطريقة مخصصة، وتنظيم حملات تفاعلية تترك أثراً أكبر، فضلاً عن استخدام أدوات تحليل المشاعر والتوجهات السياسية المستقبلية، مما يمنح تلك الأحزاب تفوقًا واضحًا في المشهد السياسي.
لقد أثبتت التجارب العالمية أن الأحزاب التي تبنت التحول الرقمي واستثمرت في الذكاء الاصطناعي شهدت تحسنًا ملموسًا في أدائها السياسي، حيث استطاعت تعزيز تواصلها مع الجمهور، وتنظيم حملات انتخابية ناجحة، وصياغة سياسات تتماشى مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي ساعدها على كسب ثقة الناخبين وتحقيق مكاسب انتخابية.
وبالتالي، فإن غياب استثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العمل الحزبي لا يعد فقط نقصًا تقنيًا، بل هو غياب استراتيجي ورؤية شاملة، تؤدي إلى تراجع الدور السياسي للأحزاب، وتضعف قدرتها على المنافسة والتأثير في الساحة السياسية المعاصرة. وهذا يفرض على الأحزاب ضرورة إعادة التفكير الجدي في استراتيجياتها التنظيمية، وبناء كفاءات رقمية متخصصة، ووضع خطط متكاملة للاستثمار في الإعلام الرقمي والتقنيات الذكية، مع إرساء ثقافة تنظيمية تشجع على الابتكار والتجديد فالتخلف عن مواكبة هذا التحول الرقمي يعني البقاء في موقع المتأخرين، وربما الضائعين في عالم سياسي سريع التغير لا يمنح فرصًا للضعفاء.
في النهاية، يصبح واضحًا أن الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لكل حزب يرغب في البقاء فاعلاً ومؤثراً في السياسة الحديثة، وأن غياب هذا الاستثمار هو من أبرز الأسباب التي تفسر إخفاقات الأحزاب في جذب الجماهير وتنظيم نفسها وتحقيق أهدافها السياسية فإن إدراك هذه الحقيقة والعمل على سد هذه الفجوة الرقمية هو الطريق الأوحد نحو استعادة الفعالية والنفوذ السياسي، وضمان قدرة الأحزاب على التفاعل مع متطلبات العصر الجديد.
الكاتب من الأردن