كيف نُحقّق نهضة حضارية !!!

المهندس هاشم نايل المجالي   …..

 

كلّنا يعلم أنّه لن تنهض الأمم التي تعتمد على أساس من الموارد الطبيعية فقط، كما أنّها لا تنهار بسبب غياب الإدارة السليمة فقط، بل يمكن جوهر تحقيق النهضة الحضارية الحقيقية في البنية المعرفية التي تتشكّل في داخل المجتمع، لتتحوّل إلى ثقافة جمعية تسكن الوعي العام وتوجّه سلوك المجتمع نحو الإبداع والإنتاج، والحفاظ على البيئة والأمن المجتمعي والتشاركي في منظومة متكاملة.
أي أنّ التقدّم المعرفي لم يعد مجرّد عنصر في التنمية، بل أصبح شرطاً أساسياً لإنتاج القوة في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، حتى نتمكّن من ترسيخ المفاهيم الوطنية المعرفية في وجدان الناس، حتى أيضاً تتمكن من مواجهة كافة الأزمات بكل عقلانية وتشاركية بفهم مشترك ووعي معرفي.
فالدولة التي تتبنّى وتعتمد نموذج الاقتصاد الريعي، مثل فنزويلا التي اعتمدت على النفط فقط، فشلت في بناء رأس المال البشري القادر على تحقيق التنمية المستدامة، فانهارت اقتصادياً من كثرة الأزمات.
لذلك فإنّ العمل على بناء بيئة معرفية حاضنة للوعي والمعرفة والعلم والتكنولوجيا، يؤدّي إلى تحقيق ما يُسمى (النظام البيئي للابتكار)، وهو ضرورة أساسية لأي دولة تريد أن تتطوّر وتنهض وتواكب المتغيرات الحضارية والعلمية والتقنية، وهذا يؤدّي إلى القدرة على إنتاج الذات باستمرار لمواجهة مختلف أنواع التحديات.
وهذا يدفع بشكل أو بآخر إلى إعادة النظر في السياسات المعرفية، التي لا تُصاغ من الجهات الحكومية فحسب، بل بمشاركة الأحزاب السياسية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والنقابات المهنية، كذلك القاعدة الاجتماعية في تفاعل حيوي وطني دقيق بين كافة هذه الأطراف.
وكم سررنا عندما شاهدنا أحد الأحزاب الأردنية (حزب عزم) عندما تبنّى كثيراً من القضايا الوطنية للنقاش والحوار والدراسة، وعلى سلّم أولويّاتها إعادة تدوير النفايات، التي طالما عانينا منها لسنوات طويلة في كافة المجتمعات الأردنية، والكمّ الكبير لأضرارها بيئياً وعلى الحيوانات، وما تُشكّله من مخاطر كبيرة، علماً بأنّ كافة الدول المتقدّمة تستثمر تدوير النفايات لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتستثمر المخلفات في العديد من الصناعات التحويلية المنتجة.
إنّ أي مشروع نهوض يحتاج إلى تضافر كافة الجهود، وبناء شراكات اجتماعية أفقية وعمودية تُدرك القيمة الاستراتيجية لتطبيق العلم في كثير من المشاريع البيئية وغيرها، وتتبنّاه خياراً وجودياً، ولا يتحقّق التمكين المعرفي من خلال بناء مشروع رأسي مدعّم ببرامج حكومية فقط، فلن يُكتب له النجاح إذا اقتصر على فئة ونُخب معيّنة دون غيرها، بل لا بد من امتدادات عرضية مساندة وداعمة.
ومن هنا تبرز أهمية المشاركة الاجتماعية، ففي الدول المتقدّمة نجد أنّ مشروع فرز النفايات مطبّق على المنازل وعلى المدارس والمستشفيات وغيرها، وجميعها تصبّ في المركز الرئيسي لتدوير النفايات، هذا مثال واحد على أهمية التشاركية في إنجاح أي مشروع، وهذه مشاركة في القاعدة الاجتماعية التي تُشارك بفاعلية في تحوير التقنيات والأجهزة وغيرها.
فلن تكون هناك نهضة حقيقية إذا تمّ اختصار واحتكار المعرفة ضمن فئات وطبقة صغيرة من المجتمع، أو ضمن مؤسسات أو شركات خاصة محدودة تحتكر التكنولوجيا لأغراض ربحية.
ونحن في ظل منافسة عالمية، ودول مجاورة تسعى إلى التطوّر والتقدّم والإنجاز العلمي الحديث في كافة المجالات، وبناء مجتمعات المعرفة، ولقد شاهدنا في إحدى الدول المجاورة كيف كان احتكار المعرفة والتكنولوجيا في كافة المجالات الاستثمارية والمالية وغيرها محتكرة من قبل فئة محدودة. صحيح أنّ ذلك يمنحها القوة والهيمنة والسيطرة، لكن كان انعكاس ذلك هو الانهيار، وكلّ ذلك كان لوضع مؤقّت، فكانت هناك ثورة تصحيحية على ذلك الوضع المزرِي.
لذلك، تشعيب العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وفتح باب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة وغيرها المدروسة ذات الجدوى الاقتصادية، هو الطريق الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة وتحقّق النهضة المنشودة، كما حدث ذلك في كوريا الجنوبية والصين وغيرها من الدول، فالمجتمع هو الحاضن لمخرجات تلك المشاريع، وهو الفاعل، وهو المستفيد في وقت واحد.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا