*فادي السمردلي يكتب: الأحزاب الأردنية وصناعة السياسة الغائب الأكبر في مشهد التحديث السياسي*
*بقلم فادي زواد السمردلي* . …
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
رغم ما يشهده الأردن في السنوات الأخيرة من محاولات لإعادة صياغة المشهد السياسي من خلال “منظومة التحديث السياسي”، فإن الأحزاب الأردنية لا تزال تغيب عن الساحة كفاعل حقيقي في صناعة السياسة، وكأنها اختارت أن تراقب من بعيد، مكتفيةً بدور المتفرج على عملية إصلاح يُفترض أن تكون في صلبها لا على هامشها فالسؤال الذي بات يفرض نفسه بقوة اليوم لماذا لا تزال الأحزاب عاجزة عن لعب دور محوري في صياغة السياسات العامة؟ وهل يعود ذلك فقط إلى طبيعة المنظومة السياسية، أم أن جزءًا كبيرًا من المسؤولية يقع على عاتق الأحزاب نفسها؟
صناعة السياسة، في معناها الحقيقي، لا تعني إصدار بيانات موسمية أو المشاركة في ندوات بروتوكولية، بل تعني التأثير المباشر على القرار السياسي، وامتلاك القدرة على تحويل الرؤى والأفكار إلى تشريعات وسياسات وخطط تنفيذية فهي عملية تفاعل مع مؤسسات الدولة، ضغط جماهيري منظم، تقديم بدائل حقيقية، وصراع ديمقراطي شريف حول الأولويات الوطنية. لكن ما نشهده في الحالة الأردنية هو اختفاء كامل تقريبًا للأحزاب من هذا الدور. لا حزب واحد في الأردن يمكن القول إنه يقود نقاشًا وطنيًا حول ملفات حساسة مثل الضرائب، الفقر، التعليم، الطاقة، أو حتى السياسة الخارجية فلا توجد أوراق موقف حزبية تطرح نفسها في الإعلام أو في البرلمان كمرجع والأسوأ، لا توجد كتل حزبية ذات ثقل برلماني تجعل الدولة تحسب حسابًا لردة فعلها.
هنا تكمن المعضلة فالدولة فتحت الباب من خلال منظومة التحديث السياسي، لكنها لم تجد أمامها أحزابًا جاهزة لممارسة الفعل السياسي الحقيقي وبدلًا من الانخراط في صناعة السياسة، ما تزال أغلب الأحزاب منشغلة بهمومها الداخلية، بصراعات القيادة والهيمنة، بالتكتيكات الضيقة التي تحوّل الحزب إلى كيان لا أكثر. غاب الحس الوطني الجمعي، وغابت البرامج، وغابت الكوادر وحتى الشباب الذين كان يفترض أن يكونوا ركيزة النهضة الحزبية، لم يجدوا ما يجذبهم إلى أحزاب بلا مشروع، ولا رؤية، ولا جرأة.
ولا يمكن إعفاء هذه الأحزاب من المسؤولية. صحيح أن الأردن، تاريخيًا، لم يشجّع الحياة الحزبية الحرة، وأن القوانين والممارسات السابقة كبّلت الأحزاب وقزّمت دورها، لكن الواقع تغير، ومن لا يلتقط التحولات السياسية ويفشل في التكيّف معها لا يحق له أن يشتكي من التهميش، لأنه تهمّش بإرادته. فالمنظومة الجديدة، مهما كانت ناقصة أو قابلة للنقد، فتحت مجالًا واسعًا أمام العمل الحزبي.تمويل من الدولة مرتبط بالنتائج الانتخابية الإيجابية ، دعم شبابي، حصة للنساء، قوائم حزبية في الانتخابات، وغير ذلك. ورغم هذا، الأحزاب ظلت في مكانها، تتحدث عن الإصلاح دون أن تكون جزءًا منه.
أما صناعة السياسة، فهي لا تنتظر المتقاعسين فإما أن تكون فاعلًا فيها أو تكون أداة تُستخدم، أو مجرد ضجيج هامشي لا يُصغي له أحد فالمواطن الأردني فقد ثقته بالأحزاب ليس لأن الناس لا يريدون العمل الحزبي، بل لأنهم لم يجدوا في هذه الأحزاب ما يستحق الثقة أحزاب عاجزة عن إنتاج نخبة سياسية جديدة، أو عن تقديم معارضة جادة، أو حتى عن إدارة حوار داخلي بدون انقسام.
إن غياب الأحزاب عن صناعة السياسة لا يضعف فقط العمل السياسي، بل يُفرغ التحديث السياسي من مضمونه. فما فائدة تحديث قوانين الانتخاب والأحزاب إذا كانت الأحزاب نفسها عاجزة عن تجديد ذاتها؟ كيف يمكن الحديث عن حكومات حزبية مستقبليًا، وأحزاب اليوم لا تملك مشروعًا واضحًا سوى انتظار مقعد هنا أو تمويل هناك؟
في النهاية، الأحزاب التي لا تصنع السياسة، لا مكان لها في مستقبل السياسة ومن لا يعيد النظر في بنيته، وأفكاره، وموقعه في الدولة والمجتمع، سيتحول إلى ورقة صفراء في أرشيف النظام السياسي، يُذكَر فقط عندما يُراد ضرب مثال على فشل النخب في اقتناص فرص الإصلاح.
صناعة السياسة ليست وظيفة الدولة وحدها، بل مسؤولية الأحزاب التي إما أن تنهض لدور تاريخي طال انتظاره، أو تبقى حبيسة العجز، والخوف، والانكماش.