إعداد : د. تغاريد محمد الفواز  ….

 

القيادة التحويلية: كيف يصنع القادة التغيير في المؤسسات؟

مقدمة

تُعتبر القيادة التحويلية من أكثر الأساليب القيادية فعالية في تحفيز التغيير الجذري داخل المؤسسات، وتمكينها من التكيف والنمو في بيئة عمل سريعة التغير. يتجاوز دور القائد التحويلي مجرد إدارة المهام اليومية، ليركز بشكل أساسي على إلهام الموظفين وتنمية طموحاتهم وقيمهم، بهدف تحقيق مستويات أداء استثنائية تفوق التوقعات.

جوهر القيادة التحويلية: الأبعاد الأربعة للتغيير

عرّف بيرنز (Burns, 1978) القيادة التحويلية بأنها عملية تفاعلية يرتقي فيها القادة والأتباع ببعضهم البعض إلى مستويات أسمى من الدافعية والأخلاق. وبناءً على هذا المفهوم، طور باس وأفوليو (Bass & Avolio, 1994) نموذجًا عمليًا يوضح أن القادة التحويليين يقودون التغيير من خلال أربعة أبعاد رئيسية تُعرف بـ “4Is”:

1. التأثير المثالي (Idealized Influence): يمتلك القادة التحويليون شخصية كاريزمية ومبادئ أخلاقية راسخة، مما يجعلهم قدوة يُحتذى بها. هذه السمة تعزز ثقة الموظفين في قراراتهم ونزاهتهم، حيث يرى باس (Bass) أن “الثقة هي حجر الزاوية” في هذه العلاقة.

2. التحفيز الإلهامي (Inspirational Motivation): يعتمد القادة على رؤية مستقبلية ملهمة ومشتركة لشحذ همم الموظفين. من خلال توضيح الهدف الأسمى من التغيير “لماذا”، ينجحون في توليد الحماس والطاقة اللازمة لدفع الفريق نحو تحقيق الأهداف الكبرى.

3. الاستثارة الفكرية (Intellectual Stimulation): يشجع هؤلاء القادة على الابتكار وتحدي الأفكار التقليدية والوضع الراهن. فهم يحفزون الموظفين على التفكير النقدي وحل المشكلات بأساليب إبداعية، وهو ما يمكّن المؤسسة من التكيف مع التحديات واكتشاف فرص جديدة للنمو المستدام.

4. الاعتبار الفردي (Individualized Consideration): يولي القادة اهتمامًا خاصًا بالاحتياجات الفردية لكل موظف، ويعملون كمرشدين (Mentors) يقدمون الدعم والتوجيه الشخصي. هذا النهج يقلل من مقاومة التغيير ويعزز ثقة الأفراد بقدرتهم على التطور والنجاح في البيئة الجديدة.

 

آليات صناعة التغيير المؤسسي

يقود القادة التحويليون التغيير عبر تطبيق آليات استراتيجية متكاملة:

بناء ونشر رؤية استراتيجية: يبدأ التغيير بصياغة رؤية واضحة وجذابة للمستقبل، ثم يتم نشرها بفعالية لتصبح رؤية مشتركة تُلهم الجميع وتمنحهم شعورًا بالهدف.

تمكين الموظفين وتفويض السلطة: يمنح القادة الثقة والصلاحيات للموظفين، مما يشجعهم على أخذ المبادرة وتجربة حلول مبتكرة.

إدارة المقاومة عبر الدعم العاطفي: يدرك القادة أن التغيير قد يثير القلق، لذا يستخدمون “الاعتبار الفردي” لتقديم الدعم النفسي ومعالجة مخاوف الموظفين.

خلق ثقافة داعمة للابتكار: يشجع القائد على التجربة والتعلم من الأخطاء، مما يخلق بيئة عمل آمنة وداعمة.

التطورات الحديثة في القيادة التحويلية

بعد إسهامات بيرنز (1978) وباس (1985، 1994)، واصل باحثون معاصرون تطوير النظرية:

بروس أفوليو (1999-الآن): ركز على القيادة المستنيرة وربطها بالتحويلية.

رونالد ريجيو (2000-الآن): دمج الذكاء العاطفي في القيادة التحويلية.

جين هاول (1990s-2000): درست العلاقة بين القيادة التحويلية والابتكار.

كيفن لو وآخرون (1996): أجروا تحليلًا تجميعيًا حول فاعلية القيادة التحويلية.

فريد ويلمبا (2008-الآن): ركز على الأبعاد الأخلاقية والنفسية.

باربرا كيلرمان (2000s): تناولت التفاعل بين القادة والتابعين في السياقات الاجتماعية.

دراسات بارزة في الألفية الجديدة

Bass & Riggio (2006): دمجا الذكاء العاطفي والقيادة الأخلاقية.

Judge & Piccolo (2004): أثبتا العلاقة القوية بين القيادة التحويلية والأداء التنظيمي.

Walumbwa et al. (2008): ربطوا بين القيادة التحويلية والأصيلة.

Grant (2012): درس دور القيادة التحويلية في تعزيز التمكين الذاتي.

Northouse (2016, 2021): تناول تطبيق القيادة التحويلية في بيئات العمل الحديثة.

خاتمة

تؤكد الأدبيات العلمية أن القيادة التحويلية ليست مجرد نظرية، بل محرك أساسي للتغيير المؤسسي المستدام. على سبيل المثال، في 2025، واصلت تسلا تطبيق أسلوب قيادة تحويلي من خلال تشجيع فرقها على الابتكار السريع في تطوير بطاريات الجيل الجديد وتوسيع البنية التحتية للشحن الذكي عالميًا، مما رسخ مكانتها كرائد للتغيير في صناعة السيارات الكهربائية. نجاح هذا النمط القيادي يعتمد على تكامل قائد ملهم، وفريق مستعد للتطور، وثقافة تنظيمية تحتضن الابتكار.

إعداد:
د. تغاريد محمد الفواز
رئيس أكاديمية دمشق للتدريب والوعي
نائب رئيس الجامعة الدولية للعلوم وتطوير البحث العلمي
📞 الهاتف: +966 53 413 7356
✉️ البريد الإلكتروني: [email protected]

قائمة المراجع

1. Burns, J. M. (1978). Leadership. Harper & Row.

2. Bass, B. M., & Avolio, B. J. (1994). Improving organizational effectiveness through transformational leadership. Sage Publications.

3. Bass, B. M. (1985). Leadership and performance beyond expectations. Free Press.

4. Bass, B. M., & Riggio, R. E. (2006). Transformational leadership (2nd ed.). Psychology Press.

5. Judge, T. A., & Piccolo, R. F. (2004). Transformational and transactional leadership: A meta-analytic test. Journal of Applied Psychology, 89(5), 755–768.

6. Walumbwa, F. O., Avolio, B. J., Gardner, W. L., Wernsing, T. S., & Peterson, S. J. (2008). Authentic leadership: Development and validation of a theory-based measure. Journal of Management, 34(1), 89–126.

7. Grant, A. M. (2012). Leading with meaning: Beneficiary contact, prosocial impact, and the performance effects of transformational leadership. Academy of Management Journal, 55(2), 458–476.

8. Northouse, P. G. (2016, 2021). Leadership: Theory and practice. Sage Publications.

9. Kotter, J. P. (1996). Leading change. Harvard Business School Press.

10. العزاوي، نجم عبدالله. (2010). القيادة التحويلية.

11. عبيدات، سليمان. (2019). أثر القيادة التحويلية في الثقة التنظيمية.

12. النمر، سعود، والعتيبي، بندر. (2020). القيادة الإدارية: مدخل قيمي وأخلاقي.

13. داوني، مايلز. (2012). التدريب الفعال.

قد يعجبك ايضا