فادي السمردلي يكتب: شرشبيل
بقلم فادي زواد السمردلي ….
#اسمع_وافهم_الوطني_أفعال_لا_أقوال
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود* . 👉
(شرشبيل هو شخصية شريرة في قصص السنافر، مشعوذ يعيش مع قطه “هرهور” في قلعة على أطراف الغابة هدفه القبض على السنافر لتحويلهم إلى ذهب أو أكلهم للحصول على قوى سحرية لا يتردد في إعداد المكائد للإيقاع بهم، وقد تمكن من أسر بعضهم عدة مرات، لكنهم كانوا دائمًا يهربون منه).
تتسم بعض المنظومات في مشهدنا الواقعي بسلوكيات تذكرنا كثيرًا بشخصية “شرشبيل” الشرير من قصص السنافر، حيث تطارد مصالحها الخاصة بأساليب تتراوح بين الحيل الماكرة والتكتيكات التي تفتقر إلى النزاهة، وكل ذلك في سبيل تحقيق مكاسب ضيقة وهذا النوع من المنظومات، أو بالشكل الأدق بعض شخوصها، يظهر بشكل متكرر في كافة البيئات التي تفتقر إلى الشفافية أو التي تعاني من ضعف الرقابة والمساءلة، حيث تستغل الموارد ومواقفها فقط لتعظيم نفوذها والحفاظ على مكاسبها، تمامًا كما يخطط شرشبيل للنيل من السنافر وتحويلهم إلى ذهب، دون اكتراث بالأضرار التي قد تنجم عن ممارساته.
يعيش هؤلاء في “قلعة” منعزلة، بعيدة عن نبض الواقع، حيث ينشغلون بالنزاعات الداخلية والبحث عن فرص جديدة لتعزيز سلطتهم، بدلًا من التركيز على تقديم خطط وبرامج واقعية تخدم المجتمع ولأن هذه الوجوه تهتم أكثر بالبقاء في الواجهة وإثبات وجودها، فإنها تميل إلى اتخاذ قرارات تعود بالنفع المباشر على أعوانها ومساعديها أو حلفائها، على حساب الآخرين الذين يعانون من العديد من القضايا وهكذا تتحول برامجها وخططها من كونها أداة لخدمة الناس إلى وسيلة للبقاء في مواقع السلطة والقوة، حتى لو استدعى الأمر التضحية بالمبادئ أو التراجع عن الوعود التي قطعتها على نفسها.
وكما يعمد شرشبيل إلى استخدام الحيل المتكررة للإيقاع بالسنافر، تلجأ هذه النوعية من الشخوص إلى استخدام وعود زائفة وأساليب مضللة لجذب المؤيدين واستمالتهم وقد تقدم وعودًا بتحسين الأوضاع، بينما تعمل في الكواليس على تأمين مصالح خاصة أو تمرير سياسات تعزز من سيطرتها ومراكز نفوذها وهنا يظهر أن هذه المنظومات تفتقر إلى الالتزام الحقيقي بالقضايا المهمة، فوعودها غالبًا ما تكون سطحية وخططها معدة لتحصد رضا مؤقتًا، لكنها سرعان ما تتراجع بمجرد وصولها إلى السلطة والقيادة.
ولضمان استمرار نفوذها، قد تلجأ إلى استراتيجيات تقسيم المجتمع، مفرقةً بين مكوناته على أسس مختلفة، بل قد تشجع أحيانًا على بروز النزاعات وفي سبيل الاستمرار، قد تستخدم أدوات الإعلام والدعاية لتصوير نفسها كمنقذ، فتخلق عدوًا مشتركًا أو تهديدًا وهميًا وتعمل على تأجيجه، لتضمن أنها ستبقى الخيار “الآمن” في مواجهة المخاطر المزعومة وبذلك، يغذي شخوص هذه المنظومات أجواء الانقسام والفرقة، ليصبح من الصعب التوصل إلى توافق يعكس الإرادة الحقيقية.
ومن الناحية التنظيمية، تتصرف هذه المنظومات كأنها “عصبة مغلقة” تضع مصلحة الأعضاء الموالين لها فوق مصلحة الجميع فهي غالبًا ما تفتقر إلى آليات المساءلة الداخلية، وتبني شبكة من العلاقات التي تضمن ولاء الأعضاء عبر مكافأتهم بالامتيازات والمناصب وكما لا يتورع شرشبيل عن خوض مغامرات لا تنتهي رغم خسائره، تتجنب هذه المنظومات أي محاولة للتقييم أو النقد الذاتي، فلا تتعلم من أخطائها ولا تتعظ من إخفاقاتها السابقة، مما يجعلها تعيد نفس السياسات والإخفاقات دون تغيير يُذكر وبذلك، تظل تدور في حلقة مفرغة تعيد فيها إنتاج أزماتها.
في نهاية المطاف، يفضي هذا السلوك إلى تقويض ثقة الأعضاء أو الموظفين أو المواطنين في هذه الفئة من الرموز عمومًا، إذ يتولد لديهم شعور بأنها لا تمثلهم حقيقةً، بل تسعى فقط وراء مصالحها الخاصة. وإزاء هذا الواقع، تتصاعد مشاعر الاغتراب والإحباط لدى المواطنين، مما يفتح الباب لابتعادهم أو ـ في بعض الحالات ـ إلى تنامي المطالب بالتغيير الجذري الهادف إلى كسر هذا النمط من السياسة الاحتكارية.
ومن المهم التأكيد أن ما ورد في هذا المقال هو توصيف عام لحالة قد تتكرر في أكثر من بيئة، ولا يُقصد به شخص بعينه أو منظومة محددة، وإنما يهدف إلى تسليط الضوء على ممارسات سلبية تعيق الإصلاح وتعيق تطلعات الناس نحو مستقبل أفضل.
الكاتب من الأردن