*السامية: المصطلح وجذوره التاريخية واستخدامه الصهيوني*

د. أحمد العرامي  ….

 

ظهر مصطلح “السامية” في أواخر القرن الثامن عشر، وتحديدًا في الدراسات اللغوية الأوروبية، عندما استخدمه اللغوي اليهودي الألماني أوغست شلوتسر، سنة 1781م اعتماداً على ماورد في الإصحاح العاشر من سفر التكوين في التوراة للإشارة إلى مجموعة اللغات التي كان يُعتقد أن المتحدثين بها ينحدرون من نسل سام بن نوح، شمل هذا التصنيف لغات كالعربية والعبرية والآرامية والأكادية والفينيقية وغيرها، التي أُطلق عليها مجتمعة اسم “اللغات السامية”. إذا في الأصل، كان المصطلح لغويًا بحتًا لا علاقة له بالعرق أو الدين.
لكن مع صعود الفكر القومي والعرقي في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، تحوّل المصطلح من مفهوم لغوي إلى مفهوم عنصري. بدأ بعض المفكرين الغربيين – خاصة في ألمانيا وفرنسا – يميزون بين “العرق السامي” و”العرق الآري”، حيث رُوّج لصورة نمطية تعتبر “الساميين” أدنى مرتبة من الأوروبيين.
في هذه المرحلة، وُلد مصطلح “معاداة السامية”على يد الصحفي الألماني فيلهلم مار، عام 1879 لوصف العداء تجاه اليهود تحديدًا، وليس تجاه الشعوب السامية الأخرى كالعرب.
وهكذا جرى اختزال معنى “السامية” في اليهود وحدهم، رغم أن العرب هم أيضًا من المجموعات السامية حسب تصنيف شلوتسر.

بعد الحرب العالمية الثانية وزرع كيان العدو الإسرائيلي عام 1948، تبنت المنظمات الصهيونية هذا المصطلح كسلاح سياسي ودعائي. فكل من ينتقد سياسات الاحتلال أو يندد بالتمييز العنصري الإسرائيلي، تُلصق به تهمة “معاداة السامية”. تحولت الكلمة إلى درعٍ أيديولوجي يحصّن كيان العدو الإسرائيلي من النقد الدولي، ويُجرّم أي خطاب يُفضح ممارساتها الاستعمارية أو يطالب بمحاسبتها على جرائم الحرب.
بل إن العديد من القوانين الغربية – خاصة في أوروبا والولايات المتحدة – توسعت في تعريف “معاداة السامية” لتشمل حتى الاعتراض على الصهيونية نفسها أو الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. وبهذا صار المصطلح يُستخدم لتكميم الأفواه وقمع الأصوات الحرة، في تناقض واضح مع مبادئ حرية الرأي.

مصطلح “السامية” بدأ كتصنيف لغوي توراتي ، ثم تحوّل إلى مفهوم عنصري في أوروبا، واستُخدم في العصر الحديث كأداة سياسية بيد الصهيونية لتبرير الاحتلال وتقييد حرية النقد. إن احتكار الصهاينة للمصطلح وحصره في اليهود إلغاء لتاريخٍ طويل من التنوع الثقافي واللغوي بين الشعوب السامية، واستخدامه كسلاح ضد المفكرين والصحفيين إنما يعكس توظيف اللغة لخدمة مشروعٍ سياسي عنصري.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا