المنظمات: الوجه الآخر للعدو

أسماء الجرادي ….

 

قرون من الزمن عاش الإنسان اليمني حياة عظيمة مليئة بالعزة والكرامة، رغم التعب والمشقة إلا انهم كانوا يعتمدون على أنفسهم في كل شيء: فغذاؤهم ودواؤهم من ارضهم، وقوتهم من عزيمتهم وارادتهم التي كانوا يحملونها. لم تكن هناك منظمات دولية، ولا مساعدات خارجية ولا وارادات، ولا تبعية لأي جهة. ومع ذلك، كانت صحتهم قوية، وأعمارهم مديدة، وأرواحهم مطمئنة.

كان الوطن مكتفيًا بذاته، لا يتأثر بما يحدث في العالم، ولا يحتاج إلى يدٍ خارجية لتطعمه أو تعالجه. فكان الإنسان اليمني يعيش بسيادة كاملة على حياته وموارده.

لكن هذه الصورة بدأت تتلاشى تدريجيًا، حين دخلت المنظمات الدولية إلى الوطن تحت عدة شعارات، وبدأت معها مرحلة جديدة من التغيير، تغيّر نمط الحياة، وتبدلت القيم، وبدأت تظهر آثار هذا التحول على كل جوانب المجتمع.

دخلت المنظمات، وأدخلت معها الغذاء المستورد، الأدوية،واللقاحات. ومع الوقت، بدأ الشعب يعتمد على هذه المصادر،وتوقفت كثير من الأراضي الخصبة، وبدأت الأمراض تنتشر رغم كثرة الأدوية. ضعف الجهاز المناعي لدى الصغار والكبار، وظهرت أمراض لم تكن مألوفة من قبل.

أصبح هذا التحول بداية لفقدان السيطرة على الموارد، وعلى نمط الحياة الذي كان يمنح اليمنيين القوة والكرامة. وبدأ المواطن يستغني عن كثير من الأعمال الشعبية، وعن تربية المواشي، وعن المنتجات المحلية التي كانت تعينه على العيش الكريم.

امتد تأثير المنظمات إلى بنية المجتمع نفسه. فقد المواطن اليمني كثيرًا من قيمه الأصيلة، مثل الاعتماد على النفس، العمل الشعبي، والكرامة، وحتى أخلاقه الاسلامية. تفككت الأسر، وضاعت الطموحات، وأصبح الهدف الأساسي هو العيش بأي طريقة، حتى لو كانت على حساب المبادئ.

اعتمد البعض كليًا على المنظمات وعلى الواردات لتوفير الغذاء، مما أدى إلى ضعف الإرادة الجماعية، وانعدام الحافز للعمل والإنتاج، وتراجع دور الدولة والمجتمع في توفير الاحتياجات الأساسية،وأصبح المواطن ينتظر ما يُمنح له، بدلًا من أن يصنعه بيده.

مع مرور الوقت، أصبحت المنظمات تعرف تفاصيل المجتمع اليمني أكثر من مؤسسات الدولة نفسها. تم حصر الموارد، وتحليل طبيعة الأفراد، وجمع البيانات الدقيقة عن كل شيء. أصبح الوطن كله مكشوفًا، والشعب مرصودًا، والمعلومات الحساسة في متناول جهات خارجية.

وقد انكشف مؤخراً تورط عدد من العاملين في بعض المنظمات الدولية في أعمال تجسس لصالح العدو، من خلال جمع معلومات دقيقة عن البنية المجتمعية، والاقتصادية، وحتى العسكرية. هذه المعلومات، بحسب ما أُعلن، كانت تُستخدم لتحطيم الوطن،ولتحديد أهداف العدوان، واستهداف مواقع حيوية، ومؤسسات حكومية، وكان منها مؤخراً استهداف العدوان لحكومة التغيير والبناء.
أتضح أن تلك المنظمات ماهي سوا أدوات اختراق ناعم، تمهّد الطريق للعدو، وتكشف له كل ما يحتاجه لضرب الوطن من الداخل.

رغم تحذير القرآن الكريم من أعداء الأمة، ما زال البعض يثق بهم ويتبعهم، وهم من ياخذون ثرواتنا ويقتلوننا بيد ويعطوننا الفتات باليد الأخرى. فكيف لنا أن نعتمد عليهم ونثق بهم، وهم من دمّروامجتمعاتنا، وأوطاننا.هم من غرس الخناجر في أجسادنا،وقتلونا؟
كيف نرجو الخير ،وقد قال تعالى (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا..)
اليمن دولة عظيمة، ذات تاريخ عريق، لا يليق بها التبعية لأي جهة. يجب طرد العاملين لصالح جهات خارجية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وإيقاف عمل المنظمات فنحن لسنا بحاجة احد بعد أن عرفنا عملهم وخططهم ، بعد أن وجدنا أعمالهم القذرة في كل البلدان الإسلامية التي تعرضت لعدوان صهيوني غربي.

هنا نؤكد انه لا بد من العودة للاكتفاء الذاتي، في جميع المجالات يجب أن نزرع، نصنع، ونبني وطننا بأيدينا، بعيدًا عن التبعية. وقد كرمنا الله بقيادة عظيمة بدأت العمل في توطين بعض المنتجات، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح. ما نحتاجه هو جهد مضاعف من الجميع، من الدولة والشعب، لبناء وطن مستقل، قوي ،وحر، وكريم ، فاليمن قادر على النهوض من جديد، إذا اجتمع الشعب والدولة على هدف واحد.

نحن شعبٌ له جذور ضاربة في عمق التاريخ، لا يليق بنا أن نعيش على فتات الآخرين. لقد تعلمنا كثيرًا، وتألمنا أكثر، وآن لنا أن ننهض، ونستعيد ما سُلب منا، ونبني وطنًا يليق بنا وبأجيالنا القادمة.
ومهما كانت المعاناة وحجم التضحيات، يكفينا اننا في الطريق الصحيح. نستعيد ما ضاع، ونعود لله وأوامره. قال تعالى:وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِـمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
اليمن يستحق أن يكون حرًا، قويًا، مستقلًا، كما يجب أن يكون دائمًا.

الكاتبة من اليمن

قد يعجبك ايضا