ضمان حق النفقة بين حماية الأطفال وفعالية التشريع

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

يشكّل حق النفقة حجر الأساس في حماية الأطفال والأمهات الحاضنات، إذ لا يقتصر على كونه التزاماً مالياً يؤديه الأب، بل هو حق إنساني يضمن للطفل حاجاته الأساسية من غذاء وعلاج وتعليم وبيئة كريمة ومن هنا تأتي أهمية التعامل مع النفقة بوصفها التزاماً مستمراً لا يجوز إضعافه أو ربطه بإجراءات قد تفرّغ هذا الحق من قيمته، خاصة وأن المستفيد منه هو الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع: الأطفال.

لقد كان حبس الأب الممتنع عن دفع النفقة أحد أكثر الوسائل فعالية في ضمان وصول الحقوق المالية إلى مستحقيها، وفق ما أظهرته التجربة القضائية في الأردن فقد لعب هذا الإجراء دوراً رادعاً يمنع التهرب ويضمن تنفيذ الأحكام إلا أن وقف العمل بهذا الإجراء دون إيجاد بديل قادر على أداء الدور ذاته يخلق فجوة قانونية خطيرة، إذ قد يشجع بعض الآباء على الامتناع عن الدفع، ويترك الأطفال والأمهات أمام واقع مالي صعب لا يراعي احتياجاتهم اليومية ولا التزاماتهم الأساسية.

وفي ضوء هذه المخاطر، تبرز ضرورة إنشاء صندوق نفقة رسمي يكون بمثابة آلية ضمان فورية لسداد النفقة الشهرية للأطفال والأمهات فوجود مثل هذا الصندوق يُعد خطوة جوهرية في حماية الأسر من الانقطاع المالي المفاجئ، ويمنح الدولة أداة تنفيذ عملية وفعّالة تكفل وصول النفقة في موعدها بعيداً عن أي مماطلة أو تهرب. كما يتيح هذا المقترح معالجة المشكلة من جذورها، بحيث تتولى الجهة المختصة لاحقاً تحصيل المبالغ من الأب بطريقة قانونية، دون أن يتحمل الأطفال أي أثر سلبي.

ومن أبرز المخاطر التي يُخشى تفاقمها عند إلغاء الحبس دون بديل، وقوع عبىء النفقة كاملاً على الأم الحاضنة، التي قد تجد نفسها مضطرة للاقتراض أو تحمل ضغوط مالية ونفسية فوق طاقتها ومثل هذا الوضع ينعكس مباشرة على استقرار الطفل ورفاهيته، وقد يؤثر على تعليمه وصحته وحياته اليومية. لذا، فإن أي تعديل تشريعي يجب أن يضع نصب عينيه حماية الأسرة، وأن يضمن استمرار الدعم المالي للأبناء دون انقطاع.

كما يمثل الحفاظ على هيبة القانون وتنفيذ الأحكام جانباً أساسياً في عملية الإصلاح فالأحكام القضائية التي لا تُنفّذ تفقد قيمتها، وتفقد معها منظومة العدالة ثقة المواطنين فوجود صندوق نفقة فعّال، أو أي بديل قانوني واضح، يمنع هذا التراجع ويؤكد جدية الدولة في صون حقوق الأطفال وبدون هذا البديل، تتحول الأحكام إلى وثائق بلا أثر حقيقي، وهو ما لا ينسجم مع مبادئ العدالة ولا مع حماية الحق الأساسي للطفل.

وليس إنشاء صندوق نفقة فكرة محلية فقط، بل هو تجربة طبّقتها دول عديدة مثل تونس وغيرها، وحققت من خلالها حماية فعليّة للأطفال وضماناً لاستمرارية دفع النفقة فهذه التجارب تُظهر أن الصندوق ليس مشروعاً نظرياً، بل هو حل عملي مستدام أثبت نجاحه، ويمكن تبنيه بما يحقق الأمان المالي للأسر.

وانطلاقاً من ذلك، يصبح من الضروري ربط أي تعديل قانوني يوقف الحبس بوجود صندوق نفقة فعّال يضمن استمرار الدعم المالي دون تأخير. فالتعديل الذي يمس آلية التنفيذ دون توفير بديل يعرض حقوق آلاف الأطفال للخطر، ويخلق فجوات لا يمكن تداركها بسهولة.

حتى ينجح صندوق النفقة ويؤدي دوره على الوجه المطلوب، لا بد من توفير مصادر تمويل مستدامة ومتعددة، تضمن استمراريته دون تأثر بالتقلبات المالية ويمكن تحقيق ذلك عبر مجموعة من الخيارات الواقعية، من بينها تخصيص جزء من أموال الزكاة، على غرار ما هو معمول به في صندوق الغارمين والغرامات، خصوصاً أن النفقة تدخل في باب الحاجات الإنسانية الأساسية. كما يمكن دعم الصندوق من المخصصات الحكومية السنوية، باعتباره جزءاً من منظومة الحماية الأسرية.

ويمكن كذلك تعزيز موارده عبر التبرعات والصدقات، بما يفتح باب المشاركة المجتمعية في حماية الأسر المستضعفة، إضافة إلى تخصيص نسبة من مخالفات السير لدعم موارده، وهي آلية مجرّبة في دول عديدة لرفد صناديق التكافل. ومن الممكن أيضاً إضافة رسوم رمزية على معاملات المحاكم الشرعية والنظامية، بحيث تُستخدم هذه الرسوم بشكل مباشر في تمويل الصندوق دون إرهاق المتقاضين.

ولضمان الشفافية وحسن الإدارة، يُقترح أن يكون هذا الصندوق تحت إشراف ورقابة دائرة قاضي القضاة، بما يضمن ارتباطه المباشر بالجهات المختصة بتنفيذ أحكام النفقة، وبما يعزز الثقة في آلياته وإجراءاته.

بهذه الرؤية الشاملة، يصبح إنشاء صندوق نفقة خطوة متكاملة تسهم في حماية الأطفال وضمان استقرارهم المعيشي، وفي الوقت ذاته تحافظ على فعالية التشريعات، وتسد الثغرات التي قد تنشأ عن أي تعديل في آليات التنفيذ.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا