فادي السمردلي يكتب: الثروات الراكدة الوجه الآخر الذي تتجاهله موازنة ٢٠٢٦

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

بعد إقرار موازنة ٢٠٢٦، تبدو البلاد وكأنها تكرر السيناريو ذاته الذي لازمها طوال سنوات موازنة تُكتب على عجل، تُناقش ببرودة، ثم تُقرّ باعتبارها “أمراً واقعاً”، فيما تبقى الفجوات الحقيقية بلا معالجة والمشكلة ليست في الأرقام وحدها، بل في أن الموازنة ما زالت تتجاهل وجهاً أساسياً من الأزمة الثروات الراكدة التي تمتلكها الدولة ولا تعرف قيمتها، ولا تستثمرها، ولا حتى تضعها ضمن حساباتها الفعلية وكأن البلاد تُدار بمنطق من لا يملك شيئاً، بينما الحقيقة أن ما تملكه الدولة ـ إذا جرى حصره وإدارته بجدية ـ قادر على قلب الطاولة على المشهد المالي الراهن.

فالموازنة الحالية تستمر بذهنية الإنفاق الجاري، حيث تُصرف أغلب الأموال على الرواتب والدعم وتغطية الالتزامات اليومية، في حين يغيب أي توجه حقيقي نحو الاستثمار أو خلق مصادر دخل بديلة وهذا يعني أن الدولة تكتفي بإدارة الأزمة ساعة بساعة، وتغض النظر عن موارد ضخمة موزعة بين الأملاك العامة والبحرية، الأراضي الواسعة، المنشآت الحكومية المتروكة، المؤسسات الخاسرة رغم امتلاكها أصولاً مهمة، وحتى الثروات الطبيعية التي لم يُفتح ملفها جدياً حتى اليوم فكل هذه الموارد تعيش في الظل، خارج التخطيط، وخارج الرؤية المالية، وكأنها ليست موجودة أصلاً.

إن الحديث عن جردة وطنية شاملة للموارد ليس رفاهية فكرية ولا خطوة تقنية إنه مدخل إلزامي لإعادة بناء مفهوم الموازنة نفسها. فالدولة التي لا تعرف ما تملك، لا يمكن أن تعرف كيف تُنفق، ولا كيف تُخطط، ولا كيف تخفف اعتمادها على الاقتراض الذي صار يشبه ضريبة غير معلنة يدفعها المواطن من خلال غلاء المعيشة وغياب الخدمات وتدهور القدرة الشرائية فكل سنة جديدة من الموازنات التي تُكتب بالطريقة نفسها تعني ديوناً إضافية، وخدمات أقل، وإرهاقاً أكبر للمجتمع.

إن الثروات الراكدة ليست مجرد عقارات أو منشآت، بل هي رصيد اقتصادي معطل. منشأة صناعية حكومية مهجورة يمكن أن تتحول إلى مركز إنتاج أرض عامة يمكن أن تصبح مشروعاً استثمارياً يدر دخلاً ثابتاً مؤسسة رسمية غارقة في الخسائر قد تعود للحياة إذا أعيد هيكلتها بدل تركها تبتلع المال العام بلا أثر. حتى الثروات الطبيعية، من الطاقة إلى الموارد المائية، ما زالت خارج أي إطار تخطيطي جدي، وكأن الدولة تعيش في قوقعة زمنية لا علاقة لها باقتصاد العالم ولا بتحولات السوق.

الجردة الشاملة هي الخطوة الأولى، لكنها أيضاً الأكثر حساسية، لأنها ستكشف الواقع كما هو، وستفضح مواقع الهدر، وستسحب الغطاء عن المصالح التي تعيش على ضعف الإدارة ولكنها خطوة لا يمكن الهروب منها إذا أرادت البلاد أن تتخلص من عبىء الديون، وأن تخرج من اقتصاد هش يعيش فقط على الجباية والاقتراض. والمفارقة أن الدولة التي تفتش عن حلول لتمويل نفقاتها تمتلك في الوقت نفسه موارد يمكن أن تغيّر مسار الاقتصاد بالكامل لو أُديرت بجرأة وشفافية.

إن موازنة 2026، رغم كل ما قيل فيها، ليست سوى بداية للنقاش الحقيقي فالنقاش ليس حول أرقام العجز، ولا حول نسبة النمو الموعودة، بل حول السؤال الأخطر كيف يمكن بناء اقتصاد مستدام بينما تبقى ثروات الدولة معطلة خارج الحساب؟ الجواب واضح لا موازنة تنقذ الدولة ما لم تُفتح أبواب الثروات الراكدة ويُعاد إدماجها في رؤية تنموية جديدة.

بهذا المعنى، فإن الحل ليس في زيادة الضرائب ولا في المزيد من الاقتراض، بل في إعادة اكتشاف ما نملكه بالفعل. وعندما تتحول الموارد الوطنية من عبىء منسي إلى رافعة إنتاجية، عندها يمكن القول إن الموازنة لم تعد وثيقة محاسبة، بل مشروع دولة تعرف قيمتها وتعرف إلى أين تتجه.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا