فادي السمردلي يكتب: الأردن كما يجب أن يُروى بين الهوية الوطنية والصورة العالمية
بقلم فادي زواد السمردلي ……
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
لا يمكن اختزال الأردن في ما يكتب عنه الآخرون من دراسات أكاديمية أو تقارير حقوقية، مهما كانت موضوعية أو نقدية، فالمنظورات الخارجية غالبًا ما تحمل أجندات محددة أو أولويات تختلف عن مصالح الدولة وشعبها وهذه التصورات، وإن كانت مفيدة أحيانًا لفهم بعض الجوانب، إلا أنها لا تعكس الصورة الكاملة للواقع الأردني، وقد تبني صورًا ناقصة أو منحازة عن الدولة، تجعل مراكز التأثير الدولية تتبنى رؤى جزئية، أو تتخذ مواقف مبنية على سوء فهم لذلك، تبرز الحاجة الملحة إلى رواية وطنية متكاملة، تنبع من الداخل، ترتكز على الهوية الوطنية الأردنية، وتعكس الواقع بكل تحدياته وتعقيداته، وتوضح الخيارات الإصلاحية للدولة من منظورها الخاص، بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصون سيادتها الفكرية.
الرواية الوطنية الأردنية ليست رفاهية فكرية، بل أداة استراتيجية تمكّن الدولة من التحكم في صورتها داخليًا وخارجيًا فهي تعزز قدرة الأردن على عرض إنجازاته وتحدياته بطريقة واضحة ومتوازنة، بعيدًا عن التأويلات الجزئية التي قد يقدّمها الآخرون فعلى سبيل المثال، الحديث عن الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية يحتاج إلى أن يتم تقديمه ضمن إطار وطني شامل، يوضح دوافعها وأهدافها وآثارها على المجتمع، بدلاً من تركها لتفسيرات قد تصوّر الدولة على أنها عاجزة أو ضعيفة أو متأخرة عن الركب ومن خلال هذه الرواية، يمكن للأردن أن يبني خطابًا متماسكًا في المحافل الدولية، يعكس موقفه ويحد من الصور النمطية أو المغلوطة التي قد تسود عن البلد.
للرواية الوطنية بعد داخلي بالغ الأهمية أيضًا. فوعي المواطن الأردني بالهوية الوطنية وبخيارات الدولة الإصلاحية يعزز المشاركة المجتمعية والسياسية، ويقوي اللحمة الوطنية في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية وعندما يكون المواطن قادرًا على فهم سبب اتخاذ الدولة لقرار معين أو إطلاق مشروع إصلاحي محدد، يتحول الشعور بالانتماء والمسؤولية الوطنية من مجرد شعارات إلى ممارسة فعلية، تساهم في تعزيز الاستقرار والتنمية وهذه الرواية الداخلية أيضًا تمنع انتشار الانقسام أو الإحباط الذي قد ينجم عن اعتماد المواطنين على سرديات خارجية لا تعكس الواقع الوطني بشكل دقيق.
يمكن تجسيد هذه الرواية الوطنية في عدة مجالات عملية، أبرزها الإعلام، التعليم، والدبلوماسية وفي الإعلام، يحتاج الأردن إلى إنتاج محتوى محلي يبرز إنجازاته، ويشرح التحديات، ويوضح أولويات الدولة بلغة متوازنة وموضوعية فالإعلام هنا ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أداة لبناء صورة وطنية واضحة ومتكاملة، تؤثر في الرأي العام الداخلي والخارجي أما في التعليم، فيجب أن تتضمن المناهج الدراسية سردًا متماسكًا لتاريخ الأردن وثقافته وهويته الوطنية، بما يعكس التنوع الاجتماعي والغنى التاريخي للبلاد، ويمنح الطلاب قدرة على فهم دورهم كمواطنين فاعلين في تنمية وطنهم فهذا الوعي المبكر يشكل قاعدة صلبة لتنشئة جيل واعٍ بقرارات الدولة وخياراتها الإصلاحية.
في مجال الدبلوماسية، تصبح الرواية الوطنية أداة دفاعية واستراتيجية بامتياز فعندما يقدم الأردن مواقفه في المنتديات الدولية من خلال سرد متماسك وواضح، فإنه يسيطر على الصورة التي يريد أن تظهر للعالم، ويحد من التأويلات الخاطئة أو المغرضة التي قد تستند إلى تقارير خارجية جزئية فهذا ليس مجرد تمرين شكلي، بل ممارسة عملية للسيادة الوطنية على مستوى الفكر والرأي العام العالمي، ويعزز قدرة الدولة على حماية مصالحها ومصالح مواطنيها.
باختصار، الرواية الوطنية الأردنية ضرورة استراتيجية، وليست رفاهية ثقافية أو أكاديمية فهي تصنع صورة واضحة ودقيقة عن الدولة داخليًا وخارجيًا، تعكس التحديات والإنجازات وخيارات الإصلاح، وتمنح الأردن القدرة على التفاعل مع العالم من موقع قوة ووعي كما أنها تعزز اللحمة الوطنية وتشجع المشاركة المجتمعية، وتضع الأردن في موقع يمكنه من صياغة مستقبله بنفسه، بعيدًا عن الصور الخارجية الجزئية أو المنحازة فرواية الأردن كما يجب أن تُروى هي الركيزة التي تضمن أن يُفهم الواقع الوطني بعين وطنية صادقة، ويصان حق الدولة في رسم مسارها وتحديد مصالحها، مع الحفاظ على هويتها الوطنية المميزة.
الكاتب من الأردن