بين الشرعية الدستورية وتغوّل المراسيم لا يجوز رفع دعوى جزائية مباشرة ضد الرئيس محمود عباس أثناء توليه منصبه، نظرًا للحصانة الدستورية المقررة له، ولغياب الآلية الدستورية الخاصة بالاتهام؟

بقلم د تيسير فتوح حجه …..

 

الأمين العام لحركة عداله .
قراءة قانونية سياسية في إمكانية الطعن بمراسيم رئاسية مخالفة للقانون الأساسي
يشكّل القانون الأساسي الفلسطيني حجر الزاوية في النظام الدستوري، وهو المرجعية العليا التي تُقاس بها شرعية السلطات كافة، بما فيها مؤسسة الرئاسة. وأي خروج عن أحكامه لا يمكن تبريره بالواقع السياسي أو بحالة الانقسام، لأن الدستور وُضع أصلًا لحماية الشعب من تغوّل السلطة، لا لمنحها غطاءً لتجاوز حدوده.
لقد أجاز القانون الأساسي لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، في المادة (43)، إصدار قرارات بقانون في حالات استثنائية محددة، هي حالات الضرورة التي لا تحتمل التأجيل، وبشرط عرض هذه القرارات على المجلس التشريعي في أول جلسة له. غير أن ما شهدناه في السنوات الأخيرة هو تحوّل الاستثناء إلى قاعدة، والمراسيم إلى أداة حكم دائمة، دون تحقق شرط الضرورة، ودون رقابة تشريعية، ودون مراعاة لمبدأ الفصل بين السلطات.
أولًا: في المساءلة القانونية للرئيس
من الناحية القانونية البحتة، لا يجوز رفع شكوى جزائية ، والتي يفترض أن تمر عبر المجلس التشريعي المعطّل. إلا أن هذه الحصانة لا تعني إطلاق اليد في مخالفة الدستور، ولا تُضفي المشروعية على أي مرسوم مخالف للقانون الأساسي.
ثانيًا: الطريق القانوني المتاح – الطعن الدستوري
يبقى الطعن بعدم دستورية المرسوم هو المسار القانوني السليم والمتاح، ويجوز رفعه من قبل شخصين أو أكثر متضررين، متى توافرت لديهما مصلحة مباشرة. فالطعن هنا لا يستهدف شخص الرئيس، بل مشروعية القرار نفسه، ومدى توافقه مع أحكام القانون الأساسي، وحدود الصلاحيات الدستورية.
إن أي مرسوم:
– لا يستند إلى حالة ضرورة حقيقية،
– أو يمس الحقوق والحريات العامة،
– أو يُعيد تشكيل النظام السياسي أو القضائي خارج الأطر الدستورية،
يُعد مرسومًا فاقدًا للمشروعية الدستورية، حتى وإن استمر تطبيقه كأمر واقع.
ثالثًا: الإشكالية السياسية والقضائية
لا يمكن إغفال الجدل القائم حول استقلالية المحكمة الدستورية العليا، وظروف تشكيلها، وتأثير الواقع السياسي عليها. وهذا الجدل يضعف ثقة المواطنين بجدوى الطعن، لكنه لا يُسقط الحق القانوني ولا الواجب الوطني في اللجوء إلى الأدوات الدستورية، ولو من باب تثبيت الموقف القانوني والتاريخي، وفضح الخلل البنيوي في منظومة الحكم.
موقف حركة عدالة
انطلاقًا من إيمانها بسيادة القانون، تؤكد حركة عدالة أن:
– تعطيل المجلس التشريعي لا يمنح أي سلطة حق الحلول محل الشعب.
– الحكم بالمراسيم دون ضوابط دستورية يُشكّل اعتداءً على الإرادة الشعبية.
– احترام القانون الأساسي هو المدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام واستعادة الثقة بالمؤسسات.
وترى حركة عدالة أن استمرار إصدار مراسيم مخالفة للقانون الأساسي يُعمّق أزمة الشرعية، ويُقوّض مبدأ الشراكة الوطنية، ويفتح الباب أمام استبداد مقنّع باسم الضرورة، وهو أمر مرفوض وطنيًا وقانونيًا..
إن الدولة لا تُبنى بالنوايا ولا تُدار بالاستثناءات، بل بالدستور واحترامه. وأي سلطة تتجاوز القانون الأساسي، مهما كانت المبررات، تضع نفسها في مواجهة الشعب والتاريخ. من هنا، فإن الطعن الدستوري في المراسيم المخالفة ليس خصومة سياسية، بل فعل دفاع عن الدستور، وعن ما تبقى من النظام القانوني الفلسطيني.

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا